ما كنت أريد الخوض في سرد سيرةٍ شخصية
أو أن أعرّف البقاء بأنه صدفة
أو أن أقابل تخلّي الآمال بنكوصٍ أكثر
لكن الفراغ يتسع من حولي
يأكلني
يهرس عظامي
يطحنني
وأنا حين أكتب هنا
أكتب لمجرّد إكمال طقسه
أكتب لإفراغي
لا أكثر
-2-
الغرف المرصوفة بيد سكّير
تنسى أكواماً من الضجيج، وتذكر هنّاتٍ في أيام ماطرة
هنّاتٌ وأصواتٌ كتيمة
هنّاتٌ وأصواتٌ كتيمةٌ و تأوّهات
تنسى الأقدام الواثقة
وتذكر أقداماً ليس لها أثر
تنسى عودة الطالبات من المدرسة
وتذكر دخول أنضجهنّ
تنسى الصراخ والشتائم
وتذكر جَلد الوحدة تحت مصباح.
الغرف المتوارثة بترفٍ أرستقراطي
ليست غنيّة الجدران
بيضاء وضئيلة يزيدها تعاقب الأيام قتامةً
لا تعرف من العالم سوى أخبار من جاؤوا يحملون هروب الجارة مع عشيقها
أو تكاثر الغربان على غصنٍ فوق مذبحة
أو تآمر العبيد على إلهٍ مهزوم
الغرف الخرساء في الخامسة صباحاً
لا تعرف لغة الإشارة
لن تخبرك كيف هُزم جيشٌ من النمل على يد طفلةٍ تلهو بحذاء
لن تقول “صباح الخير”
لن تفشي سرّ الابن الأكبر وعادته السريّة
ولن تقول بماذا حلم الحذاء
ستكتفي بالجلوس مع العائلة أمام الساعة الوحيدة في وجهها:
إنّ الوقت يمضي، حتى لو نزعت بطاريّةً أو اثنتين من البطن البارد
-3-
الغرف مأخوذةٌ بالفراغ مهما كان الأثاث ثرثاراً
قد لا تنام إذا غاب عنها
وقد تناديه ليلاً، أنْ ثقيلٌ حسّ الامتلاء
تعال
تعال بلا أصواتٍ أو احتمالاتٍ أو صور
تعال هكذا
فراغاً يملأ الحيّز المملوء بانتهاكات الحياة
والفراغ عدمٌ مثقف، لذا
لن تستطيع إخباره أنّ الحياة المتراكمة عبر تعاقب الأجيال باتت سقيمةً
بأسلوبٍ ركيك
عليها، تذكّر كل الأفكار المعلّقة على جدرانها
كي تقنعه بالقدوم
-4-
والفراغ إذ يأتي
تمدّ الأفكار أعناقها باسمةً وتحني رؤوسها
أنْ تقدّم أيها المنسي
مارس عدمك الهجين
تذوّق عَرَقنا
كل ما شئت من موائدنا
ارضع سبابتنا ومرّرها على حلمتيك
انتصب فينا
وطعّم أغصان التفاح بمطر السكّر
للغرف هنا
أن تقبل الليلة الهادئة
وتنام تحلم بليلٍ ثانٍ
أكثر حنطة
-5-
ما كنت أريد أن أعرف البقاء بأنه صدفة
لكنّ الأيام تمضي كما في متواليةٍ حسابية
والناتج يقرّب إلى أكبر عددٍ من الغائبين
ولك أن تستبدله بعلامة اللانهاية.
تمضي الأيام بخفّة أدلّاء في صحراء
كأنّما مرضٌ أصابها
خلاسيّةً جوفاء
تستدلّ على بعضها بعيني طفلٍ يقضم أصابعه بعد علامةٍ ناقصة
الأيام المهزومة على شبّاك فرن
المبعثرة في دفاتر المدرسة
الكثيرة في عيون الصغار
المتشابهة في عيني حَذّاء
الموزونة في يدي عازف
القليلة في جيوب الأشقياء
المهولة في تكرارها
ولا أدري
ماذا يفيد تراكم الآحاد في رأسٍ أخرس أمام كنيسة سوى
جمع الأصوات
*****
خاص بأوكسجين