سيرة ذاتية
العدد 193 | 20 حزيران 2016
فتحية الصقري


أبدأ بالـ ويك إند

بالساعات المشغولة بفضِّ الاشتباك
وترتيب الأصوات
بالسماء التي تمطر مظلَّات
بالأقفاص المفتوحة والقنافذ الطليقة

بالمغادرين
بـ “قصائد حبّ”
و”خاسران على الناصية”

بـ “باتجاه نافذة ضائعة”
“Big Girls Cry”و

أبدأُ بالجسد
باليدين
بالعينين 
بالفم والشفتين واللسان
برحلة صيد، وعشرة غطَّاسين
بشمسين تشرقان وتغربان في قلب عاشق

لا يَكتُب الشعر
بالنَّحل السكران مصفوعًا بتيَّار مروحة السقف

مرتطمًا بالجدران، وسطح البلاط البارد.

أبدأ
بضجيج الفضوليِّين في عظامي.
بالمدن التي لا تحتضن عُشَّاقَها في الحرب والسِّلم.
بالريح المتكوّرة خلفَ الباب؛ خوفًا على حياتها.
بالمطر العطشان، مقتولا بالشَّهوة، ولا يطرق الأبواب.

أبدأ 
بالبرتقال المُقشَّر
بحوض الأسماك الصغيرة، مندلقًا على سطحٍ أملس 
بصورة رجل يضحك

بـ “هزيمة القوى العظمى” 

أبدأ 
بغرفة البنت الكبرى المملوءة بالدباديب

والكتب “علب” الويسكي
بمخطوطات الحبِّ والألم والاكتئاب واللا جدوى.

أبدأ
بالخوف والشجاعة يتبادلان الشتائم،
مثل تاجرين يتنازعان على المكان والشهرة

أبدأ
بـرغبتي المُلحِّة لإعادة التيَّار الكهربائي لبيتي الجميل البعيد

الذي تنطفئ أضواؤُه، وقتَ العطلات

بأنت أو لا أحد.
بنزق أصابعي المجنون مرتديًا وجهَه الشِّرير

لإشعال كَوْمة قشٍّ، داخل مستودع.
بالشهيَّة المفتوحة لالتهام سيرةِ قبلة مسروقة

وتحرير ألف لمسةٍ سرِّيَّة تقول: أُحبُّك.

 

أبدأ
بيوميَّات كائنٍ حرّ
لا يفكر في ماضيه، لا يفكر في مستقبله،
بلا أبناء، بلا أسرة، بلا مشاجرات ليليَّة، بلا أوسمة، بلا ألقاب، بلا رخصة قيادة، بلا عنوان يحدِّدُ مصيرَه، بلا خططٍ ترسم سَيْرَ أيَّامِه المقبلة
بمذكرات كائن “يريد أن يجد مبرِّرًا؛ لكي يستمرَّ على قيد الحياة، ولكي يتحمَّل المشهد اليوميَّ المرعب للمرض والقبح والظلم والموت”

خفيف، حسَّاس، متقلِّب، دقيق، حارّ، قليل الكلام 
يحبُّ القطط والشوكولاتة وشاي النعناع

يظهر، ويسير، ويتحدَّث،
كأبطال “الحكايات العالميَّة”
كعاشقٍ خارجٍ للتوِّ من سهرة حبّ
كشاعرٍ يتجوَّلُ في سوق الخضار
ويفكر بكتابة مذكراته.

أبدأ
بكومة الملابس الداخليَّة في سلَّة الغسيل
بتقدُّم الصيف السريع ولغته العنيفة
بـ آيس كريم ذابَ بتحديقةٍ طويلة، قبل أن يلمسَه لساني

أبدأ
بالمجهول خالق الشَّغَف والشهوة 
بالأفلام الصامتة
بالشواطئ ورمالها الحارَّة
بالأمواج مجتاحةً جسدي
بالهوَسِ الجماعيِّ لتفكيك الدُّمَى الناطقة
بالنتائج السيِّئة لفصل الخدمة عن هاتف الحبّ
بالقلق عليك، بالقلق عليّ.

 

 

أبدأ
بطعم الليمون اللاذع
بنسيان السُكّر
بانتباهي المتأخِّر لغياب حبَّات الشوكولاتة
التي رميتُها في سلَّة المهملات، واحتفظتُ بغلافها الورقيِّ البرَّاق،
باتصالي المفاجئ بسائق التاكسي، في وقتٍ مبكّر:
– ألو ممكن توصِّلني الدوام؟
– أيّ دوام؟ اليوم إجازة
 

أبدأ
بالأقراص المسكّنة 
بحركة السكين البطيئة والرُّمانة المفلوقة

بـ “أيّ لا معقول مظلم ينتحب في روحي؟ “
بالأب
بالأم
بالأخوة
بـ “نبتدي منين الحكاية”

أبدأ
بالموسيقا الصاخبة
بـ هنا بـ هناك
برسائل لم تذهب لأحد
بصباح الخير
“أحبُّكَ وتؤلمُني إضاءتُها القويَّة في روحي”

 

أبدأ
بـ “المتمرِّد ليس في حاجة إلى أسلاف”

 

 

أبدأ

بالعمليَّات الفاشلة لتفادي الارتطام

بالكراسي الطائرة

بالسيَّارات ذات الدفع الرُّباعي

بالمظهر البرَّاق والجوهر المحروق

بالأسئلة المهترئة لكثرة الاستخدام

أبدأ
بألم المعدة الحادّ
بالحمَّى
و “الآخرون هم الجحيم”

 

 

أبدأ
بـ “الجوهر مهجور. الورَثةُ السَّفَلة الذين سرقوا اسمه، المنقطعون عنه يشوّهون أشكاله.

أبدأ
وأنتهي

بـ ” ‏أعتقد أنني أنتمي إلى سلالةٍ تتلاشى، أؤمن بالمقاهي، أؤمن بالفن، أؤمن بكرامة الفرد، أؤمن بالحرية”

*****

خاص بأوكسجين


شاعرة من عُمان. صدر لها: "جمهور الضحك"" 2016، و""أعيادي السرية"" 2014، و""قلب لا يصلح للحرب"" 2014، و""نجمة في الظل"" 2011."