كل ما في هذه الحياة ملتبس ومتقلب، وما يكون سؤالاً يمسي جواباً والعكس صحيح، ودليلي الحالي على ذلك مجموعة سامر أبو هواش الشعرية “ليس هكذا تصنع البيتزا” (إصدار منشورات المتوسط – ميلانو 2017) وهي تنبش هذه الحياة فإذا هي حيوات، بشريك أو من دونه، في مشاهد داخلية وأخرى خارجية، والشاعر في “كل صباح يمحو وجهاً جديداً في ضباب المرآة”.
يتتبع جديد أبو هواش المشاهد المتغيرة المتلاحقة، والفيلمية التصاعدية وهي في صراع لابد له أن يستدعي حلاً، وللصراع أن يكون ماثلاً بفعل لا شيء، كذا الحل الكامن بتواصل الحياة والتي ستكون متروكة لـ “نهايات مفتوحة” كما هو عنوان الفصل الأخير من الكتاب.
تغدو “البيتزا” في عنوان الكتاب معادلاً لـ “الحياة”، فالقصائد مستخلصة من انهماك عميق في صنع هذه الحياة، تجريب العيش في هذه الحياة، تهشيمها وصونها، الانقلاب عليها، دفعها إلى الاستمرار وبالتالي استدعاء تدفقها وانقطاعها ومنعطفاتها “ربما تحتاج هذه الحياة/ إلى ورقة تافهة/ تعثر عليها صدفة/ وتدسها في جيبك/ كأنها خريطة كنز أسطوري..”
وكون الكتاب مقسّم كما لو أنه فيلم/ سيناريو، فإن مقاربتها تكون معها هي “هي..المشهد الأول” أي الشاعر وهي “ضياء”! “تقولين: الألم.. (الألم الذي يحتاج إلى ثلاث حيوات؛ ليشفى) أبقى وحيداً أمام مرآة وحيدة، مردداً اسمك/ هامساً اسمك،/ شاتماً اسمك..” وبما يقود أيضاً إلى “لكننا في النهاية سننجو،/ لأننا – إذ نحسب أننا تهنا تماماً-/ ستدلنا عيوننا إلينا/ وسنعرف أن أيدينا/ التي لم تقل شيئاً حتى الآن/تحفظ الطريق أكثر منا”. معها هي يحاول هو صنع البيتزا، هو الرجل المدرك تماماً ومن السطر الأول من قصيدة “ليس هكذا تصنع البيتزا” أن “المهم العجينة/ ثم ضع ما شئت من مكونات” هذه حقيقة، وسرعان ما تصير دامغة ذلك أن الرجل الذي يقف أمام كتلة العجين لن يستسلم أمام قول امرأته له “ليس هكذا تصنع البيتزا” بل سيحاول إصلاح “الكتلة الرمادية المسكينة” التي يقف مذهولاً أمامها “كجندي أخفق في تنفيذ الأوامر” ويحاول إصلاح المسألة “أضيف رشة ماء/ رشة طحين/ رشة أمل/ وأعاود المحاولة/ ولكن كالعادة/ تخذلني الصلاة/ وتفضحني الشتائم”.
يتيح كتاب أبو هواش الرصد والتنصل، الهروب إلى الأمام أو الخلف لا فرق! مشاركة القارئ التلصص واستخلاص العبر الشخصية والوجودية والعبثية، وتتوالى الفصول كما في فيلم: “هو: كاميرا صامتة تتحرك بثبات” ولعل العنوان يوحي بأن زواية الرؤية/ السرد أمست له “هو” وربما ما من محاولات هنا لصنع البيتزا بل يمكن طلبها لا صنعها “هذه فكرة أخرى/ تمر، كيد شحاذ، ثم تغادر،/ وتكاد لا تصدق/ أن مدناً تحدث في الخارج،/ وتكاد تصلي/ من أجل ارتطام/ يحدث في الخارج/ ولو/ بين غيميتن/ أو رأسين/ أو رغبتين/ أو/ أن يطرق الباب فجأة/ عامل البيتزا.”
ما تقدم عن بطلي الكتاب “هي وهو”، أما ما يليهما من قصائد فيكون متعلقاً بالشخصيات المساعدة أو كما عنوان الفصل الثالث “موسيقى تصويرية/ أبطال مساعدون” ومن هؤلاء الأبطال يحضر بوب ديلان وزياد الرحباني (وهو يؤرخ بهما) وهارولد كريك وآخرون وصولاً إلى الفصل الأخير من الكتاب “النهايات المفتوحة” والتي ستبقى مشرعة على مصراعيها وصاحب “الحياة تطبع في نيويورك” يقول في قصيدة “وقت”: “الوقت يمر ببطء تسخر منه السلاحف، السلاحف الضخمة، التي في المحيطات الضخمة، التي تمشي داخل نفسها./ الوقت يمر ببطء غير قاتل، بل اعتيادي، لأن ثمة دائماً/ ما نستطيع أن ندعوه الحياة./ الساعة في يدي تعطلت فجأة./ لكن عقرب الثواني/ ينبض في مكانه/ كرجل يسعى في الطين”.
اسم الكتاب
ليس هكذا تصنع البيتزا
اسم الكاتب
سامر أبو هواش
الناشر
منشورات المتوسط