تخيّلي معي هذا المشهد للحظاتٍ قليلة.. ثورٌ أبيض مرقّطٌ بسواد، وقف أمامَ بقرةٍ وقال لها، ثورُكِ المعذّبُ يبلّغك السّلامَ والمحبّةَ سيّدتي البقرة.
يستحلفكِ بحوافركِ العظيمة، ولبنكِ الصافي في ضِرعِك، بلسانكِ الكبير، بشعرِ ذيلكِ النّاعم، بالحبلِ المتينِ حول قرنَيكِ وألم القيد.. بقسوةِ صاحبك وحيرةِ البحثِ عن أعوادِ الحشيش، بأكوامِ الآهاتِ والعذابات، بمواسمِ الزيتونِ وأقراصِ الزّعترْ.. أستحلفكِ ألا تكوني إلا بقرة.. لا شيءَ آخرَ سوى بقرةٍ طيّبةٍ وحنونْ، رأسُكِ يُداعبُ رأسي، نُفتّشُ هنا وهناكَ عن العشبٍ سويّا، نشربُ من ماءِ النهرِ ونستحمّ معا، ونعودُ آخرَ النهارْ، فننام في سلامْ.
كائنٌ ملعونٌ وسخيفْ.. يُلقي بابنهِ فوق ظهركِ ساعاتٍ طويلة، ثم يبصق في حاوية الماء وبينَ أكوام القشّ..!
أسيرةُ حبلٍ ممتدٍ إلى جذعِ شجرة وينسابُ الترابُ بمكرٍ فوقَ جلدِكِ الناعم، وشجاعة مثلك تمتلك قرنيْنِ في رأسٍ طيّبٍ وكبيرْ.
كلّ الحقولِ تعرفُ أنّ عينيكِ الصّارمتين، تكادُ تحرقُ رديئي السلوكِ، وأنّ أنفَكِ الضخمَ لا يطيقُ العفنْ، وأقدامكِ الصلبة تبغضُ السلاسلَ وتُهلكُ صانعيها.
حديديّة الجمجمةِ فولاذيّة الملامحْ وكلُّ خفافيش الليل عاشتْ حكاياتك، كلُّ أشجار ِالخرّوبِ تُخبّئُ في ثمارِها بعضاً مِنْ شجاعاتكْ.. فكيفَ لحياةٍ حقيرةٍ وبشعة أنْ تمرَّ باسمِكِ وأنتِ ساكِنةُ!.
أولُّ بقرةٍ عاشت لذّة الاعتراضِ وقالتْ “لا” كانت أنتِ، هلْ تذكرينَ قلت لي مرة أن نقول نعم على الدّوام إسرافًا في الخوف، وإنه من السهل جدًّا على الأبقار في الحقول أنْ تجري مع الرّيحِ بينَ ثنايا قصبِ السُّكّرْ، وما أعذبَ الوقوفَ في وجِهِ الجَهورْ.
أوّلُ بقرةٍ عرفتْ أنّ صاحبَها قد أصابَهُ الخبلْ، كانت أنتِ.. فكيف أقنعَكِ هذا الوغدُ بأنّكِ واهِنةٌ مسلوبةُ الحياء! أمْ أنها متعةُ الخضوع واللّذةُ في الانصياعْ؟!
فى اللحظة التى أشتهي فيها النظر لعينيك أموت رعبًا من الحقل وصاحبه وابنه وحاويةِ الماء، كان فى وسعك ألا تعلمينا كيف نهزم الأشباح آخر الليل في الحظيرة، كان عليك القول بأن الأبقار تعيش بائسة وتموت قهرًا.
أعترفُ الآنَ أمامكِ بأنّي ثورُك الباكي المعذّبْ.. لا أملكُ في مملكة الحظائرِ إلا أنتِ.. فإمّا أنْ تعودي شِتاءً وجِلدُكِ مُرصَّعٌ بالرذاذ، وقلبك أكثر عزمًا وقوة، فِراشُكِ عشبٌ ليّنٌ، وحافرُكِ متينْ، أو ابحثي لي عن جذعِ شجرةٍ يَصلحُ لكسرِ رأسي.
*****
خاص بأوكسجين