تحتكم رواية كارلوس زافون “ظل الريح” (ترجمة معاوية عبد المجيد – إصدار دار مسكيلياني 2016) على كامل العتاد الذي يجعل منها رواية مشوّقة، تلتقط القارئ من الصفحة الأولى لئلا أقول من العبارة الأولى “لن أنسى أبداً ذلك الصباح الذي اقتادني فيه والدي إلى مقبرة الكتب المنسية. حدث ذلك في أوائل صيف العام 1945. كنا نمشي في شوارع برشلونة التي ادلهمت فوقها سماوات من رماد..”، إنها رواية متأسسة على خلطة من الأجواء والعوالم والأساليب، لتكون رواية مشوقة وميلودرامية بامتياز، وتسعى لأن تكون غرائبية “على شيء من الغوثيك” مع جرعات من الحكمة والفكاهة جنباً إلى جنب مع شذرات ماركيزية وتحليق متقطع لأطياف ايكو وبورخيس هنا وهناك، مضافاً إلى ذلك حلول درامية على طريقة أفلام الأكشن الهوليودية، وليأتي كل ذلك في مستوى سردي واحد، تمضي فيه حياة دانيال من العاشرة حتى الثلاثين من عمره مترافقة مع تحرياته عن لغز حياة خوليان كاركاس صاحب رواية “ظل الريح”، وقصتا حب يعيشهما تتداخلان وعوالم كاركاس.
تنطلق أحداث الرواية من اليوم الذي يمضي فيه دانيال إلى “مقبرة الكتب المنسية” ويدع له والده أن يختار منها كتابا له أن يكون كتاب حياته، وليقع اختيار دانيال على رواية “ظل الريح” لخوليان كاركاس، وهكذا يلاحق دانيال حياة كاركاس الغامضة وقد اختفت كل رواياته وما “ظل الريح” إلا النسخة الأخيرة من هذه الرواية، وهكذا تتناسل الأحداث مع الشخصيات، ومع كل شخصية يقع عليها دانيال في سياق بحثه عن كاركاس يفتح عالماً جديداً أي قصة جديدة لدانيال أن يكون متورطاً فيها أو مستعيداً لحيوات من قادته الحكاية إليه، فوالده بائع الكتب يعرّفه على جوستابا برسلوه مقتني الكتب النادرة ومن خلاله يتعرف على قريبته كلارا التي تتحول لتصبح حب حياته الأول الذي سرعان ما يتبدى مستحيلا، وحين يقع على كلارا وهي تمارس الجنس مع مدرس الموسيقى ويتلقى ضربات الأخير فإنه ومع نزوله من شقتها يتعرف على المتشرد فيرمن دي توريس، والذي سرعان ما يمسي شخصية رئيسة حين يقوم ووالده بتخليصه من حياة التشرد ومنح فرصة العمل في المكتبة.
تمضي كل الأحداث بالتوازي مع تطور لغز كاركاس الذي أمضى حياته في باريس يعمل عازف بيانو في ماخور، ويكتب روايات لا تبيع إلا نسخ محدودة، هو الذي يموت في ظروف غامضة ويدفن في مقبرة جماعية إبان الحرب الأهلية الاسبانية.
تحضر في الرواية شخصية تنبعث منه رائحة الحرائق (شخصية من شخصيات رواية كاركاس) وهو يحرق كل نسخة متبقية من روايات كاركاس، وليقود هذا البحث إلى استدعاء شخصيات هم أصدقاء كاركاس: خورخي آلديا وميغيل مولينر، الأول يكون ابن الدون ريكاردو فاحش الثراء الذي يتولى العناية بكاركاس الذي يقع في حب ابنته بينلوب بينما يشكّل ميغيل مولينر ملاك كاركاس الحراس الذي يمده بالمال ويساعده على الدوام، وصولا إلى موريا مونفورت ابنة حارس مقبرة الكتب، وحب كاركاس الثاني بعد بينلوب. يحضر أيضاً المحقق فرانشسكو خافيير روميرو الذي يجسد الشر في الرواية ومصدرها والذي عليه أن يجابه نهاية ميلودرامية، وتنسج الحكاية كاملة من تلك الشخصيات ويتضح كل شيء في النهاية، مع الانفتاح على مفاجآت كثيرة في هذا الخصوص
يعاد تدوير لغز كاركاس كلازمة على طول صفحات الرواية، وفي كل مرة يُكشف عن بعضه ويواصل ، وحين تتعرض موريا مونفورت للقتل يتكشف كل شيء جراء الأوراق التي تسرد فيها حقيقية كل ما كان خافياً عنا، كما في كل رواية بوليسية، وفي اللحظة التي تتداخل فيها حياة دانيال وقد وقع في غرام بيا وأمسيا يتبادلا الحب في قصر يتواجد فيه قبر بينلوب وقد شهد ما شهد من أحداث على اتصال بكاركاس، وصولاً إلى هرب بيا كما كان لبينلوب أن تفعل، ولنصل النهاية السعيدة وموت الشرير المتمثل بالمحقق فيرو ونجاة دانيال رغم ايهامنا بداية بغير ذلك.
يورد أحمد مجدي همام في معرض تقديمه للرواية أن “.. الروايات الجيدة يصعب تلخيصها” مستشهدا بكونديرا، ومعتبرا “ظل الريح” من هذه الروايات، مدللا على ذلك بصعوبة نقل اللغة الشعرية للرواية، ولعل هذا مغر كثيرا أن اقول بأن رواية زافون صالح جدا للتلخيص فهي ماضية في خط أفقي وبنية أرسطية كلاسيكية تستثمر بتقنيات السرد البوليسي والتشويقي وكل ما سبق وأوردته، وقراءتها بلا أدنى شك تحمل الكثير من المتعة، فهي خلطة من أجواء سردية من دون أن يتعدد السرد ذاته، وحسبها أنها رواية شيقة!
*****
خاص بأوكسجين
اسم الكتاب
ظل الريح
اسم الكاتب
كارلوس زافون