شاطرونجا
العدد 267 | 25 أيلول 2021
زاهر السالمي


رقعةٌ مربعة الشكل أبعادها ثمانية في ثمانية،
ثمانية صفوف، وأربعة وستون مربعاً تتناوب
في لونها بين الأبيض والأسود.

وفي حديث سالف، كان لون الرقعة بالأبيض

والأحمر الأجدى لفارس يتحلّى بالصفات السبع،

حيث إن مسألة الحصان صعب تَكَهُّنها.
جرّب أن تفكر بها هكذا: كرة تتدحرج، كرة
ثلجية متورمة تنفجر في رأسك، وأنت لم تزل
تصحو وفي يدك قهوة الصباح المركزة،
قادحاً سيجارة الماضي اللولبي يدور بك
في مدينة ملاهي. إنه الكأس إكسير حياة.

في الميدان ست عشرة قطعة: ملك، ملكة،
قلعتان، حصانان، فيلان وثمانية بيادق.
ورغم تقلب الزمان وجريان المياه
تحت أسوار القلاع، الكل يحفظ مهامه
عن ظهر قلب.
ستجد أن التكتيكات ذكية جداً والتضحيات
كبيرة بما يكفي من هجومات حادة لا تنقصها

ديناميكية. إنها جيدة لتدريب الجنرالات

فـن

الحرب.
وبينما البيدق أضعفها، لن ننسى أن ذلك
الضئيل مهم في الاستراتيجية. عسكري
مشاة، خط دفاع أول، يُناور، يتجاوز
أعداءه. لكن هذا ليس كل شيء، وهنا
المفاجأة:
إذا ما وصلتْ روحه إلى الصف الثامن
فيما وراء خط النار، يرتقي إلى ملكة، تمليك.

الأنثى دائماً هي الأقوى ربما في التشكيلة الحربية،

والثوار خالدون؛

قال أحدهم: “الهزيمة مع السلامة غنيمة”
إذن لن تَسُد عليه المعابر، لن تأسره. نصرك

ضربة قاضية، أو اترك مساحة هروب،

للتراجع، وإلا وقعتَ في شَرَك الرَدْب،

دَرْب لا ينفذ، الذي هو جمود،
تعادل،
وتلك عدالة
ربما تقترب من الكمال!
أكيد هذا ليس الولد الصغير، وليس
هو الرجل البدين. هل تُدرك قيمة
الإنسان؟ ما سعره!
لعبة بلا قواعد، ليست لعبة على الإطلاق،

الحرب -شذوذ نموذجي، إنها اللعبة الأشد صقيعاً.

روحك تتسرَّبُ من بين الأصابع، بينما اللعبة

لم تكتمل.

أتكون هذه جَنَّتنا، دون دماء نتعارك على أرضها!

واقعٌ في كل منا معركة، يريد أن يكون بطلها،

أو يتقيأها فوق بلاط مصقول أو في بطن بالوعة.

تلك لن تَزَل تَجُرُّ إليها

النهارات بقلب مُتواطئ مع الخسارة،

متلازمة المهزوم الأبدي؛

-إنهم الثوار، لا يموتون أبداً

رغبتَ في ذلك
أم،
الفخّ مجتمع شمولي. تتساقط الحشود
لأجل قطعة مُتوَّجة: لعبة ملوك. اللعبة
المرآة، حيث المآقي تعبر نهر الظلمات.

هذه صالة العرض، خشبة المسرح.
المسرحية واقفة على أشُدّها. المُؤَدّون
ما عدا أنهم حقيقيون، يخترقون طاقة
الخيال. سحابة نجم سَهْواً سقط
في زوبعة فنجان مخدوم على نار هادئة.
أنظر إلى حياتك الماضية، صوب أدق التفاصيل.
ربما مُنْزَلقٌ مَرِح في زاوية زقاق لعوب، وربما
إرث تفاقم حتى الانحلال. وقوعك في ذلك الفخ
خطيئة، أم
هو العقاب. لا شك أنها الأوركسترا حياتك
تَصْدح بعزف مُنفرد، وإن تراكم الصدى
عبر القرون.

شاطرونجا؛ قال اليعقوبي:
“فضائل الهند ثلاث -الشطرنج، وكليلة
ودمنة، وتسعة أحرف تجمع الحساب”.
شاه مات، مات الشاه، مات
الأحمق بعد حركتين!
هي الخسارات العظيمة، في كثافة هواء،

نتنفسها فلا نحيا ولا نموت.
القطع منحوتة من عاج، والفيلة آلة حرب
تدميرية. حركة التبييت تحصين قلعة
في مهمة إنقاذ أخيرة.
شرط النصر يعتمد على قطعة واحدة
لا غير؛

هل يُعقل هذا!

أستسلمُ اخيراً

لمرح تلك اللعبة – كش ملك.

*****

خاص بأوكسجين


شاعر من عُمان.