إسرائيل ليست مكاناً
العدد 287 | 23-5-2024
سام ساكس | ترجمة: شادي خرماشو


في ما يلي ثلاث قصائد من مجموعة سام ساكس الأخيرة “خنزير” (2023) والتي امتنعت مؤسسة “مؤسسة الشعر” Poetry Foundation عن نشر قصيدة “كل منا خبير بشيء”، على اعتبارها تحتوي أفكاراً “معادية للسامية” ما أدى إلى إطلاق حملة ضد مجلة المؤسسة وتوقيع أكثر من 200 شاعر حول العالم على عريضة تطالبها بالتوقف عن الانحياز لطرف واحد (إسرائيل) في ما تشهده غزة، والتوقف عن إخماد الأصوات المناصرة للقضية الفلسطينية، معلنين توقفهم عن النشر في المجلة ومطالبين المشتركين بإلغاء اشتراكهم لحين إعلانها تمسكها بالإنساني والعادل المتمثل بالنضال الفلسطيني:

 

كل منا خبير بشيء ما

 

كلما تعلمت، علمت أكثر

أنني لا أعلم عن أي منيكة أتحدث.

من لا يهتم بالشعر بمثقال حبة تين

قد يظنني أملك علم الأولين والآخرين.

لكنك تراني في أغلب متاجر الكتب

تائهاً…

أرى رفوفاً من الكتب مثقلة

بأجساد كتّاب طواهم النسيان.

 

الأمر نسبي يا أصدقائي.

 

يمكن لرئيس ما أن يتلفظ بأقذع الألفاظ،

ويمكن لرئيس آخر

أن يقول كلمات

تُبكي الحجر

وكلاهما ينهش

في لحم الإمبراطورية

المقدد على مهل.

 

عندما أقول إنني أحمل شعبي في قلبي

لا أقصد وطناً بعينه.

 

النجمة التي تتدلى من عنقي هي رمز

أقول من خلاله

إن إسرائيل ليست مكاناً،

بل لها أن تكون فكرة نكتبها،

ونحملها معنا إلى أي مكان.

تقول النجمة إن شعبي أجمل

عندما يرتحل،

أجمل في الارتحال،

عندما تكون دولتنا الوحيدة

سائلة قوامها المياه

تتشكل حسب الوعاء

التي نصبها فيه.

 

أرض الميعاد لا تعني أحياناً

سوى الكتب التي قرأناها،

والحكايات التي كتبتها خطانا،

واهترأت في سبيل خطّها أحذيتنا.

 

يا شعبي،

أي مكان تعيشون فيه

بما يكفي لصنع القنابل،

هو مكان قد عشتم فيه

أكثر من اللازم.

 

الأمر نسبي يا أصدقائي.

 

جل ما أعرفه على وجه اليقين

أن الصواريخ

تكون جميلة علي التلفاز

عندما يكون من يراها

لم يعرف من المعاناة

سوى اسمها.

 

يا أصدقائي، الوطن الوحيد

الذي سأقسم بالولاء له

هو موسيقاكم،

وهي الآن قيد التحقيق

بتهمة الخيانة.

***

حول الكحول

أول مشروب لي، كان في رحم أمي

التالي، في ختاني،

مسح الطبيب شفتَي بالخمر.

سلب مني قلفتي.

 

كلما شربت خسرت شيئاً.

 

ما من أحد يعرف أصل الكحول.

المؤكد، مع ذلك، أن واقعة حدثت

قبل القربان المقدس.

طقوس زراعية سرية اُرتكبت.

ما يكفي من الحبوب خُزنت لهذه المناسبة

فاكتسب صفات غريبة في الجابية.

تعفن الخلاص.

تدنست المياه المقدسة.

 

كان البراندي يستخدم لعلاج كل شيء

من الزكام إلى ذات الرئة،

من قرصة الصقيع إلى لدغة الأفعى.

 

مرضى السل كانوا يعالجون بقطرات الإيثانول

والمقويات.

وأدوية السعال

كانت تُقحم في أفواه الأطفال البكاة.

 

كل جمعة

صلاة للأحمر

في الكنيس،

على العشاء،

في المقبرة،

في المطبخ

لطرد الأرواح.

 

كم مرة استيقظت في مكان غريب

علي سرير لا أعرف من صاحبه

رأسي متيبس كحجر.

 

مات جدي بزجاجة كحول في يده

وورد بيده الأخرى.

كان ينادي على الكحول “يا دوائي”

وعندما نادى على امرأته

أقفلت الباب دونه.

 

جريمة الجرعة الزائدة ارتكب الكحول نصفها.

النصف الآخر ارتكبته يدي

التي صبت لي الكودين،

ونزعت الغطاء الأحمر البلاستيكي للعبوة

مرة بعد أخرى…

 

أحاول أن أفهم اللذة

تعود إلى الآن في ومضات

كل زر سروال فضّته السبابة والإبهام

ليُكشف الستار عن رجل مختلف…

كل موافقة أُعطيِت بلسان مضطرب

وأنفاس مخمورة.

 

كنت صاحياً قبل أن يموت (فلان) بعام.

 

كلما شربت خسرت شخصاً.

 

لو تأملت ملياً في عملية التخمير

لرأيت حيوانات بالغة الصغر تفتك بالجسد الحي

إلى أن يتحول إلى كيان يتطاير

يتقلب

من حال إلى حال.

 

السكير الواقف أمام متجر الكحوليات

حسبني ابنه.

***

جيمس دين مع خنزير

 

حتى من دون الصورة، يمكنك أن تراه.

“دين” العظيم.

حذاؤه أسود.

عيناه سكسيتان.

شعره مسرّح بتمشيطة البومبادور التليدة.

في يده قبعة موجهة إلى الأعلى

تُناجي السماء.

 

زريبة خنازير مفروشة بالقش.

حيوان ضخم يقف إلى جانبه.

لم يسبق لي أن رأيت أفلامه،

لكنني أعرف شكله.

اسمه يغني عن النظر.

 

التُقطت هذه الصورة خلال رحلة

عودته إلى مزرعة العائلة في إندي.

أي حياة كان سيحيا

لو أنه لم يبحث عن الأضواء.

قصص غرامة السرية مع براندو

أشد ما أحبه عنه.

 

خانع ومتسلط،

إله وخنزير،

التقيا في موقع التصوير.

أحبه “دين” كأب

وبراندو فعل به ما يريد…

أطفأ السجائر في جسد الفتى،

عالجه بحزام.

 

التُقطت هذه الصورة في 1955

ومن غير الواضح إذا كان يشعر بالألم واللذة

الآتيين، أم أنه كان ينتظر قدومهما

من مكان ما وراء العدسة.

سواء عاد إلى المزرعة عن معرفة وقصد

أم رجع إليها معروفاً…

كلاهما قد مات.

 

أحدهما ترك وراءه أفلاماً وأفلام،

والآخر لم يترك سوى لحم وأبناء…

أبناء قد تكون، يا عزيزي القارئ،

قد أكلتهم،

وتلذذت بأكلهم.

*****

خاص بأوكسجين


يقدّم نفسه على أنه شاعر يهودي مثلي. من إصداراته الشعرية: "خنزير" (2023)، و"ادفنها" (2018)، و "جنون" (2017).