كاستينغ لفيلم طويل
العدد 278 | 16 تموز 2023
توفيق مقطوف


 

الحياة تسيء إلى سمعتي.

إنها أشبه بلجنة فرز في كاستينغ لفيلم طويل.

أقدم لها نفسي، أقول لها:

توفيق مقطوف – 29 سنة.

 لعبت دور البطولة في فيلمين:

الأول حين ولدت في ليلة كلها ليل.

والثاني عندما قبض علي خفر السواحل و أنا أحاول تصحيح خطأ الطبيعة في الجانب الآخر من البحر؟

وشاركت بدور الأبله في مسرحية “الثورة التونسية”.

ثم إنني اتمتع بقدرات يمكن استثمارها في مواقع التصوير

أستطيع القيام بحركات خطرة

كأن أقاتل عصابة في زقاق بسكين خبز

أو أبتلع بكاء الأيتام والمشردين

وأركض به إلى سيرك الضحك.

جربيني!

 لقد قمت بما هو أصعب

لقد حملت رفاقا على كتفي في مسيرات احتجاج

وركضت بهم بعيداً عن عصي البوليس

لقد ابتلعت القنابل المسيلة للدموع

ولم أنطق بكلمة واحدة في مكاتب التحقيق

ولم أجهش بدمعة واحدة.

أستطيع القيام بكل ذلك

أستطيع لعب دور البطل المخذول

الذي خانه الرفاق والحزب

دون حاجة إلى مؤثرات سينمائية

لطالما خذلني كل الذين حملتهم على كتفي

لطالما باعني الحزب.

 

أيتها الحياة لا تتركيني أموت ميتة عادية

مثلما يموت كل أبطالك الثانويين

دهسا أو طعنا أو غرقا

أو بجرعة زائدة من الهيرويين.

لست كومبارسا !

أنا سليل ذئب يمقت الملوك والرؤساء

لا تتركيني ألقى حتفي في سيناريو رديء

لا تهينيني أمام أبطالك المزعومين!

لا تسيئي الى سمعتي في لقطة مذلة

لا تكذبي علي!

الأخيار لا يفوزون في النهاية مثلما يعتقد كتابك المبتدئين

الحب؟!

 إنه وغد وابن كلب

الحب لا ينتصر إلا في الأحلام والأفلام

الناس هنا لا يحلمون بالحب

ولا يعرفون السينما

هم بالكاد ينهضون من أسرتهم الحقيرة

في أول الفجر

ليعودوا وقد شاهدوا آخر حلقة من فيلم مصاصي الدماء

في المزارع، في المصانع، وفي حظائر البناء!

 

الناس هنا لا يمثلون لقطات خطرة

الناس هنا، من أول الفجر الى آخر الليل، يطوفون حول سكين مثل بطيخ ناضج.

أيتها الحياة…

لا تتركيني أهزم في نزال سهل مع بطل لم يخض بحياته نزالا مع الفقدان والمرض ونقاط التفتيش والجوع الفصيح.

لا تتركيني أتلقى الصفعات من بطل لم تلمس عظام وجهه يوما لكمات البرد الصارم.

 

الحياة تسيء إلى سمعتي.

إنها أشبه بلجنة فرز في كاستينغ لفيلم طويل.

أقول لها، كاشفا عن صدري وذراعي، ماضي ومستقبلي

انظري يا سيدتي الحياة

أنا مطعون من الخلف، من الأمام، من الرفاق، من الحزب، من الخيمة، من الدولة..

أقول لها: لا تتركيني أموت ميتة عادية … مثلما يموت مجند أعزل في كمين الوطنية المفخخة.

*****

خاص بأوكسجين


شاعر من تونس.

مساهمات أخرى للكاتب/ة: