عزيزي الله،
أنا في الرابعة عشرة من عمري، لطالما كنت فتاة صالحة، فهلاّ أرسلت إلي إشارة تفسر ما ألمّ بي!
في الربيع الفائت، بعد قدوم ليشوس، سمعتهما يتشاجران. كان يجرها من ذراعها، وهي تقول: ما زال الوقت مبكراً جداً يا ألفونسو، لست على ما يرام. تركها وشأنها أخيراً. وبعد مرور أسبوع، عاد من جديد ليجرها. قالت له: لا أستطيع الآن، ألا ترى أنني نصف ميتة، بعد إنجاب كل هؤلاء الأطفال.
ذهبتْ لزيارة طبيب شقيقتها في مدينة ماكون. وأوكلت إليّ مهمة الاعتناء بأخوتي. لم يتلّفظ بكلمة لطيفة واحدة معي. كل ما قاله هو أنني سأقوم بما لم تقم به أمي. عمد أولاً إلى وضع شيئه على وركي ثم صار يدوّره، جذب نهديّ بقوة وأولج شيئه في فرجي، وحين آلمني، صرخت، فمضى يخنقني، قائلاً: من الأفضل أن تخرسي وتعتادي على ذلك.
لكنني لن أعتاد عليه أبداً. وها أنا الآن أشعر بالقرف متى حان دوري في الطهي. أمي ترمقني متأففة. سعيدة لأنه يحسنُ معاملتها، إلا أنها مريضة جداً ولن تصمد طويلاً.
عزيزي الله،
أمي ميتة. ماتت وهي تصرخ وتشتم، وبختني. لعنتني. أنا ممتلئة. حركتي متلكئة. أعود من البئر فيمسي الماء فاتراً. أحضر الصينية فيبرد الطعام. أجهّز الأطفال للمدرسة فيأتي موعد العشاء. لم ينبس ببنت شفة. جلس قرب السرير ممسكاً بيدها وهو يبكي، يرجوها أن تبقى وألا ترحل.
سألتني أمي عن الطفلة الأولى: ابنة من هي؟ قلت إنها ابنة الله. ما كنت عرفت رجلاً آخر أو ما الذي يتعين عليّ قوله. ألمت بي الدهشة حين بدأ الألم يعتصرني وتحركت أحشائي لألفظ بعدئذٍ من فرجي تلك الطفلة الصغيرة وهي تمص إصبعها.
لم يزرنا أحد.
استفحل مرضها أكثر فأكثر.
أخيراً سألتني: أين هي؟
قلت: أخذها الله.
أخذها. أخذها أثناء نومي. قتلها هناك في الغابة. وكان يود قتل هذا أيضاً لو استطاع.
عزيزي الله،
ما عاد يطيقني. قال إنني شريرة ولا أصلح لشيء. أخذ طفلي الثاني، كان صبياً هذه المرة، لا أعتقد أنه قتله. أحسب أنه باعه لرجل وزوجته في مزرعة مونتيسيلو. صدري طافح بالحليب ويفيض عليّ.
يقول لي: تعوزك الحشمة. ارتدي شيئاً ما.
وما الذي يمكنني ارتداؤه؟ لا شيء عندي.
ما تخليت عن أملي بأن يحظى بزوجة. رأيته ينظر إلى أختي الصغيرة. خافتْ، إلا أنني أخبرتُها بأنني سأتولى الأمر. ليكن الله بعوني.
عزيزي الله،
عاد إلى البيت وبصحبته فتاة من مدينة غراي. كانت بعمري إلا أنهما تزوجا. كان يمتطيها طيلة الوقت. تمشي مسرنمة غير مدركة ما أصابها. أغلب الظن أنها تحبه. لكن أولاده كُثر وطلباتهم لا تنتهي.
حظيت أختي الصغيرة بحبيب فيه شبه كبير من أبي. زوجته متوفاة، قتلها عشيقها بعد عودتها من الكنيسة. لديه ثلاثة أطفال فقط. رأى نيتي في الكنيسة وبات السيد — يأتي مساء كل أحد إلى هنا. نصحتُ نيتي أن تهتم بدراستها، فهذا أفضل من الاعتناء بأطفال ليسوا من رحمها. خذي العبرة مما حلّ بأمّنا.
عزيزي الله،
ضربني اليوم لأنني حسب زعمه غمزت أحد الشبان في الكنيسة. ربما دخل شيء ما في عيني لكنني لم أغمز. حتى أنني لا أنظر إلى الرجال. إنها الحقيقة. أنظر إلى النساء لأنني لا أخافهن. قد يساوركَ الظن بأنني غاضبة من أمي لأنها لعنتني. لكنني لست كذلك. أشفق على أمي. وأحاول إقناع نفسي بأن قصته قتلتها.
أحياناً يحدّق طويلاً بنيتي، لكنني أقف في وجهه دائماً. والآن أسألها أن تتزوج السيد —، لا أفصح عن السبب.
أقول لها تزوجيه يا نيتي، حاولي التنعم بسنة حلوة في حياتك. أعرف، ستحملين بعدئذٍ.
أما أنا، فلن يكبر بطني مجدداً أبداً. تقول فتاة في الكنيسة إن بطني ستكبر إن أصبحت أنزف شهرياً، وأنا ما عدت أنزف.
عزيزي الله،
ها قد جاء السيد — أخيراً طالباً الزواج من نيتي. لكنه لن يدعها ترحل. قال إنها لا تزال صغيرة جداً، وعديمة الخبرة.
قال إن السيد — لديه الكثير من الأولاد، ثم ماذا عن فضيحة مقتل زوجته على يد أحدهم؟ وماذا عن كل الشائعات التي سمعها حول شوغ إفري؟ ماذا عن هذا الأمر؟
سألت والدتنا الجديدة عن شوغ إفري. ما هذا الشيء؟ سألتها. لم تكن تعرف شيئاً عنها، لكنها وعدتني بأن تتحرّى عن الأمر.
لم تكتفِ بالسؤال، بل حصلت على صورة أيضاً. كانت تلك أول صورة أراها في حياتي لشخص حقيقي. قالت كان السيد — يُخرج شيئاً ما من محفظته ليريه لأبي وسقطت الصورة وانزلقت تحت الطاولة. كانت شوغ إفري امرأة. أجمل امرأة رأيتها على الإطلاق، كانت أجمل من أمي. أجمل مني بعشرات آلاف المرات. ترتدي الفرو وتضع أحمر الخدود على وجنتيها. شعرها ملموم على هيئة ذيل. تضع قدمها في سيارة أحدهم متبسمة، إلا أن نظرتها لا تخلو من رزانة، وثمّة مسحة حزن في عينيها.
سألتها أن تعطيني الصورة، ومكثتُ الليل بطوله أحدق فيها، وبتُّ عندما أحلم، أحلم بشوغ إفري، ترتدي فستاناً فاتناً، تتمايل وتضحك.
عزيزي الله،
طلبتُ منه أن يأخذني عوضاً عن نيتي حين كانت أمنا الجديدة مريضة، لكنه نهرني وقال لي: ما هذا الذي تتفوهين به.
قلت له: أستطيع أن أتجمّل من أجله. دخلت إلى غرفتي وخرجت مصففة شعري كذيل الحصان، ووضعت الريش وارتديت حذاء أمنا الجديدة بكعبه العالي. ضربني لأنني أرتدي ملابس فاحشة، لكنه فعلها معي على أي حال.
جاء السيد — في تلك الليلة، كنت في السرير أبكي، أخيراً أدركتْ نيتي بوضوح ما الذي يجري. وكانت أمنا الجديدة تبكي أيضاً في غرفتها. أول من علم بالأمر كانت نيتي، ومن ثم أمنا الجديدة. أصيبتْ بالهلع، خرجتْ من البيت وتقيأت، لكن بعيداً عن الرجلين.
قال السيد —: حسناً يا سيدي، أتمنى أن تكون قد غيّرت رأيك.
أجاب: كلا، لا يمكنني قول ذلك.
قال السيد —: حسناً، كما تعرف، يحتاج صغاري المساكين إلى أم.
أجاب: حسناً، لنكن واضحين، لا يمكنني أن أعطيك نيتي. غضّة العود هي. لا تعرف إلا ما تخبرها عنه. علاوة على أنني أريدها أن تكمل دراستها. أن تصبح معلمة. يمكنني أن أهبك سيلي. فهي الأكبر على أي حال. وينبغي أن تتزوج أولاً. غير أنها لا تستطيع الإنجاب. وأحسب أنك تعرف هذا. لقد أجهضت. مرتين. لكنك لستَ بحاجة إلى امرأة عذراء. ها قد تزوجتُ من عذراء وها هي مريضة على الدوام. بصق على السياج. الأطفال يثيرون أعصابها، كما أنها ليست بطبّاخة جيدة، وقد نالت منها البدانة.
لم ينبس السيد — بكلمة، توقفتُ عن البكاء فقد كنتُ مذهولة للغاية.
وأردف: إنها قبيحة، لكنها معتادة على العمل الشاق، ولها أن تتولى أمور التنظيف. الرب تولها بأن صيّرها متاحة لأن تفعل بها ما يحلو لك، من دون تكبد عناء إطعام أو كسوة أطفال جدد.
حافظ السيد — على صمته. أخرجتُ صورة شوغ إفري. وتمعنتُ في عينيها، فقالتا: نعم، هكذا تمضي الأمور أحياناً.
واسترسل أكثر: والحق يقال، أود التخلص منها. لقد تقدمتْ في العمر ولم يعد لائقاً أن تعيش في هذا البيت. كما أن لها أثراً سيئاً على بناتي الأخريات. ستأخذها وملابسها معها، وبوسعها أن تأخذ تلك البقرة التي تربيها في الحظيرة الخلفية. ولكنك مهما فعلت لن تأخذ نيتي. ليس اليوم. ولا في أي يوم آخر..
أخيراً تكلم السيد—. تنحنح: في الحقيقة لم أر تلك الفتاة من قبل.
حسناً، يمكنك رؤيتها في المرة المقبلة. إنها قبيحة. لا تحسب قط أنها بجمال نيتي. لكنها ستكون زوجة صالحة أكثر من نيتي. كما أنها ليست ذكية، وسأكون منصفاً، ينبغي عليك مراقبتها وإلا ستضيع كل ممتلكاتك. لكنها تعمل كالرجال.
سأل السيد —: كم عمرها؟
أجابه: في العشرين تقريباً. شيء آخر؟ إنها تكذب.
________________________________
تصدر الرواية قريباً عن دار المدى