ماذا يكتب رجل دخل الأربعين وما زال يدّعي أنه يعشق الشعر..؟؟
ربما عن جدارن تسندها الزوجات المائلات مثل مظلة بيد طفل ..
ربما يكتب عن صوت الباعة الجوالين الذين يبيعون سمكاً مخدوعاً منذ ساعات فقط.
ربما عن فزاعات يجهد الجار بتقميشها كل صباح لعصافير تفهم الموقف بحذافيره ..
عن شجرة الليمون العاقر منذ هطل مطر بملوحة ورمل كأنما البحار صارت فوق..
مؤلم وخز كل الأشياء الناعمة ..ومؤلم ألا تجربه ..
ماذا إذاً سيشرح رجل دخل الأربعين يدّعي أنه يعرف !!
عن أن الأشجار ليست متشابهة بشيء والبحار مختلفة بكل شيء !!
وليست الكرة الارضية إلا مكاناً مزدحماً بالأشخاص
أضعاف أضعاف ما تقوله الإحصائيات ..
مثلاً..أين يمكن أن نرمي المكرر منا في رؤوس االآخرين؟
أصدقاء وأخوة وأعداء ومارة وباعة وسائقون ومعلمون ورهبان وقتلة وجيران ..!!!
مرة كتبتني حبيبتي على دفتر مخصص لدوام الموظفين
ومرة كتبتني على فخذها الأيسر ..
كتبتها على زجاج سيارة مركونة منذ سنين
وعلى حبل مشنقة استعمله جنود عائدون من المعارك للتو
كانوا يتدافعون إليه كأنهم في مطعم الكتيبة ..
وكما كل المراهقين أصحاب الزغب الجديد
قلت لها جملة لا تشبه ما يقوله الشعراء الذين ناهزوا الخمسين
ولازالوا يعتقدون أن “نسمة” كلمة محض شعرية
مع أن أبي المتعرق بعد جولة حصاد
كان يقولها بطريقة تجعلك تلمس بخدك برودة العرق في قميصه الداخلي
فينبت لك اعتقاد أن “نسمة” كلمة قيلت مرة واحدة في الحياة
ويجب ألا يستعملها أحد بعده..
قلت لها: “تاني غرفة ع اليسار”
جملة بالية ولا يمكن لك أن تدسها في قصيدة أو في أغنية
سيسمعها الأصدقاء ويسخرون في سرهم ..
ولن تراها مكتوبة على جدار مدرسة أو على مؤخرة شاحنة
فقط يستطيع العشاق أن يستعملوها للغزل متى أرادوا ..
في الأربعين ثمة هوس لذيذ ،كأن نردد أسماءنا خوف أن ننساها ..
نعيدها على شكل تمتمة بطيئة كي لا يظن المارة بنا السوء ..
وكل يوم نحتاج لعراف حاذق يدلنا إلى طريق المنزل عند العودة ..
كنا نربط تمائماً على زنودنا لنغلب فيها أعداء يربطون تمائماً على زنودهم ليغلبونا..
وكنا نبدأ نباحاً يخال سامعه أنه أنين
أو على أقل تقدير يظنه بكاء ذئاب اشتبهت عليها مسالك الغابة القريبة!
وكان صمتنا يُحدث صريراً كأنه لأبواب يحركها العتم المسالم قرب ليل خشن.
*****
خاص بأوكسجين