هناك انقراض كامل لجنس بشري متوحش حصل في اللحظات الأخيرة من منامكِ.
ما أن فتحتِ عينيك حتى رأيتِ حماراً وحشياً يركل الأبواب الموصدة، احتجتِ لثوان، لتدركي أن هذا غير الذي رأيتِه في المنام، وأن الأبواب ليست إلا باب غرفتكِ وباب حمامها، وأن النوافذ صارت أبواباً ثم عادت نوافذ حين حلت عليكِ اليقظة تماماً.
أيقظتكِ ذبابة، هذا كل ما حصل في الواقع… الواقع الفظ.
لو عدتِ إلى النوم، لرأيتها أسراب ملائكة مهجّرة من الأرض التي أنت عليها الآن.
الذبابة.
لا شيء لتفعلينه هذا الصباح، كما في صباحات مضت وستأتي، ربما إنصاتك فقط للتضرعات التي خرجت من هذه الأرض ولم يستجب لها أحد، أو أنها علب المناديل الورقية التي اشتريتها من ذاك الصبي المتخم بالشرود، وأشياء كثيرة أخرى تدفعين ثمنها أضعاف سعرها، مع المبالغ التي تتصدقين بها على أرصفة دمشق، وكل ذلك بدافع الإحسان، الإحسان الفظ، التافه، الذي يشبه المنومات.
أعيش بقوة القرف تقولين
لا حقد ولا ضغينة، ولا حتى أمل أو يأس، زخات من القذائف ثم تكملين اليوم الذي لا تفعلين به شيئاً، براميل تدفعك للطموح بالمساواة مع البشر في القتل، “القتل اللائق” أي برصاصة أو قنبلة أو صاروخ وكل تلك الأشياء المصقولة، لكن حتى هذا ليس بالمتناول، ربما عليك أن تستمسكي بلحى المجاهدين الأشاوس، فقد سمع أن أحدهم كانت قد زلت قدمه وكاد يقع في وادٍ لا قرار له لولا ظهور مجاهد من الأشاوس مدّ له لحيته فتمسك بها ونجا.
يمسي القرف نجاة أحياناً، القرف من البطولات، من التضرع والعبث، القرف الذي أمسى هلعاً من الذبابة التي قبل مجيئها إليك كانت قد مرت على مئات الجثث التي تفصلك عنها بضع كيلومترات.