صدرت حديثاً عن منشورات المتوسط -إيطاليا، رواية جديدة للكاتب اليمني أحمد زين، بعنوان: “فاكهة للغربان”. في هذا الكتاب، وغير بعيدٍ عن أجواء مُلبَّدة برائحةِ سجائرَ امبرياليّة، وكلماتِ الأغاني الثَّورية، التي طبعت سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي؛ يجلسُ صلاح، المناضلُ اليساريُّ، ليكتُبَ مذكِّرات زوجةِ رئيسهِ السَّابق، في الدائرة الحزبية التي كان يعمل فيها؛ بعدَ شهورٍ من اختفائه. ولتبدأ رحلةٌ متشعِّبةُ المساراتِ في أزمنةٍ أضحت بعيدة، وفي «عَدَن» المدينة التي نأت كثيرًا عن البحر، وأضحت تؤثِّث ذاكرتها بحكاياتِ الهروب واللُّجوء وقصص الأرواح التي تترقب حتفها في كلِّ حين. كلُّ ذلك لا ينسجمُ إلا بالمعمار الروائيّ الذي هندسَهُ الكاتبُ على طريقةِ المعمار اليمني الملتحمِ، بأصالتِه، مع الحداثة.
سنمضي مع صلاح وسناء وجياب ونضال ونورا وعبَّاس وبقطاش وغيرهم، بين الحركة الشيوعية وجبهة الصمود والتصدي، بين موسكو وبراغ وكوبا، وبين اليمن والجزائر والعراق وبيروت، تتجلَّى حركةُ التاريخِ بكلِّ تناقضاتها، بالوشاية والمؤامَرة والتَّصفية، بالنِّضال وأحلام الثَّورة، بالآلام الفظيعة والخراب الإنساني، حيثُ ستبدو الغربان في صورةِ لطخٍ سوداء تنعق طوال اللَّيل، وليُفاجئنا الكاتب بالسُّؤال، الأكثر سورياليّة: «كيف سيكون طعم الرِّفاق في أفواه الغربان وبين مخالبِها، … مثل الفاكهة؟» ربَّما.
من الكتاب:
تصمت لبُرْهَة ثمَّ سيسمعها تقول: مرَّة قال لي: لا أدري لماذا يعتريني شعور أن أحلامنا تواضعت، بعد أن كنَّا حالمين كباراً. وأتذكَّر أن وجهه تحوَّل يومها إلى علامة استفهام هائلة. قبل أن يواصل قائلاً: في تلك الأوقات، بعد رحيل آخر جندي بريطاني، لم نكن نمشي فوق الأرض، نبتت لنا أجنحة وطرْنا، ابتعدْنا عن الأرض وصرْنا نُحلِّق عالياً. حلمْنا بثورة مستمرَّة لتحرير الجوار كله، ورأيْنا بعين خيالنا بلداناً جديدة تنهض على أنقاض بلاد، عَرفت طويلاً الذُّلَّ وعبادة الطاغية. صنعت لنا مخيِّلاتنا جنات، الجميع فيها متساوٍ. فجأة، وكأنَّما أجنحتنا كانت من شمع، إذا بها تذوب في حرارة عدن وجوِّها الجحيمي، فتساقطْنا مرتطمين بالأرض التي لم نَخَلْها صلبةً فقط، بل كانت أكثر صلابة حتَّى من صخور ردفان.
المؤلِّف:
أحمد زين روائي وصحافي يمني. يُقيم في الرياض، ويعمل في الصحافة الثقافية. صدرت له مجموعتان قصصيتان: “أسلاك تصطخب”، 1997. و “كمن يهش ظلا”، 2002. وأربع روايات: “تصحيح وضع”، 2004. “قهوة أميركية”، 2007. “حرب تحت الجلد”، 2010. “ستيمر بوينت”، 2015. أُعيد طباعة اثنتين منها في سلسلة الإبداع العربي التي تصدرها الهيئة المصرية للكتاب وهيئة قصور الثقافة. تُرجمت فصول من رواياته وعدد من قصصه إلى الإنجليزية والفرنسية والروسية.