بوب الخنّاق (2 -2)
العدد 286 | 29-4-2024
دنيس جونسون | ترجمة: زيد سلامة


بالنظر إليه، لم يبدُ بي دي متأثراً بسقطته، عادةً يتم نقل هكذا حالات إلى المستشفى وإجراء فحوصات للكشف عن الأضرار الداخلية، ولكن مرت الأيام وبات واضحاً أنه صار في طي النسيان.

شكّلنا أنا ودندن وبي دي مجلس شورى، وصرنا مثل الفرسان الثلاثة، لكن بدون مغامرات أو مبارزات بالسيوف، فقط ساعات من المحادثات التي لا معنى لها، وأعقاب السجائر المشوهة، والخمول.

كان لبي دي أخ يصغره سناً في المدرسة الثانوية، وكما أخبرنا بي دي، فإن أخاه يبيع مخدرات الهلوسة لزملائه في المدرسة.

جاء هذا الأخ المزعوم مرة لزيارة بي دي وترك له مجلّة عن السيارات بعد أن قام بنقع أحد صفحاتها في مادة كيميائية مهلوسة على ذمته، إلا أن بي دي رجّح أن أخاه استخدم مادة “إل سي دي” مع نوع من مهدئات الحيوانات الكبيرة التي يستخدمها الأطباء البيطريون. أكرمنا بي دي ومزّق الصفحة المخدّرة من المجلة، وقسمها إلى ثلاثة أجزاء، وكل فارس من الفرسان الثلاثة حصل على جزء، كانت تلك المادة المهرّبة هديته لنا عشية عيد الميلاد.

فوّتنا وجبة العشاء وتناول كل منّا ورقته المخدّرة على معدة فارغة ثم انتظرنا مفعول الضياع، قال جوكو: “لعنكم الله… شفاهكم سوداء، وما هذا؟ ألسنتكم؟! سوداء أيضاً! ماذا حدث؟ هل أصبتم بالطاعون أو لعنة أخرى؟” قالها وهو يبدو كبالون يعلوه شعر أشقر.

“لديكم ثلاث وجبات عشاء إضافية، لذا لا تقلقوا” أكل جوكو وجباتنا الثلاثة، بالإضافة إلى وجبته الخاصة.

ينحدر بي دي من بلدة “أوسكلوسا” التي تبعد 80 ميلاً عن مقاطعة جونسون، وكانت تلك البلدة مصدراً للعديد من الشخصيات المضطربة والمشاغبة التي انتهى بها المطاف في مقاطعة جونسون وفي سجن المقاطعة بالتحديد.

لم أعرف بي دي قبل لقائي به في السجن، ولكنني عرفت صديقته السابقة، فيولا بيرسي التي تقيم ببلدتي، في حيّ الفقراء بشققه التي تدل عليهم، حيث أمضيت الصيف هناك. فرضت فيولا وهي في أواخر العشرينيات احترامها برصانتها وأثارت الغرائز بجسمها الممتلئ، وكما وصفها بي دي هي العذاب والنعيم، الداء والدواء، كان لفيولا طفلين صغيرين ولها مخصص شهري من إدارة الرعاية الاجتماعية أو الضمان الاجتماعي، اجتمعت فيها كل الصفات لتكون امرأة يتمناها أي رجل، ولكنها رفضت زيارة بي دي في السجن، ورفضت حتى التحدث إليه.

“ما أغضب فيولا بيرسي بالفعل هو…” قال بي دي وتابع: “عندما نكت زوجة تشاكي تشارلسون… ولكن”، قال وكأنه يلتمس العذر لنفسه: “لمرة واحدة فقط، وبالصدفة، مررت لألقي التحية على تشاكي، ولكنه لم يكن في المنزل، كان يشتري حذاء أو شيئاً آخر، وزوجته تشعر بالملل وتريد مني أن أحكَّ لها ظهرها، وتعرفون التتمة… انتهى بنا الأمر نحكُّ أجسادنا سوياً، وعندما غادرت المنزل، وجدت تشاكي في سيارته منتظراً أمام المنزل، في يده قنينة بيرة وفي فمه سيجارة من ماركة “كول”، أعتقد أنه كان هناك طيلة وقت مضاجعتي لزوجته جانيت على سريره، وعندما فتحت باب شاحنتي، أشار لي بإصبعه الأوسط وهو يبكي، حسناً، شعرت بالأسى على تشاكي لأنه تزوج من شرموطة داعرة، ولكن ألم يكن ذلك خطأه وحده؟ أغلقت باب السيارة وانطلقت معتقداً أنها نهاية تلك الحكاية، ولكن لا، كان لتشاكي رأي آخر، وبالتالي أخبر فيولا بكل التفاصيل.

إلهي! شعرت بالحيرة والقرف! أن تسارع إلى امرأة تواعد أحدهم وتخبرها: “الرجل الذي تواعديه… حكّ وناك، وناك وحكّ” أمر خسيس… خاطئ… مثير للشفقة، نتيجة لذلك وكما يملي علينا المنطق، قمنا أنا وإد بيفي، هل تعرفون إد بيفي؟ قلت: “أنا سمعت به” ولم يعرفه غيري، ليتابع بي دي “حسناً أحدهم سمع بإد، المهم قمنا أنا وإد بزيارة تشاكي، وقلنا له” يا تشاكي، حتى لو كنت واشياً حقيراً وكساً بشهادة، عفى الله عمّا مضى، لدينا صندوق بيرة لنمارس الصداقة ونشربه على النهر ونسكر معاً” اقتنع تشاكي وركب الشاحنة لننطلق على الطريق القديم خارج المدينة، وبعد عشرة أميال وضعت مسدسي في رأسه ليقوم إد بإجباره على خلع بنطاله وملابسه الداخلية وجواربه وحذائه، ثم انطلقنا تاركين تشاكي حافي القدمين يستره قميصه فقط، ومؤخرته العجوز المترهّلة تداعبها الريح، ولكن ما نفع كل هذا؟! فيولا حبيبتي… فيولا لن تسامح… لن تنسى، أوه هل يتساقط الثلج هنا؟

بعد استماعنا مطولاً لبي دي، كان من المفترض الآن أن يفعل المخدّر فعله في أدمغتنا، لكني لم أشعر بأي تأثير، سألت الآخرين عن شعورهم، هز دندن رأسه مؤكداً أنه لا يشعر بشيء، إلا أن بي دي رمقني بعينين لامعتين رأيت صورتي فيهما وقال: “ما أعرفه بالتأكيد أن جانيت تشارلسون ستوصل أي رجل مهما كان إلى النشوة”.

  • “هل بإمكانها إسعاد الحيوانات أيضاً؟” تساءل دندن.
  • قال بي دي “لا أضعها في ذمتي” بلا تأكيد أو نفي.
  • “هل تقصد أن جانيت تشارلسون من الممكن أن تضاجع تيساً؟ هل من المعقول أن تدع جدياً يمتطيها؟”
  • “كما قلت، لا أضعها في ذمتي” ولكن بي دي سكت للحظة وتغيّرت ملامحه وكأنه يتخيّل نفسه ينيك جانيت جاكسون تشارلسون وهو يمتلك قوة تيس.

خلع دندن حذاءه وجواربه… أدخل أصابع قدميه في الشبك المعدني وتسلّق قضبان الزنزانة، قال بي دي: “هل أثّر فيك هذا الخراء الذي تناولناه مثلي؟” ردّ دندن: “لا أبداً، أنا فقط أتمرن”.

اجتاحت رأس دندن الفارغ روح حيوانية، فأمسك القضبان بيده وقدمه اليسرى، ومدَّ يده وقدمه اليمنى في الهواء، كسعدان يقدّم عرضاً في حديقة الحيوانات.

سألته:” هل أنت متأكد أنك لا تشعر بأي تأثير؟”

  • “أشعر كأنني عدت إلى أصولي، إلي بيتي في الكهوف، إلى عائلتي القردة” أدار رأسه ونظر إلينا، وجهه مظلم أسود، ولكن عينيه قدحتا الشرر… بدا وكأنه على باب الزمن، غارقاً في ذكريات وأحداث لم تؤرخ… يستحضر أرواح الأشجار القديمة التي تنمو أوراقها من جدران السجن، تتمايل وتنمو لتحيطنا.

أتت ضحكة من خلفنا “هاااه”، كانت ضحكة بوب الخنّاق.. زميلي في الزنزانة… يجلس على أرض الممر وذراعاه مطويّتان على صدره. مثله مثل أي سجين، ينام بوب الخنّاق من لحظة إطفاء الأنوار في العاشرة لغاية موعد الفطور في السابعة مع قيلولة بعد الإفطار، وأخرى قبل العشاء، لكنه في عشية عيد الميلاد ظلَّ مستيقظاً لوقت متأخر، وراقبنا بعينيه الجامدتين الخاليتين من أي حياة.

قال بي دي حينها “لم أرَ في حياتي ثلجاً يتساقط بكل الألوان”.

لم تكن جرعة المخدّر موزّعة بالتساوي على الورقة، وعلى ما يبدو حصل بي دي على معظم الجرعة إن لم تكن كلها، ما أصابني بالحزن، ولكنه العدل. كل ما أحسسته من فعل المخدّر كان يتركّز حول حضور بوب الخنّاق، الذي أصدر الضحكة ذاتها مرّة أخرى “هاااه” ليحظى بانتباهنا، ثم قال: “كانت أمسية شاعرية، أنا وهي لوحدنا، تناولنا شريحتي لحم مع زجاجة من النبيذ الأحمر الفرنسي، وبعدها قتلتها قليلاً”.

مثّل بوب لنا المشهد، فلفَّ أصابعه حول عنقه ونحن نراقبه، نحن الفرسان الثلاثة، كمخلوق خرج من غابة سحرية.

ضرب دندن رأسه وصدر صوت يشبه صوت بندقية الصيد وقال: “أنت الرجل الذي أكل زوجته”.

ردَّ بوب الخنّاق: “حسناً، تلك كانت حكاية مبهّرة، لم آكل زوجتي، كل ما حدث أنها كانت تربّي بعض الدجاجات، فأكلت واحدة… خنقت زوجتي، ثم خنقت دجاجة وسلقتها لأتناول العشاء”

“لحظة، أستاذ بوب” قاطعه بي دي وأكمل” هل يمكنك شرح تسلسل الأحداث؟ تناولت شريحة لحم مع قارورة نبيذ، ثم قتلت… أعني خنقت زوجتك، وبعدها تناولت دجاجة؟ مباشرة بعد خنقها، جعت بتلك السرعة؟

  • “إنك تتكلم مثل المدّعي العام، حاول أيضاً أن يجعل منها قصة كبيرة، لقد كانت مجرد دجاجة… دجاجة واحدة ملعونة فقط”.

اختفى جسم بوب الخنّاق، وطاف رأسه الأصلع فوق الممر وانتفخ أكثر فأكثر وقال: “لدي رسالة لكم من الله، عاجلاً أم آجلاً، سترتكبون جميعكم جرائم قتل”، رأينا إصبعه أمام رأسه المنتفخ وهو يشير إلى كل منّا بدوره: “قاتل… قاتل…. قاتل” وآخر من أشار إليه كان دندن، وقال له: “ستكون أولهم”.

“لا يهمّني” قال دندن، ويمكنك ملاحظة ذلك، قالها فعلاً بدون أدنى اهتمام.

ارتجف بي دي، وسرت القشعريرة في جسده من قدميه إلى رأسه وانتصب شعره المجعد وسأل: “هل يمكنك حقاً التواصل مع الله؟”

تلك اللحظة شخرت ساخراً كخنزير، تقرفني فكرة الله، لا أومن بهذا الهراء… الجميع يتفزلك ويتفلسف حول الروحانية في الكون ووضعيات التأمل الهندوسية والسكينة البوذية، بينما يُشوى الأطفال في آسيا بقنابل النابالم، حينها كل ما تمنيّته أن نبدأ هذه الليلة من جديد من دون بوب الخنّاق.

وقتها تحولت أمنيتي إلى حقيقة، حين قفز دندن متحمساً واقترح بكل غرابة “لنضغط على الزر الأحمر”. أعتقد أن المحادثة مع قاتل حفّزته أو حفّزته فكرة أنه سيصبح قاتلاً.

تيبست في مكاني أحاول أن أستوعب مغزى ما قاله دندن للتو، ولكن بي دي فهم تلك الكلمات بحرفيتها وقام إلى موضع الزر على الحائط.

بي دي طويل كما ذكرت سابقاً، وبدا كصخرة لا يمكن إزاحتها، أما دندن فقد تأرجح من غصن إلى آخر وقفز على الأشجار التي استحضرها متسلقاً سقف الغابة السحرية، ثم ضغط على الزر الأحمر بكعب قدمه. رنَّ صوت من بعيد في المبنى يشبه صوت أجراس منبه قديم هارب من فيلم من الثلاثينيات، أيقظ الصوت كل من في المبنى… وصرخ صوت من خلف الباب ” ماذا يحدث؟”، رد بي دي “لا شيء” وكان ذلك السؤال والجواب كل ما استغرقه المأمور ليدير المفتاح في الباب ويدخل علينا ثلاثة عناصر بهراوات أكلت رؤوس وأجساد كل من صادفته في طريقها.

سقط بوب الخنّاق ككتلة واحدة على الأرض، وكذلك سقطنا نحن الفرسان الثلاثة، وعندما تعبت أذرع المأمورين من الضرب وأحسوا أنهم أدوا واجبهم على أكمل وجه، قال أحدهم: “إيّاكم ولمس هذا الزر مرة أخرى اليوم”، ليآزره الآخر “إياكم أيها الحثالة”، وهدّد ثالثهم: “فليضغطه من أراد عاهة تلازمه طيلة حياته”.

سحبنا أنفسنا إلى زنزاناتنا… مرعوبين مهزوزين، إلا دندن فهو الوحيد الذي لم يتأثر بهذه الحادثة التي تسبب هو نفسه بانفجارها في وجوهنا… مشى بكل تكاسل على الممر وهو يدندن ويمرّر أصابعه على القضبان، وبدا جلياً أن دماغه غير مكتمل.

جررت جسدي وقلبي يخفق بشدّة، وصعدت إلى سرير علوي آملاً أن يكون سريري، ففي حفلة الرعب التي عشناها لم أرَ بوب الخنّاق وكأنه تبخّر، والآن ها هو ذا، بطوله الطبيعي في سريره، وضعت قدمي على ركبته وأنا أصعد إلى سريري، لم يقل أي كلمة، توقّعت أن يشتمني ببعض الكلمات أو أن يقول على الأقل “ميلاد مجيد”، لكنه لم ينطق بأي حرف. مددت رأسي من سريري العلوي وراقبته بصمت.. أمعنت النظر فيه ورأيت ملامح مخلوق فضائي تتشكل على وجهه، فم لمخلوق مريخي، وعينان لكائن من مجرّة الأندروميدا… حدّق بي بفضول أسود… بتطفّل شرير جعلني أرتبك وأصابني بالدوّار، عندها تحرك الفم المريخي وقال بوب بصوت جدتي: “الآن، لن تفهم، ما زلت يافعاً” نعم إنه صوت جدتي، الصوت المظلوم، الحسرة والاستسلام ذاتهما.

لن أعود إلى السجن أبداً. سأشنق نفسي على أن أعود إليه.

كان لبي دي الشعور ذاته تجاه السجن. في بداية الثمانينيات، بعد خمسة عشر عاماً من الآن، سيشنق بي دي نفسه في زنزانته في فلوريدا، يمكننا اعتبارها جريمة قتل، بي دي قتل نفسه… إذاً فما تنبأ به بوب الخنّاق حدث، على بي دي الرحمة.

…رأينا فيولا بيرسي في أحد الليالي.

سجن ومحكمة المقاطعة يقعان أسفل التلة بمحاذاة شارع كورت ويقطع شارع دوبوكو قمة التلة، أحياناً يأتي أقارب وأصدقاء السجناء، غالباً صديقات السجناء السكرانات، ويقفون أعلى التلة، يلوّحون ويصرخون، فقد كان باستطاعة السجناء رؤية أعلى التلة وسرقة نظرات بائسة من الزاوية الجنوبية الشرقية للسجن وبالتحديد من النافذة العلوية.

في ليلة رأس السنة، نادى سجين علينا لنذهب إلى النافذة، ومن هناك كلنا رأى فيولا، وكما وصفها بي دي: “شمسي ولوعتي”، وقفت فيولا تحت ضوء أحد عواميد الإنارة وبدت كأنها في نهاية نفق طويل، مرتدية زياً فرنسياً أو معطفاً مطرياً قصيراً من النايلون مع طاقية بيضاء، وجزمة بيضاء أيضاً تصل إلى منتصف ساقيها، كل ما كان ينقص المشهد هو بضع قطرات من المطر ليكتمل حزنه… وقفت هناك كحلم بعيد قريب… حلم صامت وغامض… لم يفهم ذاك الحلم تلك اللحظة إلا بي دي.

خلال إقامتي القصيرة في السجن، لم تأت فيولا لزيارته.

أثناء الوقت القصير الذي أمضيته في السجن، تساءلت دوماً عمّا إذا كان هذا المكان يجمع كل الأرواح، لا أعرف كيف أفسر حقيقة أنني رأيت من شاركني السجن أكثر من مرة في حياتي، في أحلامي أو في الواقع أحياناً، أرى وجه أحدهم في الشارع، يطلُّ وجه آخر من نافذة قطار عابر، أصادف أحدهم وأنا أغادر أحد المقاهي ويختفي عندما أدير رأسي…. أدرك حينها أن لكل منا عالم صغير لا يتجاوز حجمه حجم سجن المقاطعة، عالم مكوّن من زنزانات نصادف فيها المساجين ذاتهم مراراً وتكراراً، صادفت أشخاصاً مثل بي دي ودندن في شبابي أكثر من مرة وأحسست أنهم كانوا ملائكة تائهة. لن أسرد الحوادث نفسها من جديد، ولكن سأخبركم عن دندن، بعد عامين من لقائنا في السجن، تشارك هو والمختل الأشقر جوكو وسرقا معاً زعيم مخدرات شهير في مدينة كانساس، أثناء عملية السطو، قتل دندن أحد الحراس الشخصيين محققاً بذلك نبوءة بوب الخنّاق.

 

في اليوم التالي لعملية السطو في كانساس، أتى دندن إلى منزلي على بعد 300 ميل شرق مسرح الجريمة. كان معجباً بقدرته على ارتكاب الجريمة وباحثاً عن مكان للاختباء، وبينما كان يختبئ عن مطارديه في شقتي الصغيرة، استهلكنا الكثير من الهيروين الذي سرقه. غادر دندن عندما أحس بالأمان، وترك لي كمية كبيرة من الهيروين، كلها لي أنا، وبالطبع نتيجة لذلك صرت مدمناً على الهيروين، كنت مدمناً مرة، وسأكون مدمناً مرة أخرى، ولكن إدماني وقتها غيّر حياتي… لا أتذكر بعدها وقتاً كنت فيه صاحياً، فأنا في حالة سكر دائمة، جسمي حاوية لكل دواء مخدّر، وفي غضون سنوات قليلة فقدت كل ما أملك، وأدمنت الخمر… أتسول من مدينة إلى أخرى، وأفترش الملاجئ أو الطرقات، أتناول طعامي في برامج المساعدة الخيرية… وكثيراً ما بعت دمي لأشتري الكحول. كان دمي ملوثاً فلك أن تتخيل في رحلة إدماني هذه، كم مدمناً شاركت معه نفس الحقنة… لذا لا أعلم عدد الذين ماتوا بسبب دمي الملوّث، ولكن يمكننا القول أن نبوءة بوب الخنّاق تحققت بالكامل.

حين أموت في يوم ما، سألتقي بدندن وبي دي وبملائكة ذاك الإله الذي استهزئت به. سيقومون كلهم بحساب ضحاياي، وحينها فقط سأعرف عدد الذين قتلتهم بدمي.

*****

خاص بأوكسجين


دنيس هيل جونسون (1949 - 2017) روائي وكاتب قصة قصيرة وشاعر أمريكي. اشتهر بمجموعته القصصية الأولى "ابن يسوع" (1992). تجري أحداث روايته الأكثر نجاحاً، "شجرة الدخان" (2007)، في فيتنام خلال الحرب راسمة صورة عميقة عن المجتمع الأمريكي والتحولات التي عصفت به خلال تلك الحقبة. لجونسون تسع روايات، ونوفيلا واحدة، ومجموعتين قصصيتين، وثلاث مجموعات شعرية، وعدد من المسرحيات.

مساهمات أخرى للكاتب/ة: