في غياب من هلام أسود
العدد 194 | 07 تموز 2016
علي عبدالله سعيد


يخصني أن أقول: لا تقترب أيها الكائن من الرصاص.. ثمة هنا قراءة خطرة

 تخصني عينك من المرمر الأحمر بعد سيل من الصفيح المشتعل على كتفي

 تخصني القصيدة التي كتبتها بأصابع من حجر جرّحها مطر في الليل يهطل على القرميد ورائحة الخنازير التي في ثيابي

 يخصني حزنك الشفيف العفيف في ضوء القمر.. الذي يكتنفني كألغاز من أزمنة شتى أنا الأبله العتيد العتيد الذي ينتظر أن تصله هداياك اليومية من الكلام النبيل

 يخصني أن أنتظرك على هذا المفرق المضني من الصباح إلى أن يعرش الندم بعد الخوخ على روحي التي لم أمتلكها يوماً كاملاً..

 ربما

 كانت

 هناك

 ربما تذهب إلى هناك في اليوم

 كل

 اليوم

 في الدهر

 كل

 الدهر

 يخصني أن أقتلك ظهراً في الملل من الحر والضجر.. أن أحييك آخر الليل من الشهوات ذات البطر والرنين الصلب

 يخصني أن أكون يوماً كاملاً في هذه النيرفانا التافهة من الكهنة البوذيين الأشد تفاهة من أظافري التي احترقت في التعاويذ

 يخصني

 كم يخصني

 كما لو كنت يتيما

 في هذه البلاد من الخراب

 دون أهل

 دون أنت

 يخصني أن أكون وحيداً

منتعلاً هيكلاً من الحديد أرتب الحمقى والحماقات على رفوفي أو كفوفي ذات الصدأ والمعنى

يخصني بعين لوّامة أن أنظر إلى سرتك كشهوة في بئر عميق ليس فيه سوى الأفخاخ واليهود والقنافذ المحنطة

يخصني أن أوقف هذا الصراخ العواء العويل الندب النحيب الصهيل في داخلي البعيد كسرداب في مقبرة الاسكندر العظيم

يخصني ان أكون جائعاً لوجعك في الروح والمتاهات

يخصني أن أقضم متاهاتك متاهة متاهة تحت شجرة من الدلب على نهر غشيم كالحجر

يخصني أن أذبح بلاداً من الكفار من المؤمنين على ركبتك

يخصني أن أقول لك لا يوسف مثلي ولا ابراهيم

يخصني أن أشلّع أجنحة الطير في الضحى بعد النوم والطمأنينة والغفلة المراهقة

يخصني أن أكون شريراً إلى ما يفوق حد الحد كي أتبرأ من قبلاتي من ثيابي من نعالي من قصائدي من قمصاني في الأدوار والأكوار

يخصني يا الهي أن أحرق رموش عينيك بسيجارة من حشيش كي يفر الموت يومياً من طريقي اليك

يخصني أن أكون كتاباً ميتاً في الضحى والفجر والصبح في الظهر والعصر والليل عساي انجو من عسفك من غوايتك التي بلون الهلاك الأسود الأسود

يخصني أن لا يلحق بي إلى حتفه هذا

الغلام

الصغير

علي

—————-

 

مولاي

تقول لي في السديم المر

بامرأة من ضباب

من شغف

تنام هناك

في غياب من هلام أسود

ببلاد من خراب

ودم

بدالية من نبيذ

في الريح

تذلني

وذلك

معاً

كي نجلس قربها

كي نهزّ جذعها تحت الكواكب التي لك

التي لي

كي تساقط شهوة

رغوة

لن أخونك.. لا

تخونني

يا

علي

—————–

حتى في هذا الصباح من العصافير والدهشة التي بلون التفاح

ما أزال واقفاً هنا بعد مطر البارحة

خاضعاً

لبلطتك من الشعر

لفأسك من الكلام غير الشهي أحياناً.. اللذيذ بعض الشيء.. كأنه مجرد كلام لذيذ في نهاية النفق

بعد أن أسرق قبلة من شفتيك

فراشة غبطة من صدرك الأبيض بلون الهاوية

ما أزال خاضعاً لذلك كله كغر بن غر.. تقطعينني في سرير الليل

تنثرينني هناك كخطيئات لا تحصى

في بلاد كخطيئة لا تحصى

أستمتع بذاتي كنرجسي كخطيئة نادرة غير مجزأة كاملة أو غير ناقصة نهائياً تمشي فوق البلاط بأنفة غالباً باشمئزاز أحياناً أو نزق لا يضاهي

أجيد حرفتي البائدة جيداً ككائن من الوهم في نهر من الوهم كعبث يطفو فوق الضوء المبهر

أجر خلفي في نزهاتي كلابي من الحديد المقعقع

كي تحرسني من الهلاك أو الضلال كوهم مجرد وهم لا يلد ولا يولد

تقولين لي أيضا: بعد أن أضنيتني بمهاراتك القذرة

قد ولدت كما يولد السوقي أو الرع

ثم

أنجبت كما ينجب الرع أو السوقي دعك من

الوهم

أيها

الوهم.

*****

خاص بأوكسجين


روائي من سورية، مواليد اللاذقية 1958. من رواياته: “جسد بطعم الندم”، (2020). “البهيمة المقدسة”، (2020). “براري الخراب”، (2000). فازت روايته “جمالية المتاهة” بجائزة منتدى ابن خلدون، القاهرة (1993)، بينما نالت روايته الأولى “اختبار الحواس” جائزة مجلة الناقد، لندن (1992). صدر له في القصة: “موت كلب سريالي”، جائزة أصدقاء الأدب، دمشق (1996)، و”هكذا مات تقريباً" (1993). صدر له عن محترف أوكسجين للنشر رواية "سكّر الهلوسة" (2023).