يجب التوضيح أولاً أن مرور القمر في داخلك كل 28 يوماً – وللمتمتّعات بخصوبة عالية كل 21 يوماً- هو نبع سُخرية، وهو منشأ تماسك المرأة أمام المحن الكبرى.
لتوضيح ذلك: تذكّريكِ طفلة. لم تستوعبي الأمر حين شرحته لك أمك نظرياً. أمك الواعية التي قرأت الكثير وتدرجت في الحديث إلى أن أثارت فضولكِ. تذكري سؤالك لها: كيف يعني؟ هل س”نشخّ” دماً على أنفسنا طوال .. طوال كم؟ أسبوع!! لا يمكن! (**زووووم.. كْلِيك) لن يمحو الزمن صدمتكِ أبداً. أسبوع من الشخّ المتواصل لا للبول الأصفر الهزيل، بل لسائل خطير، جادّ، ذكوري! الدم!
ما بعد الصدمة الأولى: انتظارك الوجِل، ثم انتظارك المترقّب، ثم قلقك لطول ما انتظرت إصابتك بالأحمر القاني. وبالطبع إن كانت “حبّتك قليّلة” كما كانت جدتّك تقول وهذا يعني أنك صغيرة هزيلة، فلا بد أنك شعرت بالنقص حين سمعت زميلاتك يُعلّن بلوغهن واحدة تلو الأخرى وأنت عالقة كحبة أسكدنيا عَجَر في أعلى الشجرة!
ثم يأتي الدم، أحمر، دون مصائب، دون حروب وقتل. يأتي زائراً دورياً أقصى ما يستطيعه لإعلامك بقدومه هو نثر الحبيبات على جبينك وإصابتك بالمغص! عرضان طفيفان قد يسببهما كذلك لوح لطيف من الشوكولا ولفحة هواء بارد، حتى أقصى تجلّيات الأحمر تُجبر على التواضع حين تتساوى في أعراضها مع مسبّبات لطيفة كالشوكولا ونسيم بارد.
كيف لا تكبر المرأة ساخرة إذن؟ إنها في اللحظة التي يخطب فيها رئيس الجامعة المنتفخ الأوداج مع زملائها بكل ما أوتي من حماس وفوقية، تقوم ب”الشخّ” فعلياً وليس لفظيا .. وبالألوان! يا لسخرية الجدّ حينئذ!. تكون واقفة تتحدث في شؤون جادة بينما تقف أمام ملك، في مراسيم ورسميّات، تخطب على منبر، تقود اجتماعاً، وبينما تتحدث تندفع دفقة حارّة بين فخذيها، تمتصّها الفوطة غالية السعر، الرأسمالية المتوحّشة تتحدّث بين فخذيك أيضاً.. تظنين أنهما بمأمن؟ تظنين الفوط المحلية الصناعة تكترث براحتك أو بشعورك بالغرق أو باضطرارك للحياة كامرأة عملية؟ العولمة فقط- تذكّري هذا وأنت تشتمين العولمة بكل ما أوتيت من قوة ورباط لسان!- هي من أتاح للشركات العالمية أن تضخّ منتجاتها باتجاهك وتشفط أموالكِ وأنت وغيرك من أفراد الشعوب المتخلّفة تجاهها. تريدون أن تحيوا كبشر؟ اخرسوا إذن!
إذن.. كنتِ تقفين أمام ملك ولو أحمق! لكنّه ملك.. وفوطتك تشفط الدم الفائض عن إمكانيات صنع طفل فوراً بفضل المسارب الداخلية للفوطة، وتحفظ حواف لباسك الداخليّ من البلل بفضل الأجنحة. الأجنحة والوديان ما يحفظ لكِ راحتك. تقفين فتنطلق دفقة حارة لا توقفك عن المضي في جملتك، ولا عن قصّ الشريط ولا عن ضغط زرّ يقتل آلاف البشر. أترين منشأ اللهو عند المرأة؟ أنه مهما كان خارجها جاداً، فداخلها ما هو أكثر جدية.
إذن.. إليك ما ينبغي فعله في هذه الأيام المباركة التي يحلّ القمر فيها ضيفاً في جسدك:
1- لا تتواضعي: تذكّري أن دمك الحارّ هو دليل ماديّ-أنتِ أيتها الماديةّ التي لا تؤمن بالخزعبلات!- على ارتباطك بالأرض وبالقمر، أنتِ جزء من هذه المجرّة والدليل بين فخذيكِ. أنتِ مثل القمر والشمس، تخضعين لدورة الطبيعة. أنتِ تكتملين كل شهر، تصبحين جزءاً مادياً من الكون. تذكري أن غيرك من الكائنات لا تملك هذا الارتباط! الرجال مثلاً!
2- تسامحي معكِ: رغم كل مآخذكِ عليكِ والتي قد يكون لها أساس من الصحة، ففي هذه الأيام ننصحكِ بالتسامح مع نفسك. هذا وقت مناسب للتسامح. سامحي نفسك بالتراخي عن إنجازاتك العظيمة، سامحي نفسكِ بالتمرّد على دورك اليومي كبرغي في آلة الكون، سامحي نفسكِ بالكراهية ولا تنسي أن تبكي دون شحنات عالية من الدراما للتخفيف من حدّة توتّرك.
3- دلّلي نفسكِ بالنوم وتطنيش الدوام، لاحظتِ كيف يتخربش المدير وتصمت المديرة حين تقولين لهما دون مهادنة أنكِ لن تحضري إلى العمل اليوم لأن القمر حلّ ضيفاً في جسدك؟ لا تعرفين حتى الآن كمّ المبالغة أو التواطؤ النسويّ في تقدير آلام الدورة، تعرفين أنك لم تتألمي كما تتألم رفيقاتك، تعرفين أنك لا تصرخين وتتلوين وجعاً.. وتفكّرين أنك ربما يجب أن تفعلي ذلك!
4- دلّلي نفسكِ بألواح الشوكولا والحلويات وكل ما تتجنبيّنه مرغمة خلال الشهر، وبالمشاريب الساخنة الغنية بالكالوريات التي ستنشلك من قاع الكآبة، ليمكنكِ الإطاحة بها قبل أن تطيح هي بكِ.
5- ارصدي وحلّلي تأثر جسدكِ بالعمر: خبرتِ كيف تتمادى الهرمونات في جسدك مع العمر؟ في عشرينياتك لم تأبهي قط للدورة. في ثلاثينياتك صرتِ تشعرين أنكِ امرأة بفضلها. في أربعينياتك صرتِ تنتظرينها بلهفة لأنها المتغير المثير الوحيد في حياتك الرتيبة! واصلي رصد التغيرات! بالتوفيق!
6- لا تكوني منطقية: خصوصاً إن كنتِ عاشقة. هل قلتُ من قبل في هذا الدليل أن مقتل العاشقة منطقيّتها؟ إذن ارمِ إلى الجحيم بشعور حبيبك وانشغالاته وتبريراته وتوّقعي منه الكثير واغضبي وعبّري عن غضبك.
7- بإمكانكِ إن كنتِ أماً أن تجعلي حياة امرأة في المستقبل أفضل بقليل: اجعلي أولادك رجالاَ أفضل من الرجال الذين اضطررتِ للتعامل معهم أنتِ. اجعليهم يفهمون كيف أنك مصنع للكائنات وحاضنة للملائكة، اشرحي لهم وأثيري فضولهم.
8- اشربي كثيراً من المشروبات الساخنة بالأعشاب ولا تصدّقي قوانين النساء بخصوص الأعشاب الجيّدة لهذه الفترة والأعشاب السيئة. لم تقتنعي يوماَ أن هناك قانون واحد ينطبق على كلّ البشر.. خصوصاً إن تعلّق الأمر بالذائقة! يُنصح بالتنويع وتجريب اقتراحات الحضارات الأخرى.
9- تمهّلي: وقت الدورة الشهرية هو وقت رائع للتمهل، تذكري البطء لميلان كونديرا، تذكري تمهّل جدتك الذي كان يجعلها المرأة المثالية بنظرك.
10- اتفقنا الآن بعد كل ما سبق لكِ قراءته في هذا الدليل على موضوع الشكل والمضمون، فبعد أن كنتِ تؤمنين بالمضمون وتلعنين الشكل كمضّلِل.. ثم وبعد أن تلقيت الصفعات المناسبة من الحياة لسذاجتك تلك، آمنتِ بأهمية الشكل مترافقاً مع المضمون، ثم وبعد أن وصلتِ لمرحلة السوريالية صرتِ تؤمنين أن المضمون هو خراء قابل للإنتاج إن أتقنتِ تمثيل الشكل! هللويا! والآن أنت تظنين –جازمة- أن بإمكانكِ أن تكوني امرأة حقيقية إن أتقنتِ تمثيل شكل المرأة التي تتلوّى ألماً وهي تُنتج بيضة كل شهر، بيضتان.. تنزلقان في فالوب الُمبارك وتنتظران آلاف الحيوانات المنوية الخرقاء التي تتدافع هنا وهناك بهبل.. وتنتظران.. وتنتظران.. والحيوانات الخرقاء تُضيع الطريق. تكشّ البويضات الطازجة، يتجعدّ غلافها الزهري الناعم الوثير كإشارة تحذير أوليّة، ثم تدرك البويضة أن لا حياة لمن تنادي فتتجّعد فعلاً .. وحقاً، تضمر البويضات كامرأة تقصر مع مرور العمر، ثم تموت! يموت شيء داخلكِ كل شهر (**زووووم.. كْلِيك)! هل فكّرت في هذا؟ يموت شيء هامّ .. بويضة كان بإمكانها أن تكون بني آدم، ليست خلية جلدٍ تافهة.. إن ماتت وإن عاشت سواء.
11- بعد هذه الاكتشافات العُظمى، بعد أن عرفتِ أنكِ أكبر من الحياة ومن الموت، يمكنك التلّطف والتعامل مع مفردات الحياة اليومية.. ارتدِ بيجامتك ولا تكترثي بالعالم واستخدمي القِربة (وعاء الماء الساخن) وضعيها على بطنك. استلقِ مثل نجمة في السماء وفكّري بمارغريت تاتشر وهيلاري كلينتون.. فكّري أنهما لا تملكان ترف هذا الاسترخاء!
12- كلما هبّت دفقة من الدم بين فخذيكِ، أغمضي عينيكِ وأحسيّها تماما، اعرفي أنك تستمتعين بما سيغيب يوماً.. وتلذذي أن الأجنحة تحفظك من الحرج.؟
________________________
روائية من الأدرن، والمنشور هنا فصل من كتاب صدر لها مؤخراً عن دار أزمنة بعمان بعنوان “دليل الاستخدام”، ويمكنك الاطلاع على قراءة في هذا الكتاب في زاوية “كتاب”.
الصورة من أعمال معرض للتشكيلي السوري ثائر هلال أقامه عام 2012 تحت عنوان In Army We Trust.
*****
خاص بأوكسجين