خيالٌ من هواء
العدد 277 | 25 نيسان 2023
مؤمن سمير


 

رواية عبثية من زمن الثورات

عندما سقطت قطرات دماءٍ

على رأسهِ،

كان العابرُ يجلسُ سارحاً في القطار..

حزن هذه الحقيبة بالذات 

نزل عليَّ منذ بداية اليوم

وغطى أكتافي

وعندما توهجت رأسي، تذكرتُ

جريمتي القديمة..

بعدما مرت جرائمه أمامنا

بهدوءٍ وحكمةٍ،

كان العابرُ خائفاً بصدق..

بين المقاعد، كانت عيوني

تنساني

ولم أكن أملكُ إلا الرعشة..

كان مرتعشاً، العابرُ أيضاً

كأنه هذا القطار الذي يسرقُ أنفاسه

من ذكرياتٍ بلا عظام

لكنهُ مازال يُصِرُّ على تسلّق

كل شجرةٍ

ومزاحمة كل طائر..

كل هذه العيون والرؤوس والروائح

جمعها أبي

من تحت مقاعد المقهى

ودسها في جيبِ عابرٍ

كلما يلفحُ الهواء قلبَهُ

يقول أنا عجوز..

 

المكشوفون

 

النوافذُ مقفلةٌ على الأحبة..

وكلما فتحناها

تتنفسُ كفوفنا..

 

خيالٌ من هواء

 

صدقيني، الأمرُ كلهُ يخصُّكِ

أنتِ

ولا يخصُّني أنا

حتى لو كانت الحكايةُ

هي الفجوة التي تحدثُ بسببي

في العيون..

كلما حدقوا أو رموا بنظراتهم

تجاهي

اختفيتُ فجأة من الدائرة

بينما يميني وشِمالي منيران

وفوقي وتحتي..

يلفوُّنَ ويدورونَ

وضربات قلوبهم تُدَوِّي

لكني أصير لا شيء

وأعودُ لا أحد..

ربما كانَ الأمرُ عقاباً منكِ

وربما كانَ هبةً

كي أتبخَّر ببساطة

بلا مصائر تثقل روحي

ولا ذكريات تأخذُ من لحمي..

كي أُشفى من فخ الحياة

وأعود لأصلي..

وكلما دار الأمر ثانيةً

و اصطادتني نظرةٌ

ثم صرتُ أنا شبحاً

أو خيالاً من هواء..

تتنفسينَ بعمق

وتفتحين لي قلبِك الصغير

وتسيرين بثقةٍ

لتصحو الحياة..

 

خارج الحكاية

 

تُعَلِّق ابتسامتها في الهواء

لتلحق بوجهي الذي يعدو..

مزهراً، يقف وجهي

ثم ينحتُ ابتسامةً في لحمهِ

ربما يعدو وجهها خارج الحكايةِ

ربما يعودُ ويُزهِر..

 

ريشُ الحكمةِ المُلَوَّن

 

بعد أن غادرتني السفينةُ

واختفت من اللوحة

ماذا يتبقى لي؟

بعد أن غامت صورتي

في أحلام أبي الميت

وفزعت أمي من ظلي

ولم تمد يدها..

ماذا يتبقى لي؟

بعد أن سلمتُ أماناتي للمخفر

: أخذوا عَيْني اليمنى في الصباح

ونسوها في جَيْب القناص

و انتظروا لآخر السهرة

ثم دفنوا ساقي العجوز

جوار ضحكةٍ قتيلةٍ وكلبيْن..

ماذا يتبقى لي؟

بعد أن سرق رفيقي صوتي

لما صرختُ باسمكِ وسط الماء..

ماذا يتبقى لي؟

يتبقى أني أحبك..

 

*****

خاص بأوكسجين


شاعر من مصر. من إصداراته: "بورتريه أخير لكونشرتو العتمة"" 1998، و""هواء جاف يجرح الملامح"" 2000، و""ممر عميان الحروب"" 2005، و""عالق في الغَمْرِ كالغابة كالأسلاف"" 2013، و""إغفاءة الحطَّاب الأعمى"" 2016، وغيرها الكثير."