منثورة كالتبغ
العدد 271 | 18 حزيران 2022
خالد بن صالح


سيجارة وأعواد كبريت

 

في مشينا نحو المقهى

تبدو السماء قريبة على غير عادتها

صافية وتصلح لكتابة قصائد نثرية عن الله

لم ننتبه أن المساء قد يُغيَّر وجهة نظرنا المشتركة

خاصة عندما تمرُّ امرأة بمحاذاة نافورة الماء المعطلة 

تحمل باقة ورود صفراء

وجريدةً ينامُ في ركن صغير منها ابنُها المفقود

من قال إن الموتى ينامون؟

كأننا لا نكترث لنسائم باردة

تتسلل بين أرجل الطاولات

نجلس بهدوء

كما يفعل قاتل لحظة الإعدام

ربما نبتسم كلٌّ على طريقته

عندما يقترب النادل

وفي منتصف الطريق يفهم بإشارة واحدة

أن المطلوب فنجان قهوة

ولحظة عابرة نكتب فيها شعراً عن الله 

وامرأة فقدت ابنها ووجدت جثته في جريدة

وكيف ابتسم القاتل

ولم يفعل المقتول..

 

غالباً ما تسألني أعواد الكبريت

ولا تجيبني السيجارة

بينما أتوه بينهما بلا رجعة.

 

أربع سجائر كفارق لا أكثر

 

ستعرف أن الشارع الطويل المؤدي إلى دار السينما المغلقة منذ سنين

جعلني أدخن أكثر من خمس سجائر أثناء سيري وحيداً في الليل

وقد تدرك فيما بعد أن ثلة لصوص هاجمتني بالسكاكين من أجل هاتفي النقال أو حفنة دراهم

أو ربما لأجل أشياء أخرى لم أعد أذكرها.

.  .  .

ستعرف أنني نزفت ولم أمت

ربما من عادتي أن أحيا دائماً.

 

سألاقيها بعد زواجها ـ منذ تلك الحادثة ـ بسنتين

وتصبح هي مطلَّقة بولد وأنا شاعر بديوان واحد وأحلام غير صالحة

وسنعبر الشارع الطويل المؤدي إلى دار السينما المفتوحة منذ أيام

ستعرف أنني لم أقلع عن التدخين

لكنني سأكتفي بسيجارة واحدة فقط

لأنني لم أكن وحيداً كما كنت أول مرة

ولأن المساء المطرز بغيوم شفافة كان أجمل من كابوس تلك الليلة.

 

قبل أن يكمل سيجارته

 

أجلس في مقهى صغير

أجمع برتقال الحقول البعيدة

وأستنشق هواءً مثقلا بالدخان ورائحة المعاطف

وعندما أفتح عينيّ أسقط من أعلى الشجرة

وتتلقفني ابتسامة فتاة تجلس في الركن المقابل.

 

تمرر سبابتها على حواف الأشياء فوق الطاولة

علبة “مارلبورو لايت” تحمل على ظهرها ولاعة نحاسية

وبجانب كوب الماء جريدة

وعلى زجاج الطاولة

انعكاس علبة السجائر / الولاعة

كوب الماء / الجريدة

وأصابع فتاة تسحب سيجارة وتبتسم لي.  

 

قبل أن تدخل بشعرها الرمادي الناعم

بدأ الشاب معركته مع الفتاة

وتهت أنا في حقولي من جديد أجمع البرتقال وأتسلق الشجر

كان الشتاء طويلا ًوبارداً على أحلام طفل لم يتجاوز رفرفة فستان صديقته المنتحرة

وفي سقوطي الأخير أصدرتُ صوتا غريباً 

لم يستوقف الشاب الذي خرج قبل أن يكمل مراسيم الوداع  

بينما جفت دموع الفتاة أثناء تدخيني لأول سيجارة.

 

الكلمات المنثورة كالتبغ / المحايدة ربما 

كصمت سيدة في الخمسين /

لا تكترث بما يدور حولها، وقد صارت قصيدة.

*****

خاص بأوكسجين


شاعر من الجزائر صدر له "سعال ملائكة متعبين" 2010، "مائة وعشرون متراً عن البيت" 2012، و"الرقص بأطراف مستعارة" 2016، و"يوميات رجل إفريقي يرتدي قميصاً مزهراً، ويدخن L&M في زمن الثورة" 2019. و"مرثية الأبطال الخارقين" 2023.