في اختفاء مدننا المتشردة
العدد 218 | 05 أيلول 2017
ميشرافي عبدالودود


ثمة سكان طيبون

يعودون للتو من سفر

أبطأ في الرجوع

فلا يجدون المدينة

المتروكة وراءهم

في عهدة بنادق الجنود

منتشرين في كل مكان

بصخب أطفالهم مبحوحي

الحناجر

من المناداة على المدينة

المفقودة

باسمها الكامل

في ليل خلا بشكل مهول

تحت أعمدة الكهرباء المضيئة

على الاختفاء المفاجئ

فلا تجيب المدينة

التي خرجت للبحث عن سكان

تأخروا بالرجوع من السفر

لتضل طريق الرجوع

إلى  سكانها العائدين للتو

منخرطين في البحث عن المدينة

المفقودة

………………………………..

………………………………..

ثمة متطوعون من أهل الخير

 ممن لبّوا نداء السكان الطيبين

على صفحات الجرائد

على القنوات الإخبارية

بالمساعدة في البحث

عن المدينة المفقودة

بعد أن يئسوا من عودتها

أفادوا بأن المدينة

لحسن الحظ

توجد حية على قيد الاختطاف

مبعدين فرضية القتل المحتمل

مؤكدين أن شهود عيان

رأوا المدينة الحزينة  

تمشي الهوينى

متعثرة في الأصفاد

وراء لصوصها الملتحين

في عدة مواقع شائكة

لكن لسوء الحظ

فإن الشهود فقدوا

قبل الإدلاء بالشهادة

الكاملة

لينخرط الجنود في البحث

عن لحى لصوص الخاطفين

بدلاً من البحث عن المدينة

مجندين أطفالها الذين أقسموا

بقسم الطفولة التي لا تتراجع

بعدم العودة

لغاية إيجاد مدينتهم الضائعة

مصطحبين معهم

فرقاً من مشاة الأشجار

قاموا بتجنيدها

رفقة عصافيرها الخبيرة

كي لا يسيروا تحت شارات

عسكر تسبب باختفاء المدينة

……………………………….

……………………………….

بعد مرور عدة سنوات

لو تركت يواقيتها لحالها

لاختارت رسوب النيازك

عميقاً

في قيعان البحار المرجانية

صار مألوفاً بقساوة

لدى المشاهدين الملولين

من كافة الوطن العربي

رؤية الآباء و الأمهات

رؤية الأجداد و الأحفاد

على نشرات الأخبار المسائية

(أثناء مضغ وجبات العشاء)

يرفعون نداءهم إلى أي شخص

يمتلك شبه معلومات

تفيد المفجوعين في البحث

عن مدن

تختفي واحدة تلو الأخرى

لأسباب غير معروفة

تاركين أرقام هواتفهم

تاريخ اختفاء المدينة

العمر المقدر من الذاكرة

و بقايا صور شاحبة

بالأبيض والأسود

لا يملكون غيرها

تعود للطفولة البعيدة

لتسهيل التعرف على المدينة

المتشردة

…………………………….

…………………………….

ثمة عقود أُسر بكاملها

يحرص مخرج الأخبار

أن تنفرط خرزاتها المنتظمة

في مربع الإنارة الفاحش

فيما تتضرع إلى عقوق مدنها

المختفية

أن تعود إلى أهاليها

مقدمين الوعود الغزيرة

بعدم التعرض لها

مجدداً بسوء

مبررين فظاظة معاملتهم

بالجهل وسوء الأحوال

غير أن المدن العاقة

ترفض بشكل قاطع

أية وساطة سليمة الطوية

تجتهد في الوصول إليها

لإقناعها

بالعودة إلى أهاليها

معلِّلة أن اختفاءها

تمّ بمحض الإرادة المحضة

فمن حق أيّ أيّ مدينة

أينما وجدت من النصف

المعتم

من كوكب الأرض الغريق

أن تختار سكانها

محلّ الإقامة

سعاة البريد

وطوابع بريدية

غير مختومة بالدم

……………………………..

……………………………..

ثمة لصوص ملتحون

مجرد ملتحين لصوص

خرجوا للتو من شقوق الجرذان

في تاريخهم المليء بالشروخ  

يمتلكون ما يكفي

من الإخفاق و الأحقاد

من التوحش و العطش للدماء

كي يصيروا قراصنة أبطالاً

على مرّ العصور

محترفين قرصنة مدن كاملة

يجُبُّونها

بممتلكاتها في سفن القيامة

تحت سواد أعلام

لا تتوقف عن رفع الحداد

فيما يقف سكانها الطيبون

 مذهولين

لإلقاء نظرة موجزة أخيرة

على جثث مدنهم الجميلة المختطفة

الملقاة من على ظهر السفينة

بعد ذبحها و تجريد مدخراتها

رويداً رويداً

تغوص عميقاً في بحر الدماء 

مسارعين

إلى إقامة المواسم الجنائزية الباذخة

لأخذ العزاء في المدن المستشهدة

طيلة شهر كاملٍ من العويل والبكاء

………………………………….

………………………………….

ثمة مدن متشردة هائمة

تتوسل إلى أهاليها

في انكسار

السماح لها

بالعودة إلى أحضانهم

للعيش سوياً

كما من قبل طردها

لكن الأحضان التي تبرأت

من مدنها المطرودة

متجاهلة حقّ الأمومة

في استعادة حضانة الأطفال

تتوعدها بالقتل الفوري

إن أقدمت على المجازفة

بالرجوع

………………………………
………………………………

ثمة عساكر يقفون في بذلة الكاكي

الملتصقة جداً بدسم الأفخاذ

رافعين بنادقهم المستعارة

في عجرفة اليد البطيئة الواحدة

لإطلاق الرصاص الفج

في رطوبة الهواء التي ترده تباعاً

احتفاءً بعودة المدينة من التيه

بعد طول تسكع وغياب

عصافير الدوري فضولية الريش

تبدو غير مكترثة بشكل يدعو للريبة

بحفيف أجنحتها الكسولة

على مقربة من عساكر اعتادت

على طلقات رصاصاتهم الفجة

في المناسبات والأعياد

غير أن الأطفال الذين حنثوا

بقسم الطفولة التي لا تتراجع

عائدين

قبل إيجاد مدينتهم

الضائعة

مصطحبين معهم

فرقاً من مشاة الأشجار

قاموا بتجنيدها

رفقة عصافيرها الخبيرة

كي لا يسيروا تحت شارات

عسكر تسبب باختفاء المدينة

لن يتوقفوا لإلقاء نظرة ولو سريعة

على المومياء العائدة قسراً

منقوصة الأشلاء

في تابوت خشبي

بعدما أبدعت في تقطيعها

بالتناوب

جراءة اللصوص الملتحين

وجسارة الجنود الباحثين

عن لحى اللصوص

حتى يسهل عرضها للمتفرجين

(مزقاً)

في متحف الخراب الوطني

سوف يسارعون إلى نوم مثخن

بجراح المومياء

على غرار عصافير تتعجل

الإيواء مبكراً إلى الشجر العائد

مستجيبة لتحذيرات الحفيف

رافعين قلوبهم بالدعاء

أن يستيقظوا في الصباح

فلا يجدوا المدينة العائدة

تحت الوسادة

*****

خاص بأوكسجين


شاعر ومترجم من المغرب.