والت ويتمان: لحية تملؤها الفراشات
العدد 207 | 01 آذار 2017
ديمة يوسف


1

متغلغلةٌ بالحيرة أنا..

والمتّهم الوحيد أنت

لماذا أشرتَ بجسدك كاملاً إلى العشب، حين كنتُ أنظر بغير اتجاه؟

صغيرةً كنت لمّا استدللتُ على قلبي، من خفق النجوم

فلماذا قلبتَ السماء؟

لماذا جعلتَ ما يحرق، أكثر من نيزكٍ، تحت باطن قدمي

وأنا أسير في طريقي

وكلّ شيءٍ أدعوه أمي

كلّ شيءٍ يترك غموضه عليّ كأثر صلاة..

***

 

2

كان يكفي قبلك ألا أرفع رأسي، لأكون بمأمنٍ

من لون الغيم المرتبك، قبل انهماره

من شرودي

من رفرفات الأجنحة..

كان يكفي ألا أرفع رأسي فقط..

ومرةً، مرةً وحيدة، سقطتُ على عشبك

ولم أنهض أبداً..

***

 

3

وها أنا يؤلمني النّمل حين يدّب في أنحاء الأرض

ولا أعرف كيف أوزّع نظراتي الممتنّة، على عيونه الكثيرة بالتّساوي

ها أنا لا أعرف كيف أحدّق بكلّ هذه الآلام الصغيرة.!

ودبيب الكون يتّسع أكثر، أكثر، أكثر

لحظة أغمض عينيّ..

تؤلمني الشّجرة التي ترتجف

والشّمعة التي تسيل

والصّخرة التي يضربها البحر

والماء الذي ينتحر من أعلى الجبل

آه.. لو أنّي أعرف كيف أفتح عينيّ

أفتحهما

وأُغمضُ العالم..

***

 

4

ضلَّلتَنِي

الغابة التي أرسلتَني إليها، لم يخيّم تحت شجرها النّهر

لم تنتظرني عند أعتابها مساكب الزهور

ولم يتلألئ ماء البحيرة، حين اقتربت منها..

على كتفي لم يسقط رذاذ النّدى

وتأتي لحيتك المملوءة بالفراشات

 لتشربه..

الغابة التي أرسلتَني إليها

كانت مهجورةً، ومخيفة

لم ينادها أحدٌ منذ رحيلك “أمّي”

وحين فعلتُ

التهمتني كقطةٍ

لأنّها ..

خافت عليّ..

***

 

5

لستَ وحدك

أنا أيضاً صاحبتُ البّحارة، سمعتُ حكاياتهم

لفتتني مشيتهم المائية

زرقة ظلهم

تشقّق شفاههم..

ولم أسألهم يوماً عن الدُّوار.

صاحبتُ الجنود

تأملت أخمص البنادق يرتدُّ

مهشِّماً شيئاً في الصّدر

بعد التّسديد..

ولم أسألهم يوماً، كم ثمن الرصاصة؟

صاحبتُ سائقي العربات

مسحتُ عرق الطرقات عن جباههم، بأكمامي

جمعتُ لهم أجرة وصول الرّكاب

قبلهم..

ولم أسألهم يوماً عن أوجاع الرقبة..

صاحبتُ المهزومين كلّهم

ولم أسألهم يوماً مَن الذي انتصر؟

***

 

6

أفسّر العشب بأنّه

رغبة الجذور، المرسلة للضوء

قرون استشعار الموتى

انفجار الأرض بالضحك

فيض العمق بالأسرار..

أفسّر العشب الذي ينمو؛ بالشعر

أفسّر العشب الذي سيموت؛

بالحقيقة…

***

 

7

“أطلق صيحتك البربريّة على سقوف العالم”

هكذا أوصيت في كتابك المقدّس

ولكن

سقف العالم كان واطئاً جداً

فاحتجنا أن نكون أقزاماً، لنصرخ في أذنه

صرنا أقزاماً

صرخنا وصرخنا

ولم يسمعنا أحد ..

***

 

8

لو سألتني عن النهاية، لقلت لك

أنّ القبطان الذي قاد السفينة

لم يكن طيباً

كلُّ القادة أشرار

وأنّ ساقه الخشبيّة خرقت البحر

أنّ البحر غرق في السفينة

وأنّ العالم الآن

سفينةٌ، من النَّاجين، صدفةً

تبحر في العدم..

***

 

9

مرةً

مرةً وحيدة، سقطتُ على عشبك

ولم أنهض أبداً..

لدغتني

أفاعي الأرض

الكثيرة..

*****

خاص بأوكسجين