متى تأتي الحافلة؟
العدد 249 | 14 تشرين الثاني 2019
توفيق بن حنيش


كنت واقفا على الرصيف أمام الجحيم أنتظر الحافلة التي ستقلّني إلى أدنى الجنان. بلغني البارحة وأنا في مبنى إدارة الجحيم أنّني استوفيت عقوبتي. حاولت أن أدافع عن نفسي فانتقمت منّي أعضائي شرّ انتقام: نطق لساني بما لم أقله في الدّنيا ونسب إليّ كذبا وتزويرا ونميمة لا أتذكّر أنّي اقترفتها. وما إن سكت هو حتى انطلقت يداي ورجلاي وعيناي وأصابعي وأظافري التي قلّمتها والتي ماتت معي وشعري الذي حلقته والذي دفن معي فأنطقها الله فشهدت عليّ بذنوب لو القيت على جبل لرأيته متصدّعا من ثقل الحمل. حاولت ضمّ شفتيّ وإغلاق فمي فتكلّم أنفي ووشى بما شممته من ريح الإناث المتبرجات. وفي النهاية قرر الملك أن يجدع أنفي ويقطع لساني ويحرق شفتيّ ويخصيني ويقطّعني من خلاف وأمر برجمي حتى الموت واقترح شدّ جثتي إلى أربعة جمال أو خيول تذهب بما تبقى من جسدي ممزقا إلى غير هدف.

في الجحيم النّاري عاد إليّ أنفي فشممت رائحة اللحم المشوي. وعاد إليّ سمعي فسمعت حسيس النار وفرقعة العظام. وعادت إلى أجزائي ولكنّها عادت خرساء لا تتكلّم عمياء لا تبصر تعاني في صمت وتصبر.

وفي الجحيم الثلجي


كاتب من تونس.

مساهمات أخرى للكاتب/ة: