في كلّ مكان من المنفى
العدد 247 | 06 أيلول 2019
ناتالي حنظل


في عكا

In Acca

 

 

وصلتُ ميناءك القديم

دونَ قصائد أو أفكار

دون سجلّ-

لكنني أسجّلُ

سبعاً وستين سنة من فصول خريفٍ مهشَّمة

وكلّ صيفٍ توغلين

أكثرَ خارج الزمن،

أُسجّلُ

أننا بنينا هذه الأوابد

هذه البيوت الحجرية

والحدائقَ لكل بيت،

أسجّل،

أنهم يريدون هدم منزل

أم أحمد

لكن أطيافنا لن تهجر المكان

والأوابد سوف تكدّر عيشهم،

أسجّل

أن واجهات المتاجر أكثر شحّاً

وتُرك الشبابُ shababs بالقليل مما يقومون به

بالإضافة إلى المخدرات التي يتعاطونها

والجرائم التي يلجؤون إليها

وهكذا يمكن للمرء أن يصفهم بالخطرين

لكن الأجداد سيُبعثون في دواخلهم،

أسجّل

ليس برسم البيع-

لن نغادر أو نستسلم

ربما لن يعبأ أحد بما نقول

لكن البحر البحر البحر

قد حفظَنا عن ظهر قلب،

أسجّلُ

أني لم أرَ

أولادك يكبرون

لم يكن لديّ ذلك الخَيار،

نشأتُ في سجونِ

أماكن أخرى،

لا مجال للمقارنة هنا

لكنني حننتُ إليك

ولا أعرف مقدار هذا الحنين،

فسامحيني،

أسجّل

أننا معاً

حتى لو لم نعرف ذلك

وهذه المدينةُ مدينةٌ

أبعد من الحرية الملتبسة

وأولئك الذين يخونوننا

أولئك الذين يحاولون تحريرنا

أولئك الذين يشفقون علينا

أولئك الذين يحبوننا

أولئك الذين يخطِّؤوننا

قولي لهم

أنِ انظروا إلى ضوء القمر

على الأحجار البنيّة الداكنة،

فليس من جيشٍ يمكنه تدميرَ

ذلك الصنف من الحُبّ،

أسجّل

أني أراك في سنة 2014

وسوف أراك

كلَّ يوم في كلِّ حلم،

عكا،

أعتذر إذ لم أكتب في الحال

أعتذر إذ لم أغنِّ

الأغنياتِ التي صاغها لنا البحرُ

والأبديةَ التي درَّبَنا عليها

وحتى لو تضاعفتِ المقابر

تذكري ، كما القدس،

أنه لو دُمِّرتْ هذه المدينة

فسينهض ناجٍ

في كلٍّ منّا

في كلِّ مكان من المنفى،

ليكون المدينةَ.

 

 

هنا

Here

 

ميناء يافا القديم

هنا

أشعة الشمس التي استقرتْ

على ذكرياتنا

هنا

منازل الحجر القديم

التي تحفل ببلاطنا   بلاطنا   بلاطنا

كدليل على بيوت دُفنتْ

تحت أسماء مختلفة

هنا

السنوات التي لم نعرفها أبداً

هنا

الأصداء التي لملمها

بعضُنا في الآخر

هنا

النسيم الراعش

على جلودنا

الفردوس المعتم

تحت أعيننا

هنا

غير أنك لم تكن هنا

ولم أكن هنا

كما يقولون

لكننا كنا هنا

كنا هنا

كنا هنا.

 

 

أغنية القلب

Heartsong

 

لم يروا إلا الأمواج

لم يروا إلا الريح

حين انهارت المنازلُ

لم يحلموا إلا بأن يحلموا

لم يكن هناك من طيور

لم يكن هناك من شجر

لا أيادٍ تغطي أعينهم

لا مطر يسجّل آثار خطاهم

لم يروا إلا صورهم

تبهتُ على الحيطان

لم يروا إلا حكاياتهم

خبيئةً في أصوات الغرباء

وحدهم

وحدهم الذين بقوا كي يقولوا لنا

إنهم لم يغادروا

أنهم مكثوا في ظلالهم

يحرسون أصْلَهم

وقلوبهم في كل لحنٍ

من كلّ أغنية

بقوا كي يقولوا لنا

إن ثمة قلباً في البحر

أبداً قربَ أسمائنا

 

غزة

 

ذات مرّة في قطاع صغيرٍ

ابتلعتِ القلوبَ ثقوبٌ سوداء

وقال طفلٌ لآخرَ

خذْ نفَساً

كلّما كفّتْ ريحُ الليل

عن أن تكون أرضَ أحلام

 

الغزاويون

 

متُّ قبل أن أعيش

عشتُ مرةً في قبر

ويقالُ لي الآن إنه ليس رحْباً ما يكفي

لأن يتّسعَ لكلِّ مِيتاتي

 

أقدام صغيرة

Tiny Feet

 

ترنو أمٌّ إلى أخرى-

بحرٌ من أجساد صغيرة

احترقتْ أو قُطعتْ رؤوسها

حولهما-

وتسألها،

كيف يكون حِدادُنا على كلّ هذا؟

 

*****

خاص بأوكسجين