أوكسجين متواصل ومستمر بأنفاس أشدّ وأعمق، مجلة ومحترفاً. أوكسجين يمتثل لشهيق يأخذنا إلى العمق المطلوب، العمق الذي كان وما زال فضاء للتجريب، والإيمان المطلق بحقنا بأن نحلم بالأفضل والأمضى والأصدق، وكل ما يجعل من هذا الشهيق زفيراً مدوياً أيضاً.
نحو فرضية متفائلة، وعلى شيء من طوباوية تدرك عميقاً التطور التاريخي الدائم رغم أنف الوصايات وثباتها وخنوعها، والكوارث والملمات والاحتلالات والمليشيات التي تترامى وتتنامى في منطقتنا، والخرائط والأوطان التي تتغير من عام إلى آخر، وما يلتصق بتلك الأوطان أشبه بدود العلق، يعافها متى جفت وتهددتها ديدان أكبر كانت ترعاها وتتقاسم معها حصة الدم.
وأمام ما تقدّم لا نملك في أوكسجين إلا أن نكون طوباويين، ليس على نهج توماس مور، أي بوصف الطوباوية مجتمعا مثالياً لا وجود له بمعنى استحالة تحقيقه، لكن بالبناء على مقاربة سمير أمين للطوباوية بوصف التطلع يستقدم صراعاً، فهناك من يتمسك بالقائم والسائد ويتواطأ معه، ويسعى إلى ديمومته، بحيث تبدو معارضته ومجابهته، والسعي إلى تغييره، بتقديم مقترحات جديدة إبداعية وفكرية، وإحلال ما يخالفه، طوباوية، إلا أن هذا التوصيف لن يبقى كذلك عند النجاح في تحقيق تلك المساعي، بل سيُنظر إليه كدافع وتطلع! وبكلمات أمين المتصلة بالصراع الاجتماعي بين تكتلات اجتماعية لها مصالحها المتناقضة التي تدافع عنها، “فبعضها يعمل لديمومة النظام السائد والبعض الآخر يعمل لتغييره وإحلال نظام مختلف من حيث الكيف محله. فالمقصود من وراء هذا التحليل هو أن ثمة احتمالاً في الضرورة التاريخية تشق طريقاً لنفسها. فإذا فشل، أي إذا عجزت قوى التحديث عن أن تفرض نفسها وأن تنهي تسلط القوى المحافظة، فسوف يؤدي ذلك إلى اشتداد التناقضات التي لن تجد مخرجاً لها، وبالتالي إلى انحطاط المجتمع بشكل أو آخر، وهذا أيضاً قد حدث في التاريخ. ففي الفرضية المتفائلة يصير مشروع تجديد المجتمع واقعاً فعلياً، بعد أن كان صورة طوباوية قبل انتصار قوى التحديث.”
رهان أوكسجين مستمد مما تقدّم على الصعيد الإبداعي والفكري، وإن بدا طوباوياً فهو دافع للإصرار، للمواظبة والمواصلة، أمام الاتساع المضطرد لما يناقض الإبداع وهيمنة الرداءة والتجهيل والوصفات الجاهزة، والوصول إلى القول في يوم ما: ما كان صورة طوباوية قد أمسى واقعاً.