نصوص الفراغ
العدد 262 | 04 كانون الأول 2020
الكيلاني عون


 

لم أعد أخرج كثيراً

 

لم أعد أخرج كثيراً

لاكتشاف ما ترميه العجائز في البئر

من أسرار الغول الذي مزَّقنَ شبابه

أو رؤية أين سيضع الفراغُ بيضته دون وشاية اسمٍ لثأرٍ

أو سياج؛

لا أدري هل الساتر الرمليّ رِزقُ الرياح الشاحبة

لازال يمضغ خيالَ النصر

وهل يخذل صوتَ الشحّاذِ هذا النحتُ الكفيف

يا لجرعات الغيب

كلَّما حاولتُ انشقاقاً مثل فكاهةٍ طليقة 

شدَّني ظِلِّي إلى كومة حذرٍ مرير

 

أحاول

 

أحاول قدر الإمكان اختطافَ مللٍ لا يُنْظَر إليه

أُكلِّفه بعبور النحيب إلى ما لا يطيقه

من نمالِ لهاثٍ يجرّ الأرض

نحو الضوء الغابر لأسمائها في مقلاةِ التخمين

مذ تشاجرتُ وزعم الغرقى

 

شخصٌ ما لم يعد حتى الآن

 

شخصٌ ما لم يعد حتى الآن

كان فراغه يتصبَّب قططاً عمياء ومخازن شبهات

اختلقَ ذرائعَ لزندقةِ الأثير مذوِّباً قسطين من رهق الفضَّةِ

كاتماً مقاصيرَ الغبار

رتَّبَ عظامَ الموتى ورؤوس النعام المكشوفة لحذرِ النطاسيِّين

دلَّ الحاضرَ الفضفاض على حفرةِ الخلِّ المهرّب

وعلى ظهر الملح خرج يلعب بدهاء الملح 

 

نضوب البريد

 

غرفتي ملآى بزجاجات سلامٍ

لا أدري ربّما شربتها وحدي 

ربّما حُوصِرتُ بثكنة نقاءٍ وأردتُ وصفَ الغياب

بنهرٍ محتشم

طوال الوقت أُفكِّر باعتذارٍ مريب

للذين خذلهم السيل

للذين كوفئوا بنضوب البريد

 

منذ رحيلكِ

 

منذ رحيلكِ

أُعامَلُ كنصبٍ تذكاريّ

كل يوم

يأتي أشخاصٌ عديدون

يربِّتون على كتفي ويذهبون

لم أحفظ من آهاتهم

سوى اسمكِ 

 

الحنين

 

علينا التزام الدور المؤجَّل لحادثة الغبار

لحكاياتٍ تسند اقتحامَ الفراغ

لزجاج الصّبر المتناثر كجرحى قُبَلٍ

لم تكن

أمّا الصفيُّ الحنين

له ما يشاءُ

 

لا شيء وراء الباب

 

غالباً لا شيء آخر وراء الباب

شجرتا زيتون

غيمة هجراتٍ لم تُحسَم

سعالُ انتصارٍ مفتعَل

أصواتُ دمىً ترتطم بمقايضاتِ الغبار

لا شيء..

سأُتحدَّث عن وطني قليلاً

وأعود به إلى البيت

 

هكذا قطعتُ الوقتَ

 

لستُ معتاداً على رؤيةِ ساعة الحائط

التي اشتريتها عندما نفد صبري

لأحطِّمها وأنا أعلِّق سترتي على جانب الفراغ المظلم

وبين ألسنةِ العابرين فرّقتُ لدغاتها المهزومة

هكذا قطعتُ الوقتَ

حتى لا أُصدِّق مروره

وأنتِ بعيدة

 

كل مساء

 

كل مساء

يرمي نافذةً أو شرفة

لتطلّ العذارى

ـ اللواتي اختطفهنَّ عزيفُ الانتظار ـ

على غنائم نظراتهنَّ

من جيادِ الذهب العائد

بالشغب المعلوم

 

قارورة الصّدى

 

يجب أن تصل بمفردكَ إلى قارورة الصّدى

توبِّخها بالدَّهاء الغافل

تعلِّمها ريبةَ الرماد في معاطفهِ

وتجرِّدها أعوادَ الثقاب

عائداً بها لهزائمكَ المرتَّبة كخواتم العار

وتشعلها كمن يتقيَّأ دجاجَ الملوك

 

*****

خاص بأوكسجين


شاعر وتشكيلي من ليبيا. صدر له: "لهذا النوم بهيئة صيد ""، و""شائعة الفكاهة""."