دفتر “لولا فسحة الملعب”.. الجمهور بوصفه اللاعب رقم واحد
العدد 277 | 25 نيسان 2023
دفتر "لولا فسحة الملعب".. الجمهور بوصفه اللاعب رقم واحد


صدر حديثاً عن محترف أوكسجين للنشر في أونتاريو وبودابست، كتاب “لولا فسحة الملعب”، من سلسلة “دفاتر أوكسجين”، تأليف وتحرير الكاتب السوري أدهم عبدالله، بمساهمة: الناقد السينمائي المغربي سليمان الحقيوي، والكاتب الجزائري عماد بن صالح، والكاتب والسيناريست الإماراتي محمد حسن أحمد. وهو دفترٌ يمضي خلف قصص جماهير كرة القدم في الملاعب، وتحديداً في المدرّجات التي تهتزّ بأهازيجهم وأغانيهم وهتافاتهم؛ وكيف يتحوّل الملعبُ إلى فسحة لألتراس الأندية العربية، المتيّمين بأنديتهم، الذين يروون قصصاً متفرّدة عن تعلّقهم بتلك الأندية؛ تجعلنا نعيد النظر في تاريخ وجماليات وتطلّعات اللّاعب رقم واحد ألا وهو الجمهور!

يخرج هذا الدفتر عن المستطيل الأخضر الذي يسرقُ كلّ الأضواء والكاميرات والأقلام، ليعود إليه بعينٍ أخرى، هي العين التي لا تكتفي بمشاهدة المباراة من وراء الشاشات، إنّما هي عينُ الشاهد الحيّ الحاضر بجسدهِ وصوته وحماسه في المدرّجات المحتشدة بأمثاله من المشجعين وهم يرافقون أنديتهم العربية من مدينةٍ إلى مدينة، ومن بلدٍ إلى آخر، بين فرحة وحسرة، فوزٍ وهزيمة، تطلّع عالي السقف وخيبة أمل كبيرة. هو جمهور استثنائي لا يخون عهد الولاء والشغف والحبّ للفرق التي يشجّعها مهما اختلفت الأزمنة والأحوال، بين مجدٍ عتيد أو انهيار سحيق.

في دفتر “لولا فسحة الملعب” والذي جاء في 128 صفحة، نقف من خلالِ ثماني مواد حيّة واستثنائية على حكايات بلسانِ مشجعٍ متيّم بناديه المحلّي، أو تروي قصّته/ حياته المنغمسة في أدق تفاصيل النادي ومسيرته الكروية عبر سنواتٍ تستحيل عمراً بأكملهِ يبدأ في المدرّجات ولا يتوقف بصافرة الحَكم التي تعلن نهاية المباراة. يخبرنا عاشق كرة القدم ومن يلعبها بمهارة ويعرفها أكاديمياً -عبر دورات تدريبية- الكاتب السوري أدهم عبدالله في “حكاية هذا الدفتر” أن المهمّة لم تكن هيّنة، واختبارُها كتابياً تطلّب صياغة أسئلةٍ محرِّضة للمشجّع ليروي ويسترسل في قصِّ حكايته وحكاية ناديهِ بمشاعر صادقة واعترافات بلا شوائب، إلى أن خلُصَ هذا الدفتر، كما جاء في المقدمة، لأن يكون دفتراً “لمشجعيّ الأهلي والزمالك ومولودية الجزائر والوداد البيضاوي والوحدة وتشرين وحطين والإمارات، يأخذُنا إلى القاهرة والجزائر العاصمة والدار البيضاء ومكة واللاذقية ورأس الخيمة، وبين هذه المدن تحدثُ تنقلاتٌ بالمدن المصريَّة والجزائريَّة والمغربيَّة، والمدن السعوديَّة والسوريَّة والإماراتيَّة، وعشاقُ تلك الفرق مستعدّون لمتابعتها وإن لعبتْ في كوكبٍ آخر، إنها حكايا ومصائر، آمالٌ وخيبات، تواريخٌ على اتِّصال باحتلال أو استقلال، فيها مصادفاتٌ تاريخيةٌ وأحلام وكوابيس كرويَّة، فيها صعودٌ وهبوط، أحياءٌ وحاراتٌ وعائلات، فيها تعاضُدٌ ووئامٌ وتنمُّر”. وليأمل صاحبُ الدفتر، والمساهمين فيه، لأن يكون هذا الدفتر بمثابة فاتحة لدفاتر أخرى تحكي عن أنقى أنواع الشغف بالمعنى المجرّد.

يطالعنا أدهم عبدالله عبر عناوين “أهلاوي والحمد لله”، و”مدمن على الأبيض”، و”فرسان مكة أولى بأهلها”، و”نسرٌ أحمر لا حوتٌ أزرق”، و”دمي أزرق” لنتعرّف على قصص عجيبة لمشجعي نوادي الأهلي والزمالك في القاهرة، والوحدة في مكة، وتشرين وحطين في اللاذقية، وهي قصص تختصر أيام الأسبوع في يومٍ واحد هو موعد المباراة، وتروي حكاية الدموع بشتّى أنواعها. ويتشارك معه سليمان الحقيوي عبر ألتراس الوداد البيضاوي في مادة تعكس رابطة الدم الكروية بعنوان “وداد العائلة”، ومع عماد بن صالح نقرأ عن “الشناوة” وهو لقب مشجعي مولودية الجزائر الذين يرفعون شعار “العميد والباقي تقليد”، بينما نقف مع محمد حسن أحمد على قصة مشجع نادي الإمارات في رأس الخيمة “دَلْوه الذي مات واقفاً”. كما رافقت المواد مختارات لأغاني وهتافات وشعارات ألتراس هذه النوادي في الملاعب بكل ما تحمل من شغف وجرأة وحب وفداء وولاء.

إنّه دفتر عمَّن يجدونَ في الملعب فسحةَ أمل، ويجدون الأملَ في فسحةِ الملعب. ولنقرأ هنا كلمة غلاف الكتاب التي تؤكد أهمية وحيوية الألتراس: في هذا الدفتر تمسي قصَّة المشجّع مع ناديه معبراً لاكتشافِ حيوات وأمكنةٍ وبشرٍ من لحمٍ ودم، بما يتيحُ نبش الهامش، وتوجيه الأنظار إلى من يوصِلون هذا النادي أو ذاك إلى منصَّات التتويج، وهم أهمُّ أسباب شهرتِه وحصدِه للألقاب، فبينما يتهافتُ الكُتّابُ من كلِّ بِقاع العالم على كتابةِ قصَّةِ نادٍ أو لاعبٍ أو مدرِّبٍ تضيعُ قصصُ اللاعبِ رقمِ واحد دون أيِّ ذكر… قصصُ الجمهورِ العاشق والمتيَّمِ بالفريق.

دفتر “لولا فسحة الملعب” هو ثاني دفتر من سلسلة “دفاتر أوكسجين” التي يصدِرُها مُحتَرفُ أوكسجين للنشر، وهي سلسلة إبداعية تُعنى بتقديمِ سياق سرديٍّ حرٍّ للحياة العربية المعاصرة، يختبر طاقاتِها وأحوالَها، يحاورُها ويستخلص منها جمالياتٍ لا تنفصل عن الواقع، وسرديات لا تكتفي فقط باتِّخاذ منظور مغاير عن الرسميِّ والمكرَّس والمُتَداوَل، بل تضيء أيضاً على المُعاشِ والهامشيِّ والمغيَّب. وهي بذلك ورشةٌ إبداعيةٌ متواصلةٌ منفتحةٌ على الأفكار وأنماطِ التعبير المختلفة، سواء عبر التأليف الجماعي أو الفردي.