لا أريدُ ان أكون شجرة
العدد 190 | 08 أيار 2016
سحر أبوليل


ما لونُ العناقِ يا أمي؟

أحمر؟

أصفر؟

أخضر؟

مثل ألوان الشارة الضوئية

أم مثل الحب شفافٌ ويضحك؟

ما شكلُ العناقِ يا أمي؟

أهو كائنٌ حي..

يشربُ الماءَ حينَ يعطش؟

يقضمُ تفاحةً حينَ يجوع؟

وينامُ في سريرهِ مغمضَ العينين

أم أنه بلا ضلوعٍ

مثلُ نافذةٍ على البحر؟

ما رائحةُ العناقِ يا أمي؟

أهو منعشٌ كضحكةِ فتاةٍ

وسط مقهى كله رجال؟

أم منفرٌ مثلُ خوفٍ يمشي أعرج

على سكة حديد؟

***

لقد قابلتُ البارحة شراباً احمرَ غليظ البنية كان يقهقه بصوتٍ عالٍ وينادي عليّ بأعلى صوته:

تعالي.. تعالي

أنا دافئ وستموتين فيّ

لقد صدّقتُهُ يا امي، فشفتاه كانتا جميلتين جداً،

لكنني استيقظتُ في الصباح وكأسي فارغة

كنتُ أعرفُ انه خائنٌ مثل كل “الخفيفين”..

يا لي من سخيفة

كيف لم الحظ الخزانة البيضاءَ ذات الملمس الناعم،

لقد كادت ان تمشي على رجلٍ واحدة وهي تناديني من بعيد..

أفروديت..تعالي..تعالي

أما انا فقد كنتُ انظر اليها،أغمزُها وأقولُ:

“بعيدة عن شواربك”

أريدُ عناقاً بحجمِ السّماء وأنت ذات قامة قصيرة لا تطالُ أوجاعي..

أتعلمين يا أمي أن تغريداً سميناً وقف هذا الصباح فوق حبل غسيلي؟

كان يدّعي أنه عناق وأني لن افلتَ من قبضته “والسما زرقا”..

لم أخف،

لكنني صرتُ اخلعُ الروب الأزرقَ وأجلسُ بجانبِ الشرفة..

رشفةٌ لي ورشفةٌ له

قبلةٌ لي وقبلةٌ له

هكذا يبدأ الصباحُ وردي الوجنتين..

هكذا ظننت ..

“بعض الظن ليس إثماً”

بعض الظنّ وهم !

***

 

ما.. ما طعمُ العناقِ يا أمي؟

أهو حلو مثل قبلة؟

أم غني النكهات مثل الموسيقا؟

***

إنه من المضحكِ حقاً انني توقفتُ عن مشاهدة “جودي ابوت” مثلما كنتِ تريدينِ دوماً، ولكنني ما زلتُ اكتبُ الرسائلَ التي لا تصل لأحد وصاحب الظل الطويل بعيدٌ عني وأخالُهُ قريباً من مريمَ العذراءَ أكثر وأخالُ كنيسةَ البشارة تعرفهُ جيداً ولا تعرفني..

مريم التي تنقذني دوماً في اللحظة الأخيرة والتي منعت الساحرة الشريرة من دس السّم في كأس العصير والتفاحة..

مريم التي تزورني كلّ يوم قبل الفجر وتغني..وتغني

يا امي..

هيا اخبريني..

كيف تحملُ الشجرة ايادٍ عديدة ولا تعانقُ إلا السماء

يا أمي انا احب السماء

ولكني لا اريدُ ان اكونَ شجرة.

أنا احب الروج الوردي وطلاءَ الأظافر الأحمر والعطرَ عند طرفَ الرسغين.

هذان الرسغان لم يخلقا للصلاة،

وهاتان اليدان اجملُ من ان تتحولا لخشبتين تقفُ عليهما العصافير

أصلاً انا لا اصلحُ لمهمةِ “فزاعةٍ في الحقل”

كل العصافير ستنقرني قُبلاً،

ثم بالله عليكِ يا امي..

هل رأيتِ فزّاعةً جميلةً وتبكي؟

يا امي..

ما شكلُ العناق يا امي؟

أحقاً كما يقولون إن ريشَهُ ابيض وعنقه طويلة وأنه ناعمٌ أكثر من قصيدة؟

لقد علمتني الغناءَ والاحتفاظَ بالسكاكر للذين أحبهم،

علمتني ترك شَعري للريح وقلتِ: إن الريحَ تحبّ الأراجيح الوثيرة ولكنكِ لم تعلميني كيف يكون الله سعيداً بوحدته !

حسناً..

لديّ من العسلِ ثلثان

ثلثٌ لمريمَ

وثلثٌ لكِ

ارجوكما يا امي

خبأنهُ لي

فذات ليلة..

ستتوقفُ اصابعي عن اللعب

وسأعودُ إلى إحداكما

بثوبٍ ابيض ابيض

وطعنات كثيرة..

***

ما طعم “العناق” يا امي؟

حسناً لا تخبريني

سأغمضُ عينيّ

وأروي لي “حكايةَ قبل النوم”

وسأنسى..

سأنسى..

*****

خاص بأوكسجين


كاتبة من فلسطين