مؤنث غير سالم
العدد 187 | 07 شباط 2016
سمر دياب


بسرعة

إبرة وخيط. سريعاً… هناك أشياء غريبة تخرج من رأسي وتمشي باتجاه

الشارع… سيعتقلونها ويعذِّبونها ويدفنونها في مقابر جماعية

آه يا أشيائي الغريبة،

ماذا سأفعل بعدك؟

***

البجع

ماذا تريد مني؟

لماذا تنتظرني في نهاية الشارع وفي نهاية كلّ حمَّى

أخبروني أن زبدي يصلح حبّاً وأعرف أن رغوتك تصلح لذلك أيضاً،

لكن كفّ عن انتظاري أرجوك، عنقك طويلة ولا أستطيع تحمُّل

كل هذا الوقت لتنظر إلى قدميَّ…

***

الثورة

اتركوا كل شيء من أيديكم وصدّقوني… أنا أكثر الرصاصات طيشاً ومع ذلك

لا تخطئ مدافع الموتى عنقي أبداً، وهي ليست محشوّة بقبلات كما قد

يفكر شاعر هنا،

أنتم لا تعرفون الموتى وهم على الجبهة كيف يقاتلون، سمعتهم بأذنيَّ

– أصبتها؟

– نعم أصبتها

– أظنك لم تفعل

– يا أخي أصبتها

– أصبها ثانية

أريد إسقاط الموتى

***

جدّي

يُقال إن جدِّي الأكبر كان يدخل إلى وكر الذئب ويسحبه ليتصارع معه

ويصرعه لذلك سُمِّينا بعائلة ذياب أحدهم سيقول لاحقاً إن إحدى

حفيدات هذا الرجل كانت تدخل إلى جحر النمل لتتضرَّع للملكة أن تدعها

تختار أسماء اليرقات الجديدة، كحلة ومايا وسلمى، ثلاث نملات يُشبهنني

سيُمشِّطن شعورهنَّ الطويلة أمام ذكور الغابة ويكتبن الشعر ويتآمرن مع

ممالك النحل ليحرِّرن حبَّة القمح مقابل أن يرقصن للجنود. سيقولون

أيضاً إن النمل كان يضربها ويطردها خارجاً كل مرّة… جدِّي تعال اسحبهم

من جحرهم واصرعهم أمامي ثم سنتكلَّم لاحقاً عن كوني شوَّهتُ سمعة

العائلة…

نعم شاعرة… ما الذي يُضحكك في هذا؟

***

الأجنحة

أجنحة دون كائن رفرفت وحدها ولم تحط على شيء

بقيت ترفرف حتى ماتت، ولم تحط على شيء

حتى عندما محوت كل هذا

لم تفكر بأن تحط عليّ – مثلاً –

رفرفت وحدها وماتت، كما تفعل أيُّ أجنحة استحقت الطيران

***

العاشق

على السرير تزحف انتحاراته الكثيرة

تحمله برفق إلى شرفته وتمدِّده بجوار النبتة

النبتة التي تعضّ أيدي الغرباء

انتحار خلف انتحار، ولم يصبح ميتاً بعد

ولو أغمض عينَيه طوال الوقت

وزقزق في السواد كما يفعل القتلى المأجورون

… فتح قلبه بفأس وتلاشى هناك

***

فوبيا

كلَّما وقفتُ على مرتفع، شعرتُ بأن عليَّ أن أقفز، سأطير قليلاً وأتحدَّث مع

غيمة مستعجلة تأخّرت عن طفلها المولود حديثاً، أرى ثدييها ينزان حليباً

وهي تهرول مسرعة إلى بيتها، ثم أهبط رويداً رويداً وأحرص على أن تلامس

أصابع قدمي الأرض بكل خفّة كي لا تنكسر، وأمشي إلى بيتي أطرق الباب

فتفتح لي جثتي المحطمة زاعقة في وجهي:

أن أضع كحلاً قبل أن يأخذوني ويبدو الأمر مستحيلاً بأصابعي الجديدة

المعكوفة إلى الخلف من جراء فعلتك، ما به السمّ؟ كان رائعاً لكليوباترا،

أتظنين نفسكِ أهمّ من كليوباترا؟>…

لذلك أرجوكَ، لا تُغرِني ثانيةً بقبلة على الشرفة، لكَ أن ترى

كم سيكون الثمن باهظاً

***

الموت

في يوم ضجر، ذهب الموت إلى الحديقة… لعبَ بالأراجيح مع الأطفال

وتمدَّد على العشب الطري يرسم للغيوم فماً وعيوناً ونهدَين

غسل وجهه بالماء الخارج من فم التمثال… لحق بالفراشات وتصوّر ضاحكاً

بين الورود…

كم كان سعيداً يومها ذاك الموت

كم كان سعيداً ونذلاً يومها ذاك الموت

***

الثيران

لا أيها السادة

أعينكم أجمل من عينَيه

وذيلكم أطول وأحلك من شعر حبيبته

ودمكم أحمر أيضاً

وكلّ هذا الهتاف ليس للقاتل

بل للفراشات التي تطير من خواركم

حين تسقطون في الحلبة مضرّجين باستفهامٍ قانٍ

إنّ قلبي يُحتضَر من أجلكم

أيها السادة

إنّ قلبي يُحتضَر…

***

البكاءُ

كانَ الأمطارَ التي تسقط بسرعة دمعة في قطار كهربائي، محاولةً ألا

تنفجر في خراج المرآة التي تركتها صاحبتها لتلحق بساقها البضَّة.

حين نفضتِ العينُ جناحَيها، كان البلل قد وصل إلى مسمع العروق، وإلى

لحية الرصاص المذعور من ظلِّه، وتوقف هناك.

بدا الأمر وكأنه بكاء

وحين اقتربت أكثر وجدتُ نبتةً تتأوَّه في البؤبؤ الذي يضيق تحت الشمس

وحين اقتربت أكثر

كانت العين كلها قد صارت حرشاً…

***

الظنّ

الشعراء يظنُّونني شاعرة أيضاً… الجميلات يظنَّني جميلة أيضاً… السكارى

يظنُّونني سكيرة أيضاً… المنتحرون يظنُّونني منتحرة أيضاً… المعتقلون

يظنُّونني معتقلة أيضاً، والمارون يظنُّونني أمرّ أيضاً…

كافكا وفريدريكو غارثيكا لوركا لا يظنَّان شيئاً أبداً… شيء مضحك

***

ة

مؤنث غير سالم

_______________________________

القصائد من مجموعة “متحف الأشياء و الكائنات” الصادرة عن دار الغاوون.

الصورة من فيلم “مكبث” 2015 ، إخراج جاستن كارزل.

*****

 

خاص بأوكسجين