مرثية الأبطال الخارقين… هنا الجزائر شعراً
العدد 282 | 30 كانون الثاني 2024
أوكسجين


تشكّل مجموعة “مرثية الأبطال الخارقين” للشاعر الجزائر خالد بن صالح، مغامرة شعرية جديدة يخوض غمارها، موثقاً التاريخي واليومي بواسطة الشعري والجمالي، والذاتي والأسطوري بالاستعادي والمغيّب، بما يجعل من أبطاله مزيجاً من كل ما تقدّم، في امتثال لقصائد تعايش وتشهد وتبوح، وتجسد بطولة شعرية باللغة والحواس والذاكرة والتطلعات المجهضة: أو كما يرد في قصيدة “أجساد محلية الصنع”: ” يمكن هنا أن تنتهي صلاحيتُنا، ونتعفَّن كأجسادٍ محلية الصنع. يمكن أن نضيع في الهواء كجزيئات غبار، وأن نطير كأوراق شجرٍ ميتةٍ قبل أن تدوسنا الأقدام المستعجلة”.

وتطالعنا القصيدة الأولى في المجموعة بعبارة “هنا الجزائر”، فإذا هي عبارة مفصلية، كما لو أنها تقدّم لما سيلي من قصائد، لا بل هي ما تبدأ به كلمة الغلاف: “هنا الجزائر! هنا الحي الذي نمشي بشوارعه! ثمة أصوات وهتافات وتنهدات، تظهر تارةً وأخرى تغيب، كمن يبحث عن أغنية في راديو قديم، وما الأغنية إلا قصائد الشاعر الجزائري خالد بن صالح في هذا الكتاب، وقد اتسق فيها كل شيء، ولم يعد بالإمكان الابتعاد عنها متراً واحداً، وهي تأخذنا رفقة أبطال باتوا خارقين لكثرة ما هم حقيقيون وثوريون، وقد حلّ بالذاكرة عطل رومانسي، بدا أشبه بلقاء امرأة تمشي فوق الماء، وغيوم من أنفاس هذا العالم”.

وتأكيداً على هذه الـ “هنا”، فإن قصائد المجموعة لا تفارق المكان (الجزائر)، فهو منطلق نحو أزمنة الوطن الراهنة والسابقة وربما اللاحقة، بما يشمل الحراك الجزائري في فبراير 2019، الذي ينطلق منه بن صالح نحو كل شيء، متحركاً بالزمن أفقياً وعامودياً، آهلاً بالذاتي والحياتي، بالثورة والثوري، إنهم «الحراكيون الذين يمارسون الحلم كما لو أنهم يمشون في ماراثون».

أو أولئك الذين يحدثنا عنهم في قصيدة “منتصف النهار”:

«نحن جيلٌ احترقت ذاكرتهُ كغابة استوائيَّة» -نقول.

نحمل سؤالاً محيِّراً، ينتهي بـ «ماذا نفعل في نهاية الأسبوع؟»

ومثل شجرة مليئة بأوراق ميِّتة لم تسقط بعد، نقاوم همومنا الصغيرة. لا نصلح للوظائف. كأبناء عمومة نتشاجر فيما بيننا. نحوكُ المؤامرات في الخارج. ولا نُقدِّر النهايات السعيدة، لأننا لا نرغبُ في ملء العالم بالمزيد من الهراء. نبحث عن طيفِ أبٍ في إعلانات المفقودين، عن أمٍّ تخلَّت عن منزل جميل بحديقة خلفيَّة، حيث كان لنا أخوةٌ حفاةٌ يلعبون كرة القدم، ويتسلَّقون أسواراً عالية ليطلُّوا على البحر.

الأغاني بطيئةٌ بما يكفي لتطفُو في عيونِنا. هكذا، نحوِّل الأدغال المشتعلة إلى غابة، نعيدُ للشاطئ حدوده المتآكلة، وللمدينة طعم ثورات أسلافنا.

-يقول أحدُنا: «صمِّم ثورتك الخاصة، اجعلها طويلةَ الأمد،

دَعْ النهايات تتدلَّى…

وخُذْ قيلولة».

هؤلاء هم أبطال خالد بن صالح، لكنهم مدعاة للرثاء، خارقون لكنهم محاصرون بالخواء والانتظار، ويعيشون في مدينة لها طعم ثورات الأسلاف، وبن صالح يكتب شعره في “مرثية الأبطال الخارقين”، كذات تواقة للفعل والحراك، يهمس للقارئ، يناجي ويرثي، يهتف ويغني في الأوقات المظلمة، بما يعيد تعريف البطولة ربما، لتكون فعلاً شعرياً حراً!

ويأتي صدور “مرثية الأبطال الخارقين” (70 صفحة)، بعد أن صدر للشاعر: “سعال ملائكة متعبين” 2010، “مائة وعشرون متراً عن البيت” 2012، و”الرقص بأطراف مستعارة” 2016، و”يوميات رجل إفريقي يرتدي قميصاً مزهراً، ويدخن L&M في زمن الثورة” 2019.