نميمة النعاس
العدد 247 | 06 أيلول 2019
الكيلاني عون


مما يختفي إن لم يكن من نفسه

من ثغاءٍ مرصودٍ تركته النجومُ

لئلّا تضيع الزيارةُ المنشورة

كسميدِ الأعراس فوق سطحٍ هو الآخر

لبيتٍ هناك وحده

يدور بالريح

تدور به بذرةُ الدهر فيسقط العالم

بين عابرين يجوبون الفراغَ؛

مما تراه يختفي وقد سلخَ الذئبَ

مرتدياً عواءَه الأخيرَ

إزاء عينيه اللتين ظلَّتا كأجيرٍ يتقصَّى جسدَه

الممزّق كشرفةِ تحريرٍ

توزِّع القتلى صفّاً صفّاً

على الثكنات حاملين الذبابَ

خوذاتٍ كما يحملون الجوعَ

مائدةً لانتصاراتٍ يذرذرها السُّخامُ؛

أين يربط، غير عابئ بالفوانيس

ارتجافَ نشارةِ المدِّ

يقايضه بغبارِ أسرى

ينزلون من يديه ليقابلوا الأوراقَ

كما عرفوها قبل الهذر ونعاجه

الملتَبَسُ عليها الغناءُ

كيف يترفَّق بالناي وحصانه مسكونٌ، 

إثر الفراشاتِ، بغيمةٍ لا تقابل إلا نفسها؛

وماذا عن رأسه تحت السرير

يبطل عبوّات الليل

أو يبدِّل ألقابَ الجمر متواطئاً مع أجنحةٍ

أفراحها صغيرة

كأقدام نومٍ تحت عجلات الحريق؟

كطلاءٍ جديدٍ يقع من ضربات

العيون

أو عيونٍ هكذا بلا وجهٍ

تبحث عن كرسيِّها الهزَّاز

سرقته الهجراتُ آن ركضتْ

غزلانُ المشهدِ وقد غيَّرتِ الأرضُ كذبتها

إذْ غيَّرَ الطينُ أُجورَ الستائر؛

من أين يعود إلى مسقط رأسه؟

كانت هناك شجرة في مسقط رأسه،

لم تخرج بعد من رأسه،

كيف يكلِّمها وتكلِّمه

كيف يردّ المسافةَ بينهما

إلى أوّل نظرةٍ توجعه حتى الآن؟

يا لجباةٍ ينوِّمون، بحشيشة الزّبد، جباةً آخرين ليحصدوا غلالَ

المؤمَّل وحدهم

ليشدّوا السلالمَ من غرفات اللّوز

متناثرين على الدراهم دراهمَ أخرى، شطوطاً تدرّ الخرائطَ أشباحاً

قفازاتٍ كشرودِ الظَّليم

نباحاً كأروقةٍ ليست كجيبِ الرعد

زنجبيلاً لمرارةِ الأشدِّ دُواراً

بين نهرين ممَّدداً يهزّ النومَ من

غبشِ اليقظة

كقضماتِ الغبار شجارُ الأسماء

تُترَك على مقابض الأبواب

وقفاطين الريح

 

عاليةٌ أنتِ ترفعين سهرَ مجنَّديك

فوق أسوار اللفافات

ترومين الأكثر شباباً في السطو

غريقِ شبر الحياة الأوّل.

لو كنتُ فلاحاً في أرض اليونان

وأبي من آلهة التسديد

يُضمر الشِركَ بما حوله،

بنفسه، بالغابات

يجمعها كالناس يعلِّمها شتائمَه

جبيرةَ الأسماء

خلَّ الغيب الجالس على الهدير، ويلقِّن النوارسَ الخارجة من صدوع الشتات

آثامَ الأغصان

يُقرئني سفائني

عِلَلي الموثقة بسور النبوَّاتِ

لو كنتُ شجرةً في البحر

لأضرموا النارَ بالبحر وقالوا:

رأيناه يتسلّق نفسه إليكِ

مخموراً بالحبل ذاته من دمعتكِ؛

أين يحلم لو شاء القرنفلُ؟

وشَعركِ لا لون له الآن وراء جدارٍ

أنقره بغيمةٍ

لم أكن واقفاً هناك أو هنا، لم أرك مطلقاً

في محطاتٍ تكنس النائمين

كأجنحةٍ يابسةٍ سقطتْ من فراشاتٍ تبكي

لا أذكر لونَ الباب

رائحةَ الربيع خلف الشرفة

لم يحتفظ بي شيءٌ أو أحدٌ

لكنني أراقب ظلِّي

منذ ألف عام وهو يعود مهملاً

يكتب رسائلَ خلواته وينام حاملاً صورةَ شارعٍ

إنه هو في أزهى خياناته

يذهب ويأتي

يمشي كقمرٍ يبحث عن كتاب

كشارعٍ يخبئ البيوتَ عن الطوفان 

كزجاجةِ ماءٍ تحلم بالشفاه.

وحيدةٌ أنتِ

سمّيتكِ النومَ

فأحلامي كثيرة

كالعابرين.

لا أريد أن أخسر النظرات وأنت تعبثين بوسادة البحر بصناديقه المخبأة في انعكاسِ النوم على شهوات العزيف.

تكبر نظرتك في الحديقة 

تكبرين وحيدةً

وينتعلني نزوحٌ جيَّارٌ

هذا ما كنت أضمره للسفن: أن تُبْلَى بحيد المسامير

وخنزير المشيئات بقرونه المدبَّبة

أن يُلْفَظَ قرينُ السرِّ دون مطاحنهِ

يُرْشَقَ العدمُ بنفقات الذئب على أمومة الأثير

 

ويخفي الذي يده على طنجرة الأرض صورةَ السماء

إن

لم

يكن

خمَّنَ

الأجنحة

ممَّا سيغترف الرواةُ أصواتهم؟ 

نعاسٌ شكٌّ يؤْكَل غيظُ العشَّاق يصفون نبيذَ الوعد؛

والطريقُ ماءُ العربات المُحلَّى تشربه ولا تصل

إلّا فارغة

ضجرٌ بما ملكت نحلةُ الجسر 

دعاءٌ سائبٌ كوفئ بسطو المداخل

حربٌ حتى العظم، جحيم حتى زلّة الحصون

وأنتِ منامُ البندق زغبُ الباب وراءَ الهدهد

أمامَ المتسوِّل حرجَ اليقين

يا الليل المطرود الحاكم له عين واحدة في جيب الحلّاق

الليل فواقُ البرهة

الليل الرهبان

الليل السّعال

الليل الشاطئ

كلب الهدير المتأنِّق لعظام الأسرى

شفقة الحجر المتلعثم بما يسرّه لدروع الغيب

رجاء الموت الخائف من الموت

صبيُّ الساعاتيّ اللاجئ لتوريات النّمْسِ

المُحْيي درّاجات النزع المنهوب 

أيّها الليلُ

لا تحرقني أكثر ممّا فعل الانتظار

أنا وحيدٌ ومستاء

نازحٌ بقفّةِ نجومٍ ملبَّدة بالضجر

مكسور كزجاج مدرسة

خائف كتأويل حلم يتربَّصني

صغيرٌ كرحلةٍ لم تبدأ

وكبيرٌ كالنسيان

وهذا الحصار الممدَّد

سبع حكايات قديمة لا تبرح ذاكرته

عندما حلَّقت النسور بالمفاتيح

ولم يجد باباً يُفْتَح بإصبع الغبار الممتثَل لقارئات الشحوب 

سيمرّ فوجُ الطيور ويأخذ عينيه

ستمرّ يدٌ لا يعرفها تعطيه دمعةً وتختفي

سيمرّ الأصدقاء ويلقون به ثانيةً في النهر

ستمرّ الأرض بمقاعدها المقلوبة وتخيّره واحداً لن يجلس عليه

سيأتي القطار يكنس الساعات ويذهب بينما هو

يحاول فضحَ اللغز الذي يتآكل في رأسه

ختمٌ حيٌّ كالبيت

ختمٌ عائدٌ بالخبر الفِدية، بنثر القطيعةِ المُجَابة

بالشوط المتوثِّب

ختمٌ بالماء السرِّيّ على كتف البهلول،

رسمٌ لملوك الريح السبعة، لبوابات القطن الربّاني،

ختم للماء على الماء وضمير الحوت الغافل

لا ساحر إلّا رحيق القطرة، لا آمن إلّا الصّرير

فوق رأس التمثال ولا نهمٌ إلّا ما يُنْسَى

شروقٌ يُنْسَى

غروبٌ يُنْسَى

أحمالٌ قادمةٌ ذاهبةٌ تُنْسَى

وقبورٌ مكشوفةٌ لازدراء الموحش طحينَ العزائم

حرّاسٌ شمعيّون أقوالهم تُنْسَى

لوحٌ مجفَّفٌ من غبار القطرب

عدلٌ كالرِّبا، عِلَلُ مشوراتٍ، أبنيةٌ من الألحفة والحدوات ولا نوم إلّا اختلاء النفيس بجراء القيامة

لا غار إلّا الذي سلَّمَ العنكبوتَ

ولا

بحر

غير

ارتشاف

المنافي  

*****

خاص بأوكسجين

 


شاعر وتشكيلي من ليبيا. صدر له: "لهذا النوم بهيئة صيد ""، و""شائعة الفكاهة""."