من رواية “شاركني هذا الفالس”
العدد 230 | 28 نيسان 2018
زيلدا فيتزجيرالد


وصلت الرفاهية التي تلت فترة الحرب ذروتها، وهي التي دفعت بآلاباما وديفيد مع ستين ألف أمريكي آخر للتجوال في أوروبا في لعبة مطاردة للأرانب دون كلاب صيد. واستمر سيف ديموقليس الذي كان يزيف أملاً كبيراً بالحصول على شيء من اللا شيء، وإخضاع كل التوقعات بعدم الحصول على شيء من شيء حتى بداية الثلث الأول من شهر مايو.

كان هناك أمريكيون يعيشون حياة الليل وآخرون حياة النهار. وهناك أمريكيون في البنوك يسحبون أموالاً ليشتروا بها أشياءً وقد امتلأت الردهات الرخامية للبنوك بهم.

لم ينجح متجر ليبيو في صنع ما يكفي من الزهور من أجل التجارة بها.  صنع زهرة أبو خنجر من الجلد والمطاط، والغاردينيا من الشمع، وطيور أبو حناء مشعثة من الخيوط والأسلاك المعدنية. وبالكاد صنع نباتات معمرة تنمو في التربة الفقيرة لأشرطة الكتف، وباقات زهور بسويقات طويلة لتخترق الظلال الطينية تحت الأشرطة. وصنع خياطو الملابس النسائية قبعات من قماش أشرعة القوارب في حدائق تويلري وباع خياطون جريئون الصيف على شكل حزم ثياب. وذهبت السيدات إلى الباعة لشراء قبعات للشعر وأحذية مع أحلام التشبه بهيلينا روبنشتاين ودورثي غراي. وقرأن على النُدّل الصفات التفصيلية على القوائم وقُلن “ألن تُحبي هذا” و”ألن تقومي بهذا حقاً” لبعضهن وسط هدوء شوارع باريس النسبي الذي كان يصدح كمقطوعة موسيقية تعزفها أوركسترا غير مرئية. واشترى أمريكيون قدموا في سنوات سابقة منازل فاخرة في نويللي وباسيي، وحشروا أنفسهم في شارع باك كصبي دوقة يمسك بالسياج. وشغف أمريكيون مستهترون بأمور غريبة مُكلفة كاستخدام خدم أيام السبت لجرّ العربات وقاموا بتعديلات كثيرة وأصبحوا كملاحق لا تنتهي يصدر عنها صوت ماكينة النقود. واصطاد مطعم بيلتيريس النخبوي زبائنه السريين في شارع المطاعم الصغيرة. أنفق الناس أموالاً طائلة على سيارات أجرة بحثاً عن ما هو غريب وقصيّ.

كان يقولون لبعضهم “أسفون لا يمكننا البقاء، عرّجنا قليلاً لإلقاء التحية. مرحباً.” ورفضوا طاولة السعر الثابت لكافة الوجبات، وطلبوا المعجنات الفيرونية على محارم مخرمة تشبه الستائر المخرمة في فرساي والدجاج مع البندق في قصر فونتين بلو حيث بدت الأشجار وكأنها شعر مستعار رُشّ عليه ذرور. وانهالت على المصاطب في الضواحي المظلات مع نغمات فالس شوبان الرقيق والحماسي. جلسوا في البعيد تحت أشجار الدردار التي تقطر كآبة وتشبه خريطة أوروبا. كانت نهايات الأشجار متهتكة كقطع من صوف قديم، أشجار دردار ثقيلة ومرصوصة كحبات الحصرم. كانوا يطلبون الطقس بشهية كبيرة ويستمعون إلى شكاوي سائقي العربات حول غلاء أسعار الحدوات. كانت هناك أزهار برجوازية على الكستناء الصغيرة الشكل وبراعم زهور بلورية متناسبة مع النبيذ الأحمر. وقدّم الأمريكيون أنفسهم دوماً في شرحٍ مفصل وآخر مختصر في البارات قبل أن تصدح الموسيقا وتتلاعب بالمخيلة. اعتقدوا أنّ كافة صبية المدراس الفرنسيين أيتاماً بسبب ثيابهم السوداء، ولم يعرف أحد منهم معنى كلمة “متبلد”. ظنوا أنّ الفرنسيين يعتقدون بأنهم مجانين. كانوا جميعاً سكارى. قرأ أمريكيون بأشرطة حمراء في عراوي الأزرار صحفاً كصحيفة أكليرير وشربوا على الأرصفة. كان هناك أمريكيون مُهتمون بالسباقات يشربون على السلالم، وأمريكيون أصحاب ملايين الدولارات يخدمهم مدلكون في الفنادق يشربون في أجنحة فنادق كفندق موريس و كريلون. وشرب بقية الأمريكيين في مونمارتر وأماكن تحمل أسماء مثل “للعطش” و”ضد الحرارة” و”للهضم” و”للشفاء”. كانوا سعداء لأن الفرنسيون يعتقدون بأنهم مجانين.

بلغت قيمة الزهور التي ذبلت على مذابح كنسية نوتردام دي فيكتوار خلال عام واحد ما يزيد على خمسة آلاف فرنك.

“قد يحدث شيء ما،” قال ديفيد.

لم تعد آلاباما تتمنى حدوث أي شيء ولكن كان دورها لتؤيد ما قيل. لقد طورا تقنية تنظيمية فيما يتعلق بمشاعر بعضهم، وكانت كتركيبة معقدة لخزنة ما تعمل بافتراض مشترك بينهما.

“أعني بأننا سننتعش إن أتى أحدهم ليذكرنا كيف كنا نشعر حقاً تجاه الأمور من قبل.” تابع قائلاً.

“أفهم ما الذي تعنيه. بدأت الحياة تبدو ملتوية كالتواءات عاطفية في رقصة إيقاعية.”

“بالضبط، أريد أن أقوم ببعض الاحتجاجات بما أنني مشغول جداً ولا يمكنني العمل بشكل جيد.”

———————

تصدر الرواية قريباً عن دار المدى.

*****

خاص بأوكسجين