قصَائدُ مَا يُرَى
العدد 251 | 15 شباط 2020
سلطان محمد


 

 

أُحدُوثَةٌ

 

       حَجَرٌ قَرَّرَ، اليومَ، الخُروجَ من نفسهِ حجرًا بإرادَةِ الريحِ .. ومَضى • طافَ سبعًا بالأراضي، بالسَّمَواتِ • شَذَّرَ نفسَهُ شتّى لَحتّى أيقنَ الأنحاءَ جميعَةً في غَمضةٍ • جالسَ الحيتانِ ورنَّمْ الألحَانَ في قيعَانِ الحُلم معَهم • قطعَ الأشواطَ جَوًّا وأوصلَها ببعضٍ • علَّمَ البحرَ الميِّتَ، من عطفهِ، تطوريّةَ الأسمَاكِ • ولما وصلَ نهاياتِ التخومِ مَرميًّا من مِنسَرِ طائرِ الخيبَةِ ودَّ لو ما كانَ ما كانَ • لو يعودُ إلى نفسهِ الأولى حَجَرًا بإرداتي • جالدًا ذاتَهُ بمخالبٍ حَصوَاتٍ حتى تفجَّرَ ، مثلَ آيَةِ القُرآنِ، دَمُهُ، من وجنتيهِ، ماءً يقولُ :

          بَشَرٌ قَرَّرَ، اليومَ، الخروجَ من نفسهِ حَجَرًا بإرادَةِ المَمَاتْ !

 

مَا ؟

 

                     هَلِ البَشَرُ حَجَرٌ ؟ •

                    أقولُ – عفوًا ! – هَلِ البَشَرُ حَجَرٌ مُعجَبٌ بالماءِ؟ • حَجَرٌ يختبرُ الليونَةَ في عَضُدِ الصلابَةِ ؟ • كرَاجٍ خلودًا في جُثَثِ الزوالِ • احتمالاتٌ جمَّةٌ، ومحمولاتٌ من حاملينَ اشتعلوا بالبياضِ وهانينَ، واضِحَاتُ العطَبِ من روائحِ العفَنِ • كم يستمرُّ زُكامُ الأملِ؟ •

             هذا عاشقٌ ماثلٌ للأحمرِ • كلما انحنى اسودَّ • كلما استقامَ اربدَّ وجهُ سمائهِ • لوِ استراحَ لَراحَ، أبدًا • ينقرُ القلبَ بحُلمِ العشيقةِ علَّ ماءً سينفجرُ • دَمٌ ثَرٌّ شاخِبٌ • وليسَ الدمُ ماءً • ليسَ الفرقُ اللونَ : الشَّفَافةَ • هوَ الحيادُ فرقُهُمَا • هل يجني – منَ الجَناءِ – لو دَكَّها؛ لو ودَّعَ تجريبَ الليونَةِ ؟ • أم يجني – من الجَنَاةِ – لو ذلَّلَ القلبَ بِساطًا لخطوتِها ؟ •

             هلِ العَاشقُ حَجَرٌ معجبٌ بهِ الماءُ ؟

          هذي دَولَةٌ • اخطبوطُ التاريخِ طائرٌ فوقَها • ها بَشَرٌ حَصىً • يا إما لتعبيدِ دَربٍ جهةَ الخرابِ • أو لرمي أشباحِ الأعادي ! • خُذ وردَةً شِعارًا لعَلَمٍ وطنيٍّ • تراها، العشيَّ، بلا أجفانِها • تراها، حَسْبُ، صحوَ الشوكِ • هيكلَ حَسناءٍ والدودُ مكانَ بسمتِها • هذهِ مقبرَةٌ لها هيبةُ الحصنِ –

                                          عفوًا – هذهِ دولَةٌ لها بَشَرٌ –

                                          عفوًا – لها حصنٌ :

                              هل الدولَةُ حَجَرٌ يشربُ ماءَ طبريَّةَ كلَّهُ ؟

 

          رُشَّ ماءً على حَجَرٍ • هل رَفَّ ؟

          هَبِ البشريَّ قُبلةً • هل طارَ ؟

                        يا مَاءُ : هل القُبلَةُ حَجَرٌ على بِركَةِ الروحِ مقذوفٌ ؟

                        يا حَجَرُ : هل القُبلَةُ لمعَةُ الماءِ على حَجَرِ القلبِ ؟

                        يا دَولَةُ : هل قَتلُكِ القُبلَةُ الجَمْعِيّةُ على رأسِ الشُّعُوبِ ؟

 

مُقَاوَمَةٌ

 

          سيكونُ ثَـمَّ دَمٌ • أنتَ تدري • ونحنُ • سيكونُ ثَـمَّ دَمٌ، وعَقاربُ طافياتٌ فوقَهُ، وعناكبُ يبتنينَ بيوتَهُنَّ – بُعيدَ دْمِ القَتلى – لتنقُضَهَا الريحُ • سيكونُ ثَـمَّ دَمٌ • وسيُنكِرُ سَفْحَهُ سافِحوهُ • رغمَ أيديهمِ الـمُحمرَّاتِ دَمًا • رغمَ السكاكينِ أدنى مآزرِهم • رغمَ شَهوةِ قايينَ في عيونهمِ ظاهرَةً حتى العَمى • سيُنكرونَ ويُصَدَّقونَ • سيَلقى اللومَ الضحايا : لوَّثوا أرضنا بدماهُمُ، ألا يعرفونَ الموتَ دونَ دَمٍ ! • سيكونُ ثَـمَّ دَمٌ • ستُدَاوَلُ الأخبَارُ، في الإعلامِ، حولَ دَمٍ ما كانَ في الحُسبانِ، حولَ عقاربَ طافياتٍ عليهِ وأخرَى سابحاتٍ فيهِ، حولَ أعجوبَةِ لانهايتهِ : كلما حُوِلَ مسْحُهُ ازدادَ من بُقعَةٍ إلى بُحيرَةٍ كلما غُسِلَ، بمياهِ النُّكرانِ، كَبُرَ إلى نَهَرٍ، كلما اجتمعتْ دولٌ للتحاوُرِ حولَهُ تسرَّبَ في بحارِهِم ! • ويُلقَى، في المنابرِ والمقاهي، على الشاشاتِ، بحُجَّةِ الرأيِ والآخَرِ، اللومَ على الضحايا : لماذا لم يأخذوا دَمَهُم معَهُم إلى حيثُ عدَمِهِم؟ • سيكونُ ثَـمَّ دَمٌ • إنهُ لنا، مِنَّا وخِرَقُ الآخرينَ لن تُجدي • حُكَّ حقدَكَ عاليًا في سَماءٍ لا مُباليةٍ بنا وابْرُدْ هُناكَ إبَرَ العقاربِ، إبرَةً إبرَةً، حتى يكونَ ثَـمَّ دَمٌ طافٍ بعقاربٍ تَسُمُّ سُكونَ الآخرينَ شَرَرًا في رَمادِ جُحودِهم، وعناكبٍ كلما سافَتِ الريحُ بيوتَهَا نَقضًا بنينَ بيوتًا أخرياتٍ • هكذا – في أبديّةِ التَّكرارِ هذي، في عَودٍ يَهوى نفسَهُ فيعودُ عودَ الفَلسطينيِّ لأرضهِ، بحفنَةِ أمَلٍ وجبالِ عزمٍ – ننخُرُ كلَّ وجودِ القاتلينَ ونحنُ موتى!

 

مَشْهدٌ من غويا آخر

 

           كَثُرَ السَّامِجونَ • وطفحَ القلبُ حتى أخرجَ من جَردائهِ الزقومَ ! • كَثُرَ السَّامِجونَ • حتى تمَشَّتْ مَرارَةُ الأحشاءِ، من بُويبِ حديقَةِ الأمعَاءِ حتى مَشارفِ الحُلقومِ • كَثُرَ السَّامِجونَ • طوالَ اليومِ تُعاوِدُ المِشوارَ كي طوالَ الليلِ تُعاوِدَ المِشوارَ • كَثُرَ السَّامِجونَ • تناوكوا الأجسادَ، تناوكوا الأفكارَ، تناوكوا الحُمقَ بسَمِجٍ هزيلٍ وشِقِّ دُمَّلَةٍ • كَثُرَ السَّامِجونَ • حتى لتوشِكَ – هَيّا ! – أن تميدَ الأرضُ •  كَثُرَ السَّامِجونَ • لا، إنما ماجَتْ سَماءٌ بأعلانَا •  كَثُرَ السَّامِجونَ • وقالَ القومُ : إنَّ الأمرَ، عِلْميًا، من تَغايُرِ الأجواءِ في الأنواءِ حيثُ هَبُّ الريحِ منَ الشمالِ [ عَولمَةً ؟ ] إلى الجنوبِ يسفُّ الطيرَ فتربَدُّ السماءُ آنًا، وتبتهجُ ! •  كَثُرَ السَّامِجونَ • قال سواهمُ : الأمرُ أبسَطُ، للسماءِ دِينٌ وللأرضِ دِينٌ ونحن ملاحدَةٌ، فما شأنُنَا ؟ •  كَثُرَ السَّامِجونَ • رَدَّ ذو الدينِ : شأنُنَا، بأبسَطِ ما تريدونَ، هوَ المطرُ •  كَثُرَ السَّامِجونَ • وتساءلَ منطوٍ في الجَمعِ : أينَ روسّو ؟ • كَثُرَ السَّامِجونَ بكلِّ صنفٍ • وقالَ مُحَلِّلٌ على منبرِ الإعلامِ : الأمرُ، يا سادتي، حيثُ الآخرونَ أرادوا بيعَ خصى الآخرينَ لقومٍ يشتكونَ نشوزَ نسائهم، والدنيا تجارةٌ، فما بالُنَا لا يبيعُ كلُّ فَردٍ ذَكرٍ خصيةً من خصيتيه ويُبقي على الأخرى ؟ •  كَثُرَ السَّامِجونَ • واقترحَ على الحكوماتِ التفكيرَ •  كَثُرَ السَّامِجونَ • واعترضَ عليهِ بعضٌ : هذا سيجعَلُ نسوتنا ناشزاتٍ ! •  كَثُرَ السَّامِجونَ • ووافقَ آخرونَ : اثقَلتْ علينا والسروايلُ ضيقَةٌ •  كَثُرَ السَّامِجونَ • وعندما استضافوا امرأةً من نساءِ الآخرينَ، قالت: هذه الأرضُ لنا ولنا حَقُّ النَّيْكِ فيها ! • كَثُرَ السَّامِجونَ • وفي غَمْرِ هذا فتَّشتُ في نفسي مَن قالَ : السَّماءُ مرآةُ الأرضِ تتقَعَّرُ أو تتحدَّبُ حَسْبَ الناظرِ فيها؟ •  كَثُرَ السَّامِجونَ • وصرتُ منهم !

 

 

دَكْــــلَــــكَــــةٌ

 

ليتَهُ ما تَجَرَّعَ

 

       غامِضٌ هوَ المَعنى • عليهِ ضَبَابٌ، دموعٌ، دِماءُ جِراحِ بواطنَ دونَ لونٍ : مُوِّهَ المعنى فمَاهَ الفَهمُ/ تَاهَ كما يتوهُ البُخَارُ إلى سُحُبٍ • غامِضٌ وغيرُ مُتَّسقٍ معَ الأحدَاثِ • كما تقولُ – في الخُرَافَةِ – شمسٌ، عِزَّ الظهيرَةِ : قرَّرتُ المَغيبَ، الآنَ ! • فلا الليلُ آتٍ – رغمَ لُبوثهِ فينا – فهوَ منشغلٌ بالنَّوَاحي الأخرَياتِ • ولا السَّاعَةُ اقترَبت • ولا صرنَ كالعهنِ الجبالُ منفوشًا ! • وليسَ منَ الأشراطِ هذا • أن يُعكَسَ الدورَانُ كانَ في الأشراطِ • ولا بأسَ في هذا • اعكسِي الدورَانِ أو دَعيهِ • إنما المَغيبُ أحمَرُ من فرطِ الحموضَةِ ! • غامضٌ وبلا سياقٍ كما يُولَدُ المَرءُ منا • سنواصلُ/ رغمَ الغموضِ والفوضى • رغمَ، حتى، السُّدَى في الأمرِ • أيُّ حَدَثٍ ليُقَالَ ما قيلَ ؟ • من رأى أُمًّا تضعُ وليدها في اليَمِّ ؟ • حَدَثَ ! • إنما، مَن رأى أُمًّا تَجزُّ نهديها قُبيلَ الولادَةِ ؟ • غامضٌ هو المعنى حتى لكأنهُ قصيدٌ من ثغثغاتْ !

 

أو، في الأقَلِّ، اِستسَاغَ

 

            هذيَانٌ حَريريٌّ يَمَسُّ دَمي – قالَ – في لياليَّ – إذ ضَممتهُ – كم لنا ما التقينا ؟ – قالَ – مُنذ اخشوشنَ الصوتُ – قلتُ – امسَحْ لي خَدي، امسَحْ غُبارَ العُزلةِ عن وجهي – قالَ – ولا تَضُمَّني مرةً أخرَى – مُتنهِدًا – لا تَضْمُمْ حطبًا وإلا هاجَ بنارِ الوصلِ – ومَكَثَ غيرَ بعيدٍ – كنتُ أنكثُ بالوعدِ لو عَلِمَتْ أنَّ فيه انتحاري لكنني أُلزِمتُ وعدًا ثانيًا ألَّا أنتحِرَ – قالَ . قلتُ : بينَ وعدينِ! وكأنما بينَ جمرتيْ أيرِ مغلومٍ – رَدَّ – لو تُحسنُ لي وتقولُ لهنَّ : هبوهُ حجَرًا وزورُهُ لعلَّ ماءَهُ، كآيةِ القُرآنِ، من زيارتِكُنَّ ينفجرُ . قل لهنَّ : مَسكِنُهُ المُنتأى، بمكانهِ لابثٌ أبدًا، غيرَ أنَّ الآخرينَ انتأوا فصارَ مَسكِنُهُ المُنتَأى ! قلتُ : كأنه غامضٌ في ما تقولهُ ليَ المَعنى ؟ قال : كوجهينا؛ كأنكَ موتي وكأني فراقُكَ عَمَّن تودُّ ! ولم أدركِ المعنى لكنني قلتُ : حقًا ! دَمٌ حريريٌّ – قالَ – تُضَخُّهُ لُغتي . ففهمتُ، إذ قال هذا، لمَ ينزلقُ المعنى عن الفهمِ : هوَ الحريرُ!

 

أو، .. يا ليتَهُ يموت

 

        غامضٌ هوَ المعنى • لفرطِ وضوحهِ في العينينِ من عقلي • غامضٌ كما كنتُ في ارفضاضِ النورِ أعلى وأعلى • كنتُ كالأعمى في جنَّةِ الأنوارِ أجسُّ، كما يجسُّ مراهقٌ نهدينِ أولَ أمرهِ، وأمسُّ احترَارَاتٍ فتنسلخُ الأناملُ قبلَ إدراكي • كنتُ في غامضٍ من النورِ أعتَمَ بي لفرطِ ما أنارَ • كأنَّ مجوسيًّا، من شدَّةِ التقوى، تداخلَ والنيرانَ، في صلـٰوَاتهِ • كنتُ أعي أينَ أنا : في جحيمِ تسليمِ أنا لأنتِ وأجحدُ قائلًا : إنني في جنَّةِ الأنوارِ ! • يا رَبِّ، أ أنَا الآيَةُ من إبراهيمَ ١٧ في القُرآنِ ؟ • فمَن يُفَسِّرُني، إذن، ولا قداسَةَ في الذي أنا فيهِ ؟!

 

*****

خاص بأوكسجين

 

 

 

 

 

 

 


شاعر من السعودية.