تشارلي كوفمان: كيف لأحد أن يشعر بالأمان؟
العدد 260 | 04 تشرين الأول 2020
جوناثان رومني


 

حمل لنا هذا الصيف عملين جديدين لتشارلي كوفمان: روايته الطويلة الأولى بعنوان “أنتكيند” (ترجمة لفصلها الافتتاحي منشور في هذا العدد من أوكسجين)، وفيلمه الجديد “أفكر في إنهاء الأمور” (قراءة للفيلم في زاوية سينما)، مشروعان لافتان يخوضان في الخيال الباطني المفرد لإبداع أميركي حقيقي.

“أفكر في إنهاء الأمور” معروض على نتفلكس، بينما رواية “أنتكيند” صادرة عن “فورث إستيت”

في آخر صورة له في مجلة سايت أند ساوند (آذار 2016)، يظهر تشارلي كوفمان على الغلاف الخارجي للمجلة مقطوع الجزء الأعلى من رأسه، ويخرج من جمجمته شخصيتان من فيلمه “أنوماليسا”، بينما يبدو دماغ الكاتب والمخرج المكشوف نابضاً بشعاع مخدِر متعدد الألوان.

يقول الغلاف “داخل عقل تشارلي كوفمان”، وهناك حيث يأخذنا هذا العمل الأميركي الأصيل في كل مرة. فمنذ السيناريو المميز لفيلم “أن تكون جون مالكوفيتش” (1999) للمخرج سبايك جونز، مروراً بالتجارب الملهمة في فيملي “اقتباس” (2002) للمخرج سبايك جونز و”إشراقة أبدية على رأس نظيف” (2004) للمخرج مايكل كوندري، وصولاً إلى تجاربه الإخراجية في “نيويورك، مجازاً” (2008) وفيلم التحريك “أنوماليسا” (2015، أخرجه بالتعاون مع ديوك جوهانسون)، لطالما كان كوفمان معادياً متشدداً للواقعية، ولا ينتمي إلى جملة الفنانين الذين يصحبون جمهورهم في جولات إرشادية حول الواقع الخارجي سهل الإدراك، ودائماً ما تكون مشاريعه حول العالم المعروف عبارة عن تعاريج معقدة حصرية من خياله المفرد.

شهدنا هذا الصيف عملين جديدين ومختلفين لكوفمان، أولهما فيلم من كتابته وإخراجه على شبكة نتفلكس بعنوان “أفكر في إنهاء الأمور”، مقتبس عن رواية الكاتب الكندي إيان ريد وبطولة جيسي باكلي بدور شابة تسافر مع حبيبها جيسي بليمونز لمقابلة أبويه اللذين يلعب دورهما كلٌ من توني كوليت وديفيد ثيوليس الذي لعب دوراً صوتياً في فيلم “أنوماليسا”.

على الرغم من وصف الفيلم ضمن فئة “الرعب النفسي” في بعض التقارير السابقة للعرض، إلى أنها تسمية مضللة لما يطرحه الفيلم من تساؤل تأملي حول الهوية والذاكرة والعقل والشيخوخة من جملة أمور أخرى. وبعيداً عن كونه فيلم طريق بطريقة أو بأخرى، فإنه من الممكن اعتباره عملاً من مسرح الحجرة، إذ إن الكثير من غرائبيته تأتي من حقيقة أن المشاهد الطويلة تحدث في حوارات باكلي وبليمونز في سيارة عادية أثناء القيادة في ليلة ثلجية (صوّر كوفمان هذه المشاهد مراراً وتكراراً بلقطات كاملة).

الفيلم خانق ويشبه ترنيمة النوم، ويعرض جانباً من عالم كوفمان يتمحور كلياً حول الانقباض، ويقترح ميلاً عقلياً متعمقاً يلتف على نفسه كقنفذ خائف. على النقيض من ذلك، تقوم رواية كوفمان الأولى بعنوان “أتكيند” على التوسع: بالاعتماد على الخيال كمحركٍ دوار خارج عن السيطرة لبناء العالم، ويمتد الفضاء الخيالي للرواية بلا هوادة في كل اتجاه بما يزيد على 705 صفحات، تماماً كما فعل المخرج المسرحي كادم كوتارد في فيلم “نيويورك، مجازاً” عندما عرض دراما موسعة ابتلعت العالم.

تلقّت الرواية مزيجاً من الآراء النقدية، بعضها متحمس إلى درجة كبيرة، وبعضها الآخر سلبي. بصفتي من مشجعي أعمال كوفمان، ومن المناصرين إلى حد ما للسينما والأدب اللذين يعبران عن الانعكاسات الذاتية، إلا أنني سأعترف أنني وجدت الرواية مجهدة في قراءتها، ومتحذلقة بصورة غريبة في تكراراتها المتعمدة (سقوط بعد سقوط، وشبيه بعد شبيه، وشرود ذهني بعد شرود ذهني) والسعي وراء النكات المكررة، على الرغم من أن حذلقتها، بالمعنى الدقيق للكلمة، تظهر على لسان بطل الرواية بي. روزينبيرغ روزينبيرغر، وهو مجرد ناقد سينمائي تافه وفاشل.  لكن لا شك أن الرواية مكتوبة ببراعة وإبداعية لافتة، ومكثفة مع بعض التكهنات الفلسفية الملهمة، وتشعرك عند قراءتها، في كل الأحوال، بالوقوع في دوامة لا قرار لها، بحيث يصبح الوصول إلى الصفحة الأخيرة بعقل سليم أمراً مفاجئاً.

في حديثي مع تشارلي كوفمان في مقابلة فيديو أجريتها معه على برنامج زووم في نيويورك سألته عن تأثير فترة الإغلاق عليه، وهل استغلها في الكتابة أم منعته عنها؟

تشارلي كوفمان: بل منعتني، فكل شيء يبدو مجرداً، سواء بالنسبة لشكل ما تبقى من حياتي أو شكل العمل الذي سأنفذه في السنة المقبلة، بالإضافة إلى تأثير القلق والعزلة على قدرتي على العمل، ولكنني بدأت إجبار نفسي على العمل مضطراً.

ما الذي فعلتَه منذ عرض فيلم أنوماليسا؟ وكيف انتهى بك المطاف لإخراج فيلم لصالح نتفلكس؟

كوفمان: عانيت منذ فيلم “نيويورك، مجازاً” لإنجاز أي شيء، وفيلم “أفكر في إنهاء الأمور” هو أول شيء أنجزه ضمن استوديو منذ ذلك الوقت.

بحثتُ طوال سنوات عن شيء أعمل عليه، حتى وجدت رواية إيان ريد الحالمة جداً والكابوسية بامتياز، وهو ما أعجبني بها، لكنها كانت أيضاً محدودة جداً، فهي تضم 4 شخصيات أساساً وتدور أحداثها في سيارة وبيت ريفي، ففكرت أنّ إنتاجها لن يكون باهظاً. أخبرت المنتج أنطوني برغمان بها وخلص إلى أن نتفلكس ستوافق عليها وهذا ما حصل، وبالتالي كانت البداية سهلة جداً.

ما هي الطريقة العجيبة التي استخدمتها لبيع فيلم كهذا للمشاهدين؟ فصفحة نتفلكس الخاصة بالفيلم تصفهُ بعبارة “ذهني وقاتم” ويبدو هذا منفّراً جداً للجمهور.

كوفمان (يضحك): هذا هدفي الدائم، تنفير الجمهور.

أخبرني كوفمان أن وجه الاختلاف بين رواية ريد والفيلم تتمثل في رغبته في جعله متمحوراً أكثر حول “الأشياء التي تحدث في العلاقات الفعلية….. “أردتُ الحديث عن الاحتمالات في العلاقات”. الانسجام الذي يحصل بين الشخصيتين الرئيسيتين رقيقٌ وهشٌ، وبالغ الواقعية على ما فيه من غرابة شديدة، لا سيما جراء التفاعل الصامت، والتخاطري على ما يبدو، بينهما.

يعرف كوفمان الممثل جيسي بليمنز من دوره في مسلسل “بريكينغ باد”، بينما نصحه آخرون بالاطلاع على أداء النجمة الإيرلندية الصاعدة جيسي باكلي، وتحمّس لدورها المميز في فيلم “وحش” (2017) للمخرج مايكل بيرس، بأدائها المقلق والعصبي الذي يعزز الشك الشامل المسيطر على الفيلم، فاسمها يمكن أن يكون لوسي، أو أي اسم آخر، ويمكن أن تكون عالمة فيزياء أو طالبة علم فيروسات أو شاعرة أو رسامة أو ناقدة سينمائية.

من الأشياء الملفتة والمحيرة في بداية الفيلم هي غزارة النص الحواري فيه، من حيث كلام البطلين والمونولوج الذي يظهر محكماً ومقاطعاً ومتشابكاً مع صوت الآخر أو يظهر ويختفي في مزيج أصواتهما. أنت تطلبُ منا أن نعيرك انتباهنا الكامل.

كوفمان: (متأملاً) لا شك، أنا أعشق فكرة مشاهدتك للفيلم مرة أخرى واكتشافك أشياء لم ترها في المرة الأولى إن كان مقنعاً بالصورة الكافية. أحاول تقديم أشياء مكثفة بدرجة كافية ومنفتحة على احتمالات عديدة لدرجة منحك أحاسيس مختلفة في كل مرة تشاهد فيها هذا الفيلم، نظراً لوجود أشياء لن تراها في مشاهدتك الأولى.

يطرح الفيلم وروايتك تساؤلات حول الوعي والذاكرة، وهناك عبارة من رواية “أنتكيند” تُعرّف الذاكرة على أنها “آلية نستخدمها لنحصر أجزاءً معينة من العالم”، ولكن الجانب الذي يبدو شغلك الشاغل في هذا الفيلم هو الخوف من الشيخوخة وانقضاء الوقت والخرف. يسلط الفيلم الضوء على حقيقة أن الشيخوخة في السينما تعتبر من المحرمات المطلقة.

كوفمان: نعم، إن الطريقة التي يُصوَّر بها المسنّون في هذه الثقافة حقيرة، وهذا ينطبق على طريقة التعامل معهم أيضاً. يصوّر الشباب الذين يصنعون أفلاماً موجهة للشباب كبارَ السن على أنهم “الآخر”، وهناك قناعة مفادها أن كبار السن عتيقي الطراز، وليسوا مشمولين بالاستمرارية، وأنت كعجوز غير مشمولٍ بهذه الاستمرارية، فأنت هنا وستبقى هنا دائماً، وكبار السن لطالما كانوا عتيقين وسيبقون كذلك. ولكن التعاطف بصورة عامة يأتي من استيعاب أننا جميعاً متشابهون، كلنا دون استثناء.

من خيوط الفيلم هو مشهد مدرسة ثانوية من مسرحية أوكلاهوما الغنائية، حيث استخدمت العرض المسرحي بطريقة تسلط الضوء على المكانة المركزية للمدرسة الثانوية-يشبه هذا المؤسس الأولي للنفسية الأميركية في الأفلام، حيث تنبع جميع الصدمات….

كوفمان: وحيث تموت كل الآمال! حاولنا الاستفادة من المدرسة الثانوية سينمائياً وجعلها مرددة للصدى، وهذا جزء من رواية إيان ريد، لكننا أشرنا إليها بطريقة غامضة. أثناء التفكير في الأشياء التي قد تحدث في مدرسة ثانوية في وقت متأخر من الليل، خطر ببالي بروفات مسرحية غنائية. عندما شاهدت مسرحية أوكلاهوما من جديد، بعد آخر مرة مذ كنتُ طفلاً، كان فيها العديد من الأشياء القاتمة اللافتة التي تحصل، أكثر بكثير مما تذكرتُه. شخصية جود التي تظهر أيضاً في فيلمي، تعود لشخص مكسور وقاتم ومخيف وتراجيدي. أنت تفكر في مسرحية أوكلاهوما، والناس تغني وترقص بملابس رعاة بقر، ولكن هناك الكثير من الأشياء الأخرى الجارية.

رغم الشعرية المخفية في فيلم “أفكر في إنهاء الأمور”، هل كوفمان “تقليلي” بطريقة أو بأخرى، أو من دعاة الأحادية، فروايته الأولى تنتمي لفئة “التكثيرية” التي تقود الفوضى. تتمحور رواية “أتكيند”، التي توصف بأفضل طريقة بعبارة “مغامرة فظة”، تلاحق الحوادث المؤسفة التي تصيب الراوي بصيغة المتكلم، الناقد السينمائي المختال والمصاب بمرض عصبي “بي. روزنبيرغر روزينبيرغ” الذي يعثر مصادفةً على تحفة ضائعة من وجهة نظره، وهي عبارة عن فيلم تحريك مدته ثلاثة أشهر صنعه عجوز منعزل اسمه إنغو كاتبيرث. يقرر روزينبيرغ أن اكتشاف هذا الفيلم، الذي لم يره سواه، سيجلب له المجد الذي يستحقه، لكن النسخة تحترق…..

هذه المقدمة على أي حال هي مجرد بذرة مقال عميق في الوجودية التهريجية التي تحتوي إشارات إلى (يقلّب الصفحات لا على التعيين) كينغ كونغ، والروائية زادي سميث، والفنان الغريب هنري دراغر، والجريمة في فيلم “داليا السوداء” وغيرها الكثير، ناهيك عن القصص الأكثر غموضاً أيضاً. يوجد كذلك تهكّم مسهب من رئيس أميركي يسمى “ترانك” يقع في غرام شبيهه الروبوت، وهو مسلك لغوي ينطوي على محاولة روزينبيرغ المستميتة ليبدو يقظاً على الدوام، لا سيما من خلال استخدامه المفرط للضمير “ثون/Thon” الذي يستخدم للتذكير والتأنيث دون تمييز، بالتزامن مع انكشاف تحيزاته من دون أن يكون لديه قدرة على منعها، وربما في نهاية المطاف على شكل وابلٍ من الانتقادات الموجهة إلى المخرج الأكثر كرهاً بالنسبة لروزينبيرغ “تشارلي كوفمان الذي بالكاد يحتكم على موهبة”.

يبدو الكتاب ارتجالياً وتداعياً حراً بالكامل، ولكن هل هذا صحيح؟ أتساءل إن ألّفتَه بأسلوب بنيوي فعلي؟

كوفمان: أحاول كتابة نهايات مفتوحة، فعندما أبدأ شيئاً ما، من المستحيل بالنسبة لي معرفة ما أحتاج معرفته لرسم خاتمة من أي نوع، أو تحديد المسار. أريد الاستمتاع بحرية الاكتشاف. لا أعتقد أن هذا الأمر نادر عند الروائيين بشكل خاص-ربما أندر عند المخرجين- لكن ذلك ما أفعله. ليس ارتجالياً بالكامل بمعنى أنني لو حدث وصادفتُ أمراً يثير اهتمامي في نقطة محددة أثناء الكتابة–وهذا ينطبق على السيناريوهات التي أكتبها أيضاً- فعندها أعود وأعدل الأشياء التي تسبق هذا الأمر حتى يتناسب معها، وبالتالي ليس الأمر اعتباطياً. هناك ارتجال، ثم هناك بنية تُظهر في ذلك الارتجال.

بطل الرواية بي. روزينبيرغ روزينبيرغر هو ناقد سينمائي أحمق ودائم الاحتجاج على النقّاد الآخرين. بصفتي ناقد سينمائي، عليّ أن أسألك عن مآخذك ضدنا، بالنظر إلى المراجعات العظيمة التي تتلقاها أعمالك دائماً؟

كوفمان: لا أميل إلى قول “دائماً”، فبعض النقاد ليسوا معجبين بي، حيث قال ريكس ريد، ناقد صحيفة “نيويورك أوبسيرفر” عن فيلم “نيويورك، مجازاً” إنه الفيلم الأسوأ على الإطلاق.

ليس لدي شيء ضد النقّاد السينمائيين. أحبُّ بي. روزينبيرغ روزينبيرغر، يعجبني حقاً، ولا أعتقد أنني خططت للإعجاب به، لكنني أشعر أنه ضحية، وبطريقة واضحة جداً. فهو ضحيتي، ضحية المؤلف، ولا يمكنه الانتصار لأنه ممنوع من ذلك. إنه مجرد إنسان يعاني، ويريد الأشياء التي يريدها الناس، يريد إثارة الإعجاب وتلقّي الاستحسان، ولكنه يخطئ في كل ما يقوم به. ليس مجرد مهرج، فقد أعطيته الكثير من الأشياء المهمة للتفكير على طول الخط.

تقول إحدى نظرياته إن الكوميديا فظيعة لأنها قاسية. ما هو موقفك من الكوميديا الآن؟ أول ما يخطر ببال الناس حول عملك أنها غزيرة ومرحة، على الرغم من اتعطافاتها الكئيبة. ومنذ فيلم “نيويورك، مجازاً”، كان حس الفكاهة لديك شديد القتامة حقاً، بل أشبه بأعمال صاموئيل بيكت.

كوفمان: حسناً، لا شك أن بيكت فكاهي، وظننتُ فعلاً أن “نيويورك، مجازاً” كان فيلماً كوميدياً. فيلم ” أن تكون جون مالكوفيتش” يحتوي على نكات، لكن “نيويورك، مجازاً” يخلو منها، بيد أنه يحتوي على أفكار هزلية من الناحية المفاهيمية، بالطريقة نفسها التي قد تقول فيها إن كافكا يروي أشياء مضحكة في رواياته.

عندما قررتُ كتابة هذه الرواية الهزلية، خطر ببالي “حسناً، سوف أوضّح أن النية على الأقل تتجه إلى جعلها هزلية، وستحتوي على نكات”. ثم أصبحت فكرة النكات القاسية جزءاً من الغرور-نكات لا تنتهي، على حساب هذا الشخص الواحد في معظم الأحيان، ومن ثم تصبح كما لو أنها قصة رعب.

تتناول على نحو ساخر بعض الأفكار الثقافية/السياسية الراهنة، لا سيما في حاجة روزينبيرغ المرَضية لإظهار نفسه يقظاً. إلى أي مدى ترى نفسك متماهياً مع هذه الأفكار أو محتاراً إزاءها؟

كوفمان: اهتممت إلى أبعد درجة في دراسة شخصية شخص أراد التظاهر بشيء معين، على عكس حقيقته، واحتاج إلى هذا الاستحسان المستمر من العالم الخارجي. أراد أن يُرى بطريقة معينة، لا يستحقها بالضرورة، لكنه أرادها في كل الأحوال، حتى أصبح الأمر أدائياً بالنسبة إليه. أكتب بأسلوب هزلي عن شخص لديه هذه الحاجة، أكثر من كتابتي حول ثقافة ما.

يتضمن السياق “الرئيس ترانك”: هل شعرت بالقلق أن ترامب الحقيقي شديد التهكم من نفسه لدرجة تجعل التعامل معه بهذه الطريقة أمراً لا طائل منه؟ وهل تشعر أننا قد اقتربنا من نهاية عهده؟

كوفمان: ساورني بعض القلق حول تحجيم الكتاب وربطه بتاريخ معين، فعندما انتهيت من تأليفه، كانت جلسات عزل الرئيس جارية ولم نكن نعلم إن كان سيظل رئيساً عند إصدار الكتاب. لكن يعجبني السياق كثيراً. عندما رأيتُ روبوت ترامب الذي عُرض في قاعة الرؤساء في عالم ديزني، كان مظهره مرعباً، ومن هنا جاءت الفكرة بطريقة أو بأخرى.

الظروف في هذا البلد رهيبة حقاً، حتى وإن لم يُنتخب لفترة رئاسية ثانية فهناك الكثير من المعاناة التي تنتظرنا. في حال سيطر الجمهوريون على مجلس الشيوخ مجدداً، لن يكون الأمر بنفس الدرجة من السوء. ترامب ليس الوحيد، وبالتالي لن ينجو العالم بمجرد خسارته، ولكن ينبغي أن يغادر، فهذه خطوة في ذلك الاتجاه.

~

على الرغم من صعوبة الإغلاق، أطلق كوفمان مشاريع جديدة تتضمن رواية جديدة، وسيناريو لصالح شركة ريان غوسلينغ للإنتاج ومسلسل لصالح شبكة HBO “مستوحى من سيناريو كتبتُه منذ عدة سنوات حول فيروس يُسبب الغباء”. 

أما بالنسبة لفيلم “أفكر في إنهاء الأمور”، من الصعب تصور الكيفية التي سيلائم فيها الفيلم الوضع الاقتصادي لشبكة نتفلكس، فهو خيار واحد فقط ضمن مجموعة واسعة من الخيارات منها “ملك النمر” و”التاج” و”بيت المال”. كوفمان متحمس جداً لعرض فيلمه على المنصة، ويقول إن مردُّ ذلك هو مشاهدة الفيلم في جميع أنحاء العالم، وبقاؤه متاحاً للمشاهدة لفترة طويلة “أفلام مثل “نيويورك، مجازاً” و”أنوماليسا” تختفي بعد أسابيع قليلة لأنها لا تنجح تجارياً”.

ما هو موقع فيلم تشارلي كوفمان في العالم اليوم؟ قلت بأنه بعد فيلم “نيويورك، مجازاً”، لا تعتبرك صناعة السينما قابلاً للتمويل بالطريقة نفسها. هل تشعر بمزيد من الأمان حول موقعك في العالم؟

كوفمان: لا أشعر بالأمان مطلقاً. لا أعلم كيف بإمكان أحد الشعور بالأمان في العالم هذه الأيام. لا شيء مستقر، وكل شيء يبدو عرضياً بصورة غريبة تقريباً. الأمور في غاية السوء، وبالتالي من يبالي بمسيرتي المهنية؟ (يضحك).

وأثناء ذلك، هل تنتظر إعادة افتتاح السينمات بفارغ الصبر؟

كوفمان: لا، فأنا لا أذهب إلى السينما على الإطلاق.

__________________

نشر اللقاء في  مجلة Sight & Sound  سبتمبر 2020

*****

خاص بأوكسجين