وصار لنا بيوت لا تمر منها السحالي والأبو بريص
لا تعرفها الفئران
لا تستيقظ فيها صراصير الليل لتسرح
صار لنا بيوت مغلقة بإحكام
لها مفاتيح بنسختين أو ثلاث ..لصفاقتها تضيع أحياناً.
كان أبي يعلمنا صيد الفئران بسهولة فائقة
(يضع كيساً من الخيش مفتوح الفم عند زاوية مشبوهة
في قلبه رغيف خبز عليه بعض قطرات من زيت الزيتون)
يراقب من بعيد
ثم فجأة يرفعه عالياً ويبتسم بخبث نادر
أحد ما يتخبط داخله إنني أشعر به تماماً في ظلمة الكيس
أشعر بورطته المرعبة
أصمت ..تخجلني الشفقة
كان يقول: الفئران تسحرها رائحة الزيت.
بينما أمي كانت
تحذرنا بحزم وإيمان: إن قتلت سحلية الشمس
لن تدعك الحمى تنام طوال الليل
لكن ولسنين كان أكثر ما يدهشني فرحتها حين ينتصر أبي على فئران المنزل.
ابن الجيران علّمني
كيف نمارس الجنس مع سحلية الشمس
كان يمسك عوداً ناعماً ويبحث عن ثقبها
ثم يقول انظر إنها تفرح من قلبها.
……
في المقبرة القريبة حيينا الموتى “السلام عليكم يا أهل القبور” كما علمونا الأحياء
ثم خلف شاهدة ضخمة تتسع لتعوّذ وبسملة ولسورة الإخلاص
خلف الشاهدة الضخمة التهمت شفتيها
كانت يدي اليمنى تتلمس قماش تنورتها المرتجف
بينما اليسرى تغطي تماما كلمة “الصمد”
للصدفة مرةً لم أفهم هذه المفردة ..
حين وصلنا كان والدها يتمتم أدعية تبدو سهلة لكنه لم يلتفت لوجودنا
وضعنا الزوّادة قربه -سقطت منها بصلة صغيرة وتدحرجت-
ثم عدنا أدراجنا إلى القبر القديم خلف الشاهدة الضخمة.
…..
نحن الذين كنا لا نملك دراجات
سرقنا دراجة الرجل الأعمى
من حيٍّ كنا نعبره في الطريق إلى البحر والمراكب المتسخة
وحين جربنا الواحد تلو الآخر.. سقطنا جميعاً
تأكدنا أن دراجته أبداً لم تكن مسحورة
كل ما في الأمر أنها كانت للابن الأكبر.. الشاب الذي مات في حرب قديمة،
عرفنا لاحقاً هذه الرواية
لكن ما أوقعنا في الحيرة
أنه كان يدللها ويمسحها كل يوم ثم يشرب الشاي قرب عجلتها الأمامية
كأنما يتجهز لينطلق بها بعد قليل.
*****
خاص بأوكسجين