مفكرة لاجئ سوري
العدد 166 | 10 شباط 2015
صدام العبدالله


كلما مرت صورتي في الفيس بوك

محاطة باللون اﻷزرق

ظننتها لمهاجر غارق في بحر اليونان.

 

* القامشلي (15-8-2014)

***

كان من الممكن أن أكون غداً في إزمير

مطلاً على شاطئ يوناني يشف عن غرقى …

كان من الممكن،  

و لكن يبدو أن لي نصيبا كبيراً من الموت في هذا البلد الحزين.

 

* القامشلي، 19-8-2014

***

 

كنت أود لو غمست جفني

في تراب بيتنا …

كنت أودّ لو مرغت قلبي

في دم غويران والرقة ومنبج

قلت لرفيق الدرب باللهجة الدارجة:

“لو يعرف هالفرات شقد هو غالي”،

وبكيت في النهر …

آخر قرية سورية مررت بها قرب جرابلس

كان اسمها وردة …

 

ترى كم من الصبر … ؟!  

كي تعتاد على هذا النزوح؟.

شجرات بيتنا اﻵن يتيمات … نقطة.

 

*غازي عينتاب، 21-8-2014

***

 

كنت قد قلت لها:

لا تذهبي إلى البحر …

وها أنا أفعل …

كنت قد قلت لها:

عودي …

وها أنا لا أفعل.

 

*غازي عينتاب، 22-8-2014

 ***

لست وحيداً كما أدعي

أنا ملايين المهجّرين

على هيئة رجل.

 

* إزمير (شاطئ البحر)، 22- 8-2014

 ***

 

يحكى بأن مدينة غرقت

وأن الموج يخفيها وتظهر

مرة في كل عام …

يحكى ويحكى أن سيدة

تحب البحر مثلك حينما جلست

تخاطبه بمثل كلامك المعسول

جن وكاد يخنقها …

ألا لا تذهبي للبحر ثانية

 

* من ذاكرة القامشلي، 2007

***

 

كان من الممكن أن يكون عبور الحدود

باتجاه سورية الحرة …

كان من الممكن أن يكون شاطئ إزمير

شاطئ اللاذقية …

كان من الممكن أن تكوني أنت وأكون أنا …

ولكن الخراب غيرنا …

ونثرنا كحفنة رمل …

 

* إزمير 23-8-2014 

***

 

إلى صاحب الظل الطويل في هولندا

لا أملك ثمن الساعات التي انشغلت فيها من أجل وصول إلى هنا

 وهناك في الغد القريب

لا أملك سوى بقايا هذا القلب

الذي أنهكته الحرب …

يا صاحب الظل الطويل …

أنا طفل في هذه اﻷغنية …

ولم يشكر الله من لم يشكر اﻵخرين.

 

*إزمير، 23-8-2014

***

أعاهد قصائدي أن يكتب لها النور

إن كتبت لي النجاة من البحر.

 

* إزمير (قبل ليلة البلم**)، 24-8-2014

** البلم: قارب مطاطي يركبه اللاجئون السوريون في طريقهم للخلاص، لكنه كثيراً ما كان أداة موتهم.

***

 

خرجت أخيراً من الكهف،

لكنني ما زلت في النفق.

أيها الضوء المنبعث من منارة اليونان 

اقترب أكثر.

يا سقراط كلمني كي أراك.

 

*إزمير (صباح الاثنين)، 25-8-2014

***

 

لا تسأل السوري

لمَ هاجرت؟

اسأله: لمَ تأخرت؟.

 

* إزمير، 25-8-2014

***

 

أنا ذاهب إلى اليونان

ليس هرباً من الشبيحة

إنما ﻷقرأ كتاب أرسطو

“فن الشعر”.

 

* في الطريق …، 26-8-2014

***

 

آت باتجاهك يا سيزيف

ﻷحمل عنك صخرتك

وتستريح قليلا …

 

* في الطريق …،  26-8-2014

*** 

 

كنت واقفاً قرب السور الحديدي في سجن ليروس

امرأةٌ يونانية ابتسمَتْ لي وأومأت من بعيد

لوحْتُ لها وابتسمْتُ .. أنا السجينُ ..

سجينُ ابتسامتها وغربتي ..

اليونانيات طيبات وودودات كالفلاحات السوريات ..

والكبيرات منهن يخفن علينا .. كما تخاف

الأم السورية على أبنائها ..

 

*غاليا، 28-8-2014.

 ***

 

في أثينا الآن

بصحبة هوميروس

نكتب الأساطير …

 

*أثينا، 29-8-2014.

***

 

في “أمونيو” مرت حمامة قربي

ومرت خلفها امرأة يونانية

التفتت إلي وابتسمت …

قلت لها بعربية واضحة:

أنت حمامة كبيرة.

 

*أمونيو، 30-8-2014.

***

 

بعد ثلاثة أيام في الغابة

تعايشنا فيها مع الطبيعة

وعبور في آخر الليل نحو مقدونيا

 نحن الآن في سكوبيا …

مشتااااق.

 

*سكوبيا، 3-9-2014

***

 

أرى الاسكندر المقدوني

أثراً بعد عين:

قم يا صاح،

… 

نحن -السوريون- هنا. 

 

*سكوبيا، 3-9-2014

***

 

صعب جداً

أن تقع في الكمين

و الأصعب أن يودي بك إلى سجن ليوم واحد

ثم إلى المكان الذي تريد

هنا سكوبيا بين الغيوم تماما.

 

*سكوبيا، 3-9-2014

***

 

على طريق سفر

ومجهول كبير

أعتذر؛ لأني لم أستطع

الموت في سورية

ربما…

ربما لاحقاً.

 

* قبل الخروج إلى صربيا، 3-9-2014.

***

 

وقال مغترب لطفل:

سوف أورثك الرحيل

إلى بلاد تقتل الشعراء.

 

28-9-2014

***

 

هذا الذي أكتبه في اليوميات

جزء من الغيمة التي على الجبل

تكاثفت كثيراً في “فيغشايت”

و أشعر اﻵن بالتقطر.

 

*فيغشايت 1-10-2014

***

 

القذيفة عمياء

وحدها البيوت ترى.

 

9-10-2014

***

 

رسائل الغائبين

هي الشيء الوحيد المجدي 

في زحمة هذا الموت الذي يجتاح العالم

بسنابك خيله وزمزمة محاربيه.

 

11-10-2014

***

 

بماذا تفكر؟

بالسكر اللغوي

في الفناجين

يملؤها..

لا تحركيه،

أشربها سادة كالموت.

 

19-10-2014

***

 

سورية نائمة

وحده الموت

يسهر على راحتها …

 

19-10-2014

***

 

صوموا عن الكلام

و أفطروا على مساعدة

الناس .. أهلكم الطيبين

هنالك في سورية

حيث يصول الموت

و يجول فاغراً فاه ..

 

19-10-2014

***

 

ينتابني شعور الحطب

جهزوا نيرانكم

أيها المجوس.

 

22-10-2014

***

 

الجو هنا مشمس

اخرجي من قلبي

وتمشي قليلاً

سأتركه مفتوحاً

على شرايينك

حتى تعودي.

 

25-10-2014

***

 

فكر بعقلية الوردة

فالعطر كالعمر يمضي

المنح هو كل ما سيبقى.

 

5-11-2014

***

 

كيف أقنع المحقق النمساوي

بعد أيام قليلة

أنني سأكون مخلصاً لبلدي الثاني النمسا

أنا الذي لم أستطع أن أكون مخلصاً لبلدي اﻷول سورية

حين هربت وتركت أهلي؟!

 

20-11-2014

 ***

 

يقول لي صديقي: في سورية

كنت تكتب الشعر بشكل أغزر

أقول: هذا صحيح إذ كنت وقتها

أكثر غربة من الآن ….

 

23-11-2014

 ***

 

إذا عدت مستقبلاً إلى بلدي …

أمر بجانب الموت لا يعرفني ..

أقول له: سهرت يوماً على سطح منزلنا وشربنا الشاي معاً

أنسيت ملامح وجهي؟

يقول: نسيتك مذ تأخر الوقت،

وتمتمت في داخلك:

“أليس لديك أهل يسألون عنك؟”

أكرهك اﻵن ..

وأتظاهر بنسيان شكلك المزري يا بشري ..

و لكنني أقنص قلبك،

في النسيان والحب والنساء

….

 

* لنا موعد بعد أيام.

سأراك بكامل لجوئي،

وتراني بكامل الشك.

 

*فيغشايت 23-11-2014

 ***  

 

أنت لا تعرفني جيداً أيها الموت

ولا تعلم حجم النار التي في داخلي

فلا تلعب معي لعبة الثلج مرة ثانية.

 

24-11-2014

 ***

 

صباح دخان مدن سورية ….

في طريقي الآن إلى غراتس أبحث

عن الشعر وبعض اللجوء.

 

*غراتس 25-11-2014

 ***

 

شكرا للنمسا التي آوتني

حين طاردني بلدي …

شكرا مستر مانفرد

فقد منحت اللجوء لشاعر.

 

26-11-2014

***

 

ذاهبون إلى كل مكان،

فمتى نذهب إلى حريتنا؟

 

30-11-2014

___________________________ 

شاعر من سورية

اللوحة للتشكيلي الروسي Igor Moniava

*****

خاص بأوكسجين