في الطريق إلى المُفردة
العدد 227 | 19 شباط 2018
أحمد الخطيب


في آخر الدنيا

في آخر الدنيا

وجدتُكِ تصطفينَ الموتَ

تختارينَ أضلاعي

وتنسلّينَ من موتي إلى بابٍ يضيقُ

ووجدتُ صبرَكِ يُمهلُ المعنى طويلاً

ثمَّ يمنحني الهواءَ

وينبري في الصمتِ

يلصقُ ما تهيّأ من غبار الماءِ

في لوحِ الحياةِ

وينثني كالريح تطرقُ بابها وتضيقُ

ووجدتُ مفتاحي يكركرُ صامتاً في بابهِ

ولم يصحُ الهوى في داخلي

ووجدتُ أنَّ ملاءةَ الأسماءِ

في المعنى تضيقُ

ووجدتُ بيتَكِ غامضاً في صمتهِ

ووجدتُ أنّ شقاوتي

ليلاً تضيقُ

 

سباحة

لم يسلُكِ الولدُ الغريبُ طريقي

لم يسلُكِ الولدُ الغريبُ جناحَ حانوتي

ولم يعبر كحرزِ الماء في قشِّ الغريقِ

لم يسلُكِ الولدُ الغريبُ مدامعي

فتركتُ أشيائي تعلِّمُهُ السباحةَ

والنشورَ إلى بريقي.

 

سيربكنا الغزال

معاً سنجرِّبُ الطيرانَ

هل جرّبتَ قبلي القفزَ عن سفح الجبال؟

معاً سنجيئُ مع حركاتنا

قِطَعاً إلى ماء الخيال

معاً يا أيّها الراعي سيُرْبِكُنا الغزال!!

إذن هيّئ فضاءً لي

وهيّئ مثلهُ للريحِ

واصعدْ باتجاه الكوكب الدُّريِّ

وانسخْ رقصةَ الفوضى

على كلِّ الحبال

 

قبلة الشعراء

كان يجلسُ فوق الحصانِ

يهذَّبُ رمحا

كان جزءاً من المهرجانِ

إذا طارَ قدّامهُ الأدعياءُ

يقدّمُ نُصْحا

وكان إذا خانهُ الأرجوانُ العتيقُ

يغادرُ لمْحا

ولكنّهُ بعد أن صار ديوانُهُ قبلةَ الشعراءِ

أشاحَ الوشاح عن الصمتِ

حتى إذا جاءهُ الأولياءُ

أعاد ملامحَهُ واختفى

ثمَّ عادَ وشحّا

 

وشي العيون

رأيتُ على البابِ ذاتَ جوًى

طفلةً ترسمُ الحبَّ

تعبرُ نفْسي

فقلتُ لها: يا صغيرةُ إنَّ القليلَ مباحُ

فطارتْ إلى أهلها

واليعاسيبُ تنمو على خدّها

والقليلُ المتاحُ

عجبتُ لها كيف تقطفُ حدْسي

وأعجبُ منها إذا مرّةً شاغلتني

تريني خيالَ الندى

ثمَّ تهربُ منّي

وكم ذا تلهّى على ظلّها الأرجوانُ

وكم كنتُ أمزحُ

لكنَّ قلبي تداركَ أنَّ الذي كان ما بيننا

ليس يشبهُ لعبَ الطفولةِ

بل هوَ وشيُ العيونِ

 

رجل بيدين مُذهّبتين

رجلٌ بيدين مُذهَّبتينِ من الكلماتِ

وحبرِ المائدةِ الكبرى

وغيورْ

ويقالُ كثيراً

إنَّ الشعرَ هوَ المنظورْ

تلقاهُ على ناصيةِ الحبِّ يعيدُ حرارتَهُ

ويثورْ

لكنْ حينَ تسافرُ في عينيهِ امرأةٌ

يحملُ هَمَّ الأطفالِ وينأى

هل قالَ أخيراً شيئا

أمْ مات وحيداً في خلوتهِ

خلفَ السُّورْ؟!!

رجلٌ بيدينِ مُعلَّقتينِ على جبلِ المنفى

وغيورْ

تنعشُهُ ذاكرةُ المعنى

ويدورْ

بين اللثغةِ

والعُصفورْ

 

النساء مرايا

أنا المشتهى يا أبي

والنساءُ مرايا

وقفتُ على آخر العمرِ

لم ينطو الأرجوانُ على شفتيَّ

انتكستُ كثيراً

كما وانسحبتُ أمام النساءِ إلى خلوةٍ

أستعيدُ رؤايَ

وفي آخر العمرِ قامَ ترابي إلى بابهنَّ

ولم يزجُرِ الشيبُ رملَ الغرابةِ

لكنَّ خوفي من الريحِ

قال استترْ في النوايا

لأنَّ إلى الصّقرِ تمضي الصبايا

 

وأجملهم صاحبي

صِبْيَةٌ يلعبونَ

على غير عادتهمْ بالتراب

صِبْيَةٌ رائعونَ

صِبْيَةٌ حار بأعدادهمْ حارسُ الماءِ

قلتُ: ثلاثةُ أترابْ

ويقتطفونَ الخطى من كتابي

وأجملُهم صاحبي

*****

خاص بأوكسجين