شرف أميرة
العدد 289 | 25 آب 2024
طارق عباس زبارة


استيقظت أميرة من نوم هانئ صبيحة يوم جمعة. استيقظت متأخرة على عكس عادتها، فقد كانت مرهقة جراء لعبها مع صديقاتها بالأمس. سمحت لها أمها للمرة الأولى أن تلعب معهن في فناء البيت حتى لما بعد أذان المغرب لا بل وصولاً إلى صلاة العشاء!

ما زالت الأصوات الصاخبة في أذنيها وهي تتذكر كيف لعبوا “الكوفية الخضراء” و”الاستغماية” وغيرها من ألعاب الأطفال. كان خميساً استثنائياً، وقد امتلأ البيت بالضيوف المهنئين لوالدها على عودته الميمونة من الحج.

نهضت أميرة من السرير بسرعة كعادتها بعد أن أزاحت الغطاء بركلة سريعة من رجليها الصغيرتين. أميرة بنت نشطة، لا تحب أن يفوتها شيء. لكن ما هذا؟ خفق قلبها بعد أن نظرت الى قميص نومها والى ساقيها والى لحاف السرير. كان كل شيء ملطخ بدم له رائحة كريهة، لم تشم مثلها من قبل. “هل خدشت ساقي وقت اللعب ولم أنتبه؟”  رفعت قميصها لتبحث عن مكان الجرح. انتبهت الى أن الكثير من الدم على سروالها الداخلي. لا بد أن الجرح هناك. بدأ الهلع يتسلل. شعرت بخدر في أطرافها وببرودة في أناملها. لم تشعر بخوف مثل هذا الا في ذاك اليوم قبل سفر أباها بقليل، عندما ناداها صوت غليظ من المخزن ظنته “أم صياد” التي تسرق الأطفال وهربت بسرعة باكية الى أمها، وفهمت لاحقا أنها لم تكن سوى أختها الكبيرة التي أرادت أن تمازحها…

“يا ويلي، ضاع شرفي”.

“لا بد أني قفزت كثيرا بالأمس فكسرت شرفي”. لم تتجرأ أن تخلع السروال، خوفاً من أن يسقط ذلك الشرف من بين فخذيها. ضمت رجليها بسرعة كي تحتفظ بما تبقى منه في داخلها. فكرت أن تظل هكذا ضامة ساقيها، فقد يشفى الشرف المجروح كما تشفى كل الجروح والخدوش على الجسم. أرادت أن تنادي أمها، لكنها استبعدت الفكرة. فأمها لا بد أن تعاقبها عقاباً شديداً وقد تنادي على أبيها كي يقتلها، “لأن من ضاع شرفه يجب أن يُقتل” هكذا قالت أمها، وأنه أهم ما تملكه المرأة في هذه الدنيا، وفقدانها له سيُلحق العار بكل العائلة. لم تفهم أميرة لماذا يجلب ما بين فخذيها العار، وما هو بالتحديد ما يجب أن تحافظ عليه؟

في البداية ظنت أن الشرف يكمن في الحفاظ على المكان الذي تتبول منه، وكونها فتاة ذكية، استنتجت أن العار يكمن في إصابة هذا المكان بمكروه، وبالتالي لن تستطيع السيطرة على بولها وستفوح منها رائحة نتنة، كما تفوح من الأطفال الصغار ومن العمّة سلوى التي لا تقوى على مفارقة الفراش. لماذا لا يؤنبهم أحد على ذلك؟ ربما لأنهم صغار جداً ولأن العمّة سلوى مريضة جداً. لكن أميرة لا هذا ولا ذاك، فعليها أن تحافظ على شرفها مثل أمها وأختها الكبيرة. لكن لماذا لا يجلب أخاها نفس العار إن خدش ذكره؟ لا بد أن السبب يكمن في أن ما يقع خارج الجسم لا يجلب العار، أم الذي يقع في داخله فيجلبه. لهذا السبب يتبول أخاها أينما يريد، بينما أمها تنهرها بشدة إن فكّرت بذلك.

فهمت أميرة حين كبرت قليلاً أن الشرف يكمن في مكان آخر؛ في ذلك الثقب الغامض الذي لم تفهم فائدته والذي لا يجب مداعبته ولا حتى لمسه. لم تجب أمها على أي سؤال من أسئلتها. كانت تردد لها جملتها الأثيرة: “عندما تكبرين ستفهمين”. كبرت أكثر وأدركت أن هذا الثقب الصغير سيخرج منه جنين عندما تكبر كما أخبرتها أختها الكبرى، وليس من سرة البطن، كما كانت تقول لها أمها. لكن كيف سيخرج الجنين من هناك؟ فالثقب صغير! لا بد أنه سيكبر كثيراً مع الوقت. ولكن أين يكمن الشرف؟ هل يجب المحافظة على سلامة ذلك الثقب كي لا تفسد قدرة المرأة على الإنجاب ؟ لأن عدم القدرة على ذلك هو ما سيجلب العار؟ نعم، لا بد أنه كذلك! فقد سمعت النساء تتهامسن عن حالات الطلاق بسبب عدم استطاعة الزوجة على الحمل… لكن لم يتسبب بقتل من لا تنجب!  هل من مجيب يا عالم يا ناس، إن سألت أمي ستنهرني، لا بل لا أحد سيعطيني أدنى إجابة!

وها هي الآن حائرة، لا تعرف ماذا تفعل! بدأت تداري آثار الدم في الغرفة: أزالت اللحاف الملطخ وكومته. فتحت خزانة الملابس وحاولت أن تدخله، لكن عبثاً. خبأته تحت السرير ووضعت عليها من ملابسها النظيفة حتى اختفى تحتها تماما. ستقول لأمها إنها تريد إعادة ترتيب الخزانة.

لم تجرؤ على خلع سروالها الداخلي إلا في الحمام، الذي نجحت بالتسرب إليه من دون أن يلحظها أحد. نزعته على مهل وراحت تبحث فيه عن أثر شرفها، من دون أن تجد شيئاً سوى الدم. بدأت تغتسل تحت الماء الدافئ. فزعت مجدداً عندما لاحظت الدم يتدفق مجددا من بين رجليها، وألم بطنها يزداد. راحت تبكي وتئن.

حاولت كتم بكائها لكن من دون جدوى. ظلت تغتسل تحت الماء طويلا حتى توقف سيل الدم. فركت جسمها بالليف والصابون بكل ما تملكه من قوة حتى أحمر جلدها، وحين نشفته بات يؤلمها، فلم تضع عليه المراهم كالعادة، معتبرة في ذلك عقاب هين مقارنة بعقاب الوالدين.

ارتدت الملابس النظيفة وألقت سروالها القديم في المرحاض. ضغطت على “السيفون”، لكن السروال لم يختف، بل فاض المرحاض. زاد توتر أميرة وبدأ بكاؤها يعيق قدرتها على التنفس. سمعت صوت أمها تناديها قائلة إنها ذاهبة مع والدها. خفق قلب أميرة عندما سمعت صوتها؛ أرادت أن تناديها لتنقذها من محنتها، تفتح لها قلبها عسى أن تسامحها. لكنها كتمت بكاءها، وراحت كلمات أمها تضج في رأسها: “الشرف هو كل ما تملكه المرأة في هذه الدنيا، إن ضاع ضاعت، وألحق العار بكل الأهل والقرابة…”

فتحت أميرة باب الحمام وجرت الى غرفة والديها. اتجهت الى خزانة والدها وأخرجت مسدسه. وضعت فوهته على صدغها وغسلت عارها.

*****

خاص بأوكسجين


كاتب من اليمن مقيم في ألمانيا.