ملكوت الروائي: لعبة جنسية مقدسة
العدد 180 | 12 تشرين الأول 2015
علي عبدالله سعيد


لم يكن القبر قائماً في رأس هابيل أو قابيل، في رأس آدم أو حواء، أو ابنتهما.. أو شقيقة الأخوين اللذين لم يكونا سوى صورة بشعة عن القاتل والقتيل. القاتل على الرمل، والقتيل لم يدخل الرمل. قد تبدو اللعبة ممتعة مسلية.. أن تقرفص هكذا.. متأملاً شقيقك الذي قتلته قبل قليل. لم تضرب رأسه بالصخر، إنما ضربت الصخر على رأسه. لم تكن تتوقع أن يصل إلى هكذا.. جثة هامدة، والدم يسيل فوّاراً من دماغه. المأساة يسببها الحرث في اللحم.. وليس في الرمل. 

بعيداً عن احتمالات الموت. هابيل كان في طريقه إلى حانوتي العسل بالشكولا، أو الشكولا بالعسل، يخطر بذهنه أن يمزجهما بمخدر شديد التأثير. ربما كي ينام قابيل طويلاً.. ريثما يحرث في لحم أخته التي بلا اسم. إلا أنه يعدل عن الفكرة برمتها، يقفل عائداً قبل أن يصل حانوت الحانوتي الشايلوك علي يوسف الذي في وسط الخراب، حيث لا يستأهل سوى بصقة من بين شفتي ديدي، لا نبيذ لديه، ولا بيرة، ولا حشيش تركي، مع ذلك.. يسرق من علب المحارم الورقية، يسرق من محارم الدورة الشهرية أيضاً، ثم يعيد تلصيقها من جديد بما لا يترك أثراً يدل على جريمته، سوى العدد الضئيل من المحارم المتبقية في العلبة. وكذا.. بالنسبة لعلبة عصير البندورة الذي يشبه بلونه دم قابيل الغبي، الذي لم يكن يدرك ما معنى زنى المحارم، أو لعبة البغاء الثانية، في التاريخ الكوني بعد لعبة أمه مع أبيه. حيث ضبطه هابيل يحرث في لحم أخته وقوفاً.. ربما استلقاء. ربما قابيل ضحك على هابيل فأعطاه بضعة قروش كي يذهب الى حانوت الشايلوك علي يوسف في الخراب ضيعة الراوي. حيث سيكون بإمكانه أن يحرث طويلاً في اللحم، لأن هابيل سيتذوق طعم السكريات وسيأكلها بمفرده في منتصف طريق العودة، ثم سيدّعي بأن الأرنب المرواغ اعترض طريقه وشلّحه السكريات.. لذلك تأخر قليلاً. 

لم يكن البغاء سوى لعبة جنسية مقدسة، لأن من يقوم بها هم أبناء الله الحقيقيين. آدم وأوبته السفاحية، فيما بعد جاء الكهنة الشايلوكيين وفصلوا الأبناء عن الله، كي يصبحوا أبناء عرصات وشلكات، آملين بذلك أن يربحوا كثيراً من تجارة البغاء، الذي بإمكانهم أن يحصروه شرعاً ونفعاً بالمعبد. 

من حق ديدي المستلقية على السرير، التي تقرأ في كتاب السحر الأسود.. حيث تُلعن الأنثى ما أن تلمسه.. كي لا تفتح عينيها على أسرار تخصها، تخص الأنثى عبر العصور والدهور. تخص في باب من الأبواب السوداء ربط كسهـا بشخص معين لا يمكنها من بعده ممارسة أي جنس حتى لو مع حيوان عابر. إنها المعنية بالسحر الأسود أكثر من غيرها، لعل الكهنة صمموا السحر الأسود من أجل الظفر ببظرها وفق أمزجتهم وشهواتهم لا أكثر. 

غير أن ديدي لم تستمتع بالجنس مع أبونا الكاهن، حين اقتادها إلى سريره في تلك الغرفة اللعينة المكتظة بروائح عطور ثقيلة تليق بإناث البغال، وهيهات.. أن تتحمل ذاك الثقل الذي للرائحة، أو في الرائحة. تلك الروائح القذرة أنعظت الكاهن الذي يدب في الكهولة رائحة وحركة بطريقة لامثيل لها، في حين قتلت الرائحة ذاتها انتعاظ ديدي، وأحالت شهوتها المتأججة إلى مجرد رغبة قميئة بممارسة العادة السرية مع إصبع من أصابع الكاهن.

*****

خاص بأوكسجين


روائي من سورية، مواليد اللاذقية 1958. من رواياته: “جسد بطعم الندم”، (2020). “البهيمة المقدسة”، (2020). “براري الخراب”، (2000). فازت روايته “جمالية المتاهة” بجائزة منتدى ابن خلدون، القاهرة (1993)، بينما نالت روايته الأولى “اختبار الحواس” جائزة مجلة الناقد، لندن (1992). صدر له في القصة: “موت كلب سريالي”، جائزة أصدقاء الأدب، دمشق (1996)، و”هكذا مات تقريباً" (1993). صدر له عن محترف أوكسجين للنشر رواية "سكّر الهلوسة" (2023).