عروسة زعتر في حقيبة الأحلام
العدد 196 | 10 آب 2016
راما عرفات


ألوح لكِ بيدٍ واحدة

بينما تغادرين مع الكثير من الجثث

ألوّح لكِ بيدٍ واحدة

بينما يطلقون على أحرف اسمك:

موتى

تلك القائمة الطويلة التي حرصتِ على كتابتها بحبر القلم الأزرق المفضل، ثم خصصت لها مكاناً صغيراً في جزدان (الفراطة) حيث اعتقد ركاب السرافيس على خطوط دمشق جميعها أن حبيباً أرسل لك رسالة ورقية وحيدة حملتها معك كتميمة تحميكِ.

القائمة التي كانت تقع منك أثناء بحثك عن 10 ليرات سورية ثمن الحرِّ والزحام والوجوه العابسة ونصف مقعد في السرفيس الذي تقلع معه أفكارك التي لا معنى لها إلا على الطرقات الطويلة.

القائمة التي كنتِ تعيدين صياغتها صباحاً مع وجبة الفطور فتبدلين أماكن بقع الزيت، يوماً تعكرين صفاء المياه النائمة في شوارع فينيسيا، والذي يليه تلتهمه المجاعات في إفريقيا، أما فتات خبز أفران الدولة غالباً ما يكركب كيان أول حرفين من كلمة فيزا إلى أنحاء العالم، إلا أن كل شيء يعود ليتخذ مكانه بعد ضحكتكِ التي توقظ الأحلام وتعيد ترتيبها.

القائمة التي بدأت تصبح قصيرة عندما قبضت أول راتب شهري لم يستطع دفع ثمن ذراع حلم واحد منها.

قائمتكِ التي أتقنت لعبة الاختفاء حين بدأت فكرة سوداء كالحرب بفركشة كلّ ما يمر بجانبها.

القائمة التي صارت تشبه ما يبتلعه البحر من أشيائنا التي تكبر داخله على شكل قهرنا ووجعنا، أشياؤنا التي حين يملها يلفظها بهيئة حذاء طفل أو قطعة زجاج غالباً ما تجرحنا.

اليوم صرتِ تتعاملين مع القوائم على أنها جميعاً سوداء ومع الأحلام بسهولة أكبر، توقظينها وتلبسينها فستاناً جديداً لا روائح له ولا ذكريات، وللمرة الأولى تحاولين إيلامها فتسرحين شعرها على شكل ذنب حصان مشدود كما تفعل جميع الأمهات اللاتي يعتقدن أن ذنب الحصان هو دليل على اهتمامهن بأناقة صغيراتهن، تعدين الفطور كوجبة أخيرة دون أن تنسي تجاهل لف (عروسة الزعتر) لأنك كنت قد خططت طريقة موتها جوعاً، تنظرين في عينيها بينما تحاول الحصول على قبلة منكِ لكنك تكتفين بالطبطبة على رأسها، تمسكين يدها الصغيرة وتسوقينها نحو النهاية، تفتحين الباب لترسليها بعيداً دون أن تقولي لها وجهتها، تمشي ببطئ وتتوقف مع تلك النظرة التي تقول لك أعيديني، تتجرأين وتغلقين الباب وتنتظرين دقائق قبل أن تفتحيه لتجدي أحلامك ذات الأعوام الصغيرة قد رحلت، وعلى عكس جميع الأمهات تشعرين بالرضا، تأخذين نفساً عميقاً وتعودين للنوم.

*****

خاص بأوكسجين


شاعرة من سورية. من أعمالها "حرب ورقة مقص"" 2016"