رغبة في قتل شيءٍ ما
العدد 220 | 14 تشرين الأول 2017
ابتهال الشريف


    – لديه ميل عجيب في ممارسة الألعاب الخطيرة، ربما رغبةً في قتل شيء، شيءٍ ما في نفسه. يقفز من طائرة أو من جسرٍ شاهق، يتسلق جبل، يمشي على حافة برج، يضع ثلاث بيضات فوق بعضها بشكلٍ عمودي، أو يغازل متزوجة قبيحة وهي مع زوجها. ليس العجب إطلاقًا في أنه جزار. 

لديه -أيضًا- اعتقاد في أنه لا يشعر بالحياة إلا عندما ينجو، ولا يشعر أنه يقبض على الحياة إلا حين يقتلها. تلك الأشياء الخطرة والدموية، هي فقط ما يبقيه على قيد الحياة.

 

     يُرجأ ذلك إلى نقطة الخِلاف العظمى بينه وبين أمه، أيّ القطط. أمه التي ربما لم تكن أكيدةً من أمومتها تجاهه، تبنت إحدى عشر قطًا وقطة، وهو الذي كان فاقدًا لأواصر الأخوّة، كان يشمئز من القطط ويكرهها.

وإليك ما حدث في ذلك اليوم، الذي أُعلنت فيه الحرب بينه وبين إخوته:

كان جالسًا يشاهد أفلام الكرتون، كأي فتى في التاسعة من عمره، لديه أم تتركه وحيدًا في البيت مع قططها، حين بدأ أكبر وأبشع القطط “بامو” يحوم حوله، حاول تجاهله، لكن القط بدأ يموء ويكشرّ عن أنيابه، أستمر في التجاهل، إلى أن قفز القط إلى الطاولة وحجب شاشة التلفاز عنه، فرمى عليه مخدةً صغيرة، غضب القط الغضبان أكثر، هجم عليه، وما أن أمسكه وألقى به إلى الجدار، حتى هجمت عليه باقي القطط من حيث لا يحتسب، عضّوه، خربشوه، وتسلقوه، حاول الهرب منهم، صرخ، بكى، كلما ألقى بواحدٍ منهم إلى الأرض، تسلقه آخر، ركض، حاول أن يتوسلهم، كان هجومًا شنيعًا وغير مبرر، أستمر في الركض ومحاولة التخفف من إخوته، إلى أن فتح باب البيت وخرج إلى الشارع، يبكي ويصرخ، فأجتمع عليه الجيران، لم يصدق أحد أن القطط هجمت عليه بلا مبرر، لابد أنه فعل لها شيئا ما، حلف وأقسم، هدّءوه، سقوه ماء، ونظفوا جروحه. 

وحين أتت أمه ورأت منظر الجيران حول ابنها الباكي، هلعت وركضت إليه، فأخبرها عن هجوم القطط، فتركته وهرعت إلى قططها.

     البيت أبشع مكان يمكن أن يبقى المرء فيه، البيت زنزانة، اختناق، حالة رعب، مكان يموت فيه المرء ببطء بعيدًا عن أعين الناس، عليه دائمًا أن يخترع أسبابًا تبقيه بعيدًا عن البيت.

حين تتوجب العودة، يبقى آخر الراحلين، بعد المدرسة، بعد اللعب مع الأصدقاء، بعد قبول أيّ دعوة غداء، وبعد مساعدة عجوز مقعدة في حيهم، ومشاهدة الإعلانات الصامتة في شاشات محل بيع أدوات كهربائية، والذهاب إلى مساعدة صديقه في واجباته، أي طريقة لقتل أطول وقت ممكن في الخارج، وحين تنتهي الطرق يعود إلى البيت.

يفتح الباب كلصٍ محترف، يستطلع بعينه المكان، حتى يطمئن لسلامة الطريق إلى غرفته، فيدخل متسللًا، ويباغته القط “بامو”، فيكمل الطريق راكضًا.

 

     يرى في أحلامه قططًا سوداء تأكل أطرافه، يراها أحيانًا تفقأ عينه، أو نائمةً بجانبه، يرى أفواه قطط معلقةً على الجدران وكلما مر بجانبها، كشرت وماءت بقوة، يرى الأرض وقد تحولت إلى غابةٍ من مخالب القطط، يرآها تحدق فيه، قطط سوداء شريرة، بغيضة، ولديها قدرات خارقة.

استيقظ مرة من نومه فزِعًا، رأى فيما يرى النائم أنه حامل، بجسده الصغير المتغضن، له بطن منتفخة، يتألم ويشعر بهلع: “منذ متى وأنا حامل!”، ركض عبر الدرج نازلًا ليخبر أمه، فتعثر وسقط، وبدأت بطنه تتشقق وتمزقها مخالب قطط من الداخل، فصرخ، وأستيقظ، عرف بأن مثانته هي ما كان يتمزق وأنه مضطر للذهاب إلى الحمام.

     

     فكر في احتمالية التبول في حاوية الغرفة!، أو من الشبّاك!، لم يعد قادرًا على ابتلاع بوله أكثر، فغامر بفتح باب الغرفة، وبدأ ينسل باتجاه الحمام. وسط ظلام الممر المؤدي إليه، بدت الطريق إلى الحمام بذات آلام طريق المسيح إلى الصليب، وفجأةً، داس على فروٍ ناعم لم يفطن إلى وجوده، نظر فورًا أسفله، فانتبه إلى ذيل “نيما”، ماءت القطة، مواء أشبه باستدعاء، وفعلًا ظهر “بامو”.

يمشي نحوه مشية أسد، خاف، فكر في الهرب، وفعلًا همَّ بالهرب، لكنه شعر بغضب، بغضبٍ فجر رأسه، يجب أن يضع حدًّا لهذا المهزلة، وينهي المسألة.

ركض نحو المطبخ، فتح درج السكاكين واختار أكبر سكينة، دخل في حالة أشبه بهستيريا، صار يطعن ويمزق كل قطة يجدها في طريقه، خافت القطط، هربت، حاولت أن تختبئ، لكنه بقوةٍ غير مسبوقة، كان يسحبها من مخابئها ويقتلها، إلى أن وصل إلى بامو، الأسد المتنكر في هيئة قط، كشر بامو عن أنيابه، حاول إخافته، لكنه تقدم ناحيته بثبات، وباغته فأمسك به من رقبته وطعنه، لم يكتفِ بطعنةٍ واحدة، بل مزقه أيما ممزق، فقأ عينه، وسدد إليه عدة طعنات عصابية، فعل ما كان يُفعل به في أحلامه، وحين انتهى، وجد نفسه ملطخًا بالدماء، لم يعرف كيف تمكن من فعل هذا، شعر براحة، بانتشاء، تعجّب من جمالية شعور الطعن، ليس سيئًا أبدًا.

كانت رأسه تنبض، وأنفاسه تسرق بعضها، شعر بألم خفيف في مثانته، حينها فقط تذكر أنه خرج من غرفته ليذهب إلى الحمام، نظر إلى نفسه، فعرف أنه تبول على نفسه، وبكى.. حين ذهب إلى غرفة أمه ليخبرها أنه تبول على نفسه، وجد الدم يغطيها وأحشاءها ممزقة.

*****

خاص بأوكسجين


كاتبة من السعودية.