رسالة إلى ستروي
العدد 201 | 24 تشرين الأول 2016
أنجيلا السليمان


عزيزي ستروماي أعرف أنّكَ لن تقرأ رسالتي هذه ولديَّ ثقةٌ مطلقةٌ بعدم جدواها، ولكن ليس لديّ خيارات كثيرة لا بدّ أن أكتب لك.

لن أخفي إعجابي بِلون عينيك وتقاسيم وجهك الوسيمة وخصوصية لون بشرتِك، ولكن ليسَ هذا هو السبب الذي دفَعني لارتكاب هذه الحماقة.

يبدو أنها ستكون رسالةً طويلةً لأنها نتاجُ أفكار تتصارع في رأسي منذ مدة ليست قصيرة أدرك تماماً بأنّها ستكون محطّ سخريةٍ لمعجبيكَ، كما أدركُ أيضاً أنني سأدرِجها ضمنَ سلسلة السلوكيات الانفعالية التي أقوم بها من دون أخذ النتائج بالحسبان.

لم تخبرني يا Stromae كيف يلفظون اسمك؟

حتّى اللحظة، لم أتمكّن من لفظهِ بشكلٍ صحيح، وأخشى أن تجمعَنا الأيام، قبل تمكني من ذلك، ما يجعلني في موقف محرج أمامك، وكما تعلم يا عزيزي من الصعب الوصول إلى صيغةٍ مناسبةٍ للقيام بذلك، ففي بلجيكا -المكان الحالي لإقامة كلينا- يتناحر “الفلمان والوالون”، ويتحدثون لغاتٍ ثلاث، ويختلفون حتى على أسماء محطات المترو والشوارع والمدن، فكيف سيتّفقون على لفظ اسمك الذي ينتهي بحرف e الذي يعتبر أكثر الحروف إشكاليةً في اللاتينية والجرمانية، لذا سأستخدم اسماً لا يختلفون عليه.

ما رأيك ب ستروي Stroi ؟

أعتقد أنه سيعجبك، ثم إن الأسماء تفصيلٌ تافهٌ لنختلف عليه، هناك قضايا أخرى ستكون موضع خلافنا، لذلك تحلَّ بالصبر.

كما أخبرتك، أعيش الآن في بلجيكا، أو بدقّةٍ أكثر، بحكم الضرورة أعيش الآن في بلجيكا، الضروة نفسها التي جعلتك تولد هنا، الضرورة التي دفعتك لغناء Papaoutai.

ربما سَتُفاجأ بأنني أحفظ بعض أغنياتك، رغم أنّي لا أعرف من الفرنسية التي تُلَحنها سوى خمسَ كلمات، ولكي أكون صادقةً معك، لم أسمع عنك قبل وصولي إلى هنا، لكنّ الظرف التاريخي الذي سمعتُ فيه أغنيتك Papaoutai جعلني مضطرًّة للبحث عن الأسباب التي دفعتكَ لكتابة هذه الأغنية، وهنا بدأت ممارسة هوايتي التي أُتقِنها “الغوغلة” ، واكتشفتُ أشياء كثيرةً عنك، وبما أنني شخصٌ مولعٌ بالتفاصيل البصرية، بدأتُ أُحلّل الطريقة التي تختارها لتصوير أغنياتك، علّني أعرفُ ما الذي تريده أيها “الهجين” – لا تعتبر كلمة هجين إهانة، إنها صفةٌ لابدّ لك أن تتصالح معها، أو ربما عليك أن تفخر بها، فقد منَحَتك خصوصيتك هنا.

“هجين” يغني!

يا لهذا الإنجاز العظيم للمجتمعات المتحضرة التي نعيش فيها.

دعني أواجهك بالحقيقة يا ستروي، والتي يبدو أنك أُغفلت عنها.

لو لم تمنح الحكومة البلجيكية حقَّ اللجوء لعائلتك، لكنتَ الآن مزارعاً في حقول البن أو التبغ التي تشتهر بها بلادك، أو راعي أبقارٍ مثيرٍ في السهول الراوندية.

لو لم يمنحوا عائلتك حق اللجوء لما تمكّنتَ من دراسة الموسيقا، أو إتقان الفرنسية على طريقة جاك بريل، لم تكن لتصبحَ وريثه، ولما توالتْ عليك الألقاب والجوائز، ولما كنتَ من أفضل المغنيين الفرانكوفونيبن لولا حق اللجوء هذا، تذكّر هذا جيداً، بل عليك أن تتذكّره دائماً.

ولأننا أصدقاء سأعطيك نصيحة، لا تسمحْ للشعور بعدمِ الامتنان أن يتسللَ إلى داخلك، لا تفكّر بالماضي ولا بوالدك الذي قُتِل في صراع شعبكِ “الهمجي بالفطرة”، وتذكّرْ دائماً أن الحكومة البلجيكية التي دعَمتْ “الهوتو” ثم عادتْ ودعمتْ “التوتسي”، ثمَّ اتّخَذتْ موقف الحياد حيال المذبحة التي أشعَلَتْها، هي ذاتها الحكومة التي منَحتْ حقّ اللجوء لعائلتك، ألا يكفيكَ كلُّ هذا لتشعرَ بالامتنان والعرفان.

في اللحظة التي أكتب لك فيها هذه الرسالة، أتابع أغنية Formidable،

ما هذا يا ستروي!!

تبدو مَخمُوراً بالفِعل!!!!

ثمَّ ما أخبارُ ذلك المتشّرد الذي أطلق سؤالهُ الوجوديَّ في وجهك: “هل تعتقد أنّك وسيم؟”

هذا السؤالُ الذي دفَعكَ إلى كتابةِ رائعتكَ وتصويرها بهذه الطريقة السّاحرة، يجب أن تسأل عن أخباره ياستروي، لا تكن ناكراً للجميل، ثم إنّي أرغبُ بسماعِ أخبار هذا المُلهِم المشاغب.

تُرى هل شعرَ رجال الشرطة بالقلق حياله؟

هل اهتمَّ أحدٌ بأن يُقلّه إلى منزله؟

بالأحرى

هل وجد منزلاً؟

أم أنَّه مازالَ يصرخُ أسئلةً ملهِمة في وجه العابرين؟

هل مازال هناك؟!

أريد أن ألتقي به، وأخبره بأنّه رائعٌ وعظيمٌ ومدهشٌ، وبأنّنا مثيرون للشفقة.

لديّ سؤالٌ أرغب بِطرحه عليك، واعذرني على تطفّلي، لماذا تتحدثُ في مقطوعاتكَ عن القضايا الكبرى؟ ولما تُزعج نفسك بمكافحة العنصرية والتمييز والأسلحة ومناصرة مرضى السرطان!!!

استمتعْ بحياتك، ودَعْكَ من ذلك،

تعال نرقص alors on danse إنها أغنيةٌ رائعةٌ بالفعل، لقد رقصتُ على أنغامها بشكلٍ هستيريٍّ سابقاً،لكنّني لم أعد قادرةً على ذلك الآن، إنها لعنةُ القضايا الكُبرى يا ستروي، فلتسقط القضايا الكبرى، نريد أن نرقص وقد منحونا حق اللجوء للقيام بذلك.

أعرف بأنّك تشعر بالملل الآن لذلك سأنهي رسالتي عند هذا الحد بالإجابةِ على السؤال الذي يشغلك في هذه اللحظة:

لماذا أرسل لك هذه الكلمات؟

ربما أريد أن أخبركَ بأنني سأصنعُ فيلماً واحداً في حياتي، لن يشارك في مهرجاناتٍ ولن يحصدَ جوائز، وبما أنّ ذلك المشرَّد هو ملهِمي أيضاً، سأبحث عنه في الشوارع، وعندما أجده وأنهي تصويري معه، سوف نشرب نخب فشلِ الفيلم سويّاً ونرقص على أنغام أغنية formidable.

هل ترغب بالانضمام إلينا يا ستروي؟

لن أنتظر ردّك يا عزيزي، فقد تعوَّدتُ أن أرسل يومياً عشراتِ الرسائل والعرائض والتّرهات، دون أن أتلقى أيّ ردٍّ عليها، على الرغم من كوني عضوٌ فاعلٌ في مؤسسة “آفاز”.

 هل أنت عضو في “آفاز” يا ستروي؟

يجب أن تملأ استمارتكَ وتنضمَّ إليهم وتشارك بالنضال معنا، سوف أرسل لك بريدهم الإلكتروني، ولا داعي لشعورك بالامتنان لي لذلك، فهذه الخدمة ستكون عربونَ صداقتنا.

*****

خاص بأوكسجين


كاتبة من سورية مقيمة في بلجيكا.

مساهمات أخرى للكاتب/ة: