كان هو جويل فلينت بنفسه من اتصل بالعمدة ليبلغه بأنه قتل زوجته. وعند وصول العمدة ونائبه إلى مسرح الجريمة، بعد قطع مسافة عشرين ميلاً شاقة في منطقة الريف النائية حيث عاش العجوز ويسلي بريتشل، استقبلهما جويل فلينت بنفسه عند الباب ودعاهما للدخول. كان فلينت أجنبياً من قبائل اليانكي جاء إلى ريفنا قبل سنتين بوصفه عاملاً مشرفاً على مقصورة القمار، وهي حجيرة مضاءة تحتوي على دولاب روليت يدور مقابل مسدسات وشفرات وساعات وآلات الهرومونيكا الموسيقية مطلية جميعاً بالنيكل، تجوب في كرنفال جوال الشوارع. وكان هو الوحيد الذي بقي بعد مفارقة الكرنفال الريف، وبعد شهرين تزوج من ابنة بريتشل الوحيدة الباقية على قيد الحياة: تلك العانس البلهاء التي تقترب من الأربعين والتي تشارك أباها في مزاجه العكر والعنيف وطبيعته القريبة من طبيعة الناسكين وتعيش في المزرعة الصغيرة الخصبة التي يمتلكها.
لكن حتى وبعد الزواج، وضع العجوز بريتشل الحواجز بينه وبين صهره. بنى منزلاً صغيراً لهما على بعد ميلين من منزله، حيث كانت الابنة تربي الدجاج وتبيعه في السوق. سرت إشاعات أن العجوز بريتشل، الذي قلما يذهب إلى أي مكان في كل الأحوال، لم تطأ قدمه البيت الجديد على الإطلاق، ولذلك كان يرى ابنته الوحيدة المتبقية مرة في الأسبوع فقط، عندما كانت تستقل هي وزوجها أيام الآحاد الشاحنة المستعملة التي يبيع فيها الصهر الدجاج ويذهبان لتناول العشاء مع العجوز بريتشل في البيت القديم الذي يتولى العجوز الآن مهام الطهي والأعمال المنزلية. قال الجيران إن السبب الوحيد الذي جعل العجوز يسمح لصهره بدخول المنزل هو إعداد ابنته وجبة لائقة وساخنة مرة واحدة في الأسبوع.
ولذلك، وعلى مدار السنتين التاليتين، كان يمكن رؤية الصهر أحياناً في جفرسون أو في العاصمة ولكنه كان يتواجد أكثر في منطقة تقاطع الطرق قرب منزله. كان رجلاً في أواسط الأربعينيات، ليس قصيراً أو طويلاً (في الواقع كان يماثل حماه في طوله). وجهه بارد ومتهكم وفطن، كان يروي بصوت رخيم قصصاً كثيرة عن قريته التي لم يرها أحد من سامعيه. كان يتنقل بين مدن لم تطل إقامته في أي منها، وحظي في الشهور الثلاث الأولى من إقامته بإعجاب السكان الذين أبهرتهم طريقة حياته التي ادعاها. واشتهر بإحدى عاداته الشخصية وعرفته المقاطعة بأكملها بها حتى الأشخاص الذين لم يرونه مطلقاً. بدت هذه العادة جنوحاً شرساً ومحتقراً، من دون سبب أو مناسبة، مختلفة عن عاداتنا الشائعة في الجنوب المتمثلة بشرب الويسكي ممزوجاً بالسكر والماء. كان يطلق على هذه العادة نعت الشراب المخنث، شراب الأطفال، فقد كان يشرب الويسكي القوي غير القانوني وغير المعتق، المصنوع منزلياً من الذرة من دون حتى رشفة ماء بعده.
اتصل في صباح الأحد الماضي بالعمدة ليخبره بقتله لزوجته، وقابل المسؤولين عند باب حميه قائلاً: “لقد حملتها إلى المنزل. لذا لا ضرورة لإخباري بوجوب عدم لمسها لحين وصولكم.”
قال عمدة البلدة: “كان من الصواب برأيي إخراجها من تلك القذارة. لقد كان حادثاً، هذا ما ستقوله حسب ظني.”
قال فلينت: “أنت على خطأ إذن”. “قلت إنني قتلتها”.
كان هذا كل ما في الأمر.
اقتاده العمدة إلى جفرسون ووضعه في زنزانة السجن. ثم جاء بعد العشاء ووقف إلى جوار باب غرفة المكتبة حيث كان الخال كيفين يشرف عليّ أثناء تلخيصي لإحدى القضايا. كان الخال كيفين محامي مقاطعة وليس محامي الإقليم، تربطه صداقة قوية مع العمدة الذي تزيد سنوات خدمته عن سنوات خدمة الخال كيفين بوصفه محامي مقاطعة. كانا صديقين كأي شخصين يلعبان الشطرنج معاً، رغم تعارض أهدافهما أحياناً. وقد سمعتهما في أحد الأيام يناقشان أحد المواضيع.
قال العمدة: “تهمني الحقيقة”
قال الخال كيفين : “وأنا أيضاً، إنها نادرة جداً، إلا أنني أهتم أكثر بالعدالة والبشر.”
سأل العمدة: “أليست الحقيقة والعدالة أمراً واحداً؟”
قال الخال كيفين: “متى كان ذلك؟ ما أعرفه حسب خبرتي أن الحقيقة هي أي شيء تحت الشمس، وقد رأيت العدالة تستخدم أدوات وأساليب لا أرغب بلمسها حتى بقضيب سياج طوله عشرة أقدام.”
أخبرنا العمدة عن قضية القتل، كان واقفاً كطيفٍ فوق ضوء المكتب، رجل ضخم بعينين صغيرتين حادتين يتحدث إلى الخال كيفين، ناظراً إلى شعره الأبيض ووجهه النحيل، بينما كان الخال كيفين جالساً وقد صالب قدميه على المكتب يمضغ قطعة من غليونه المصنوع من الذرة، بينما يلف ويحرر سلسلة ساعته حول إصبعه وعليها رمز مفتاح منظمة “فاي كابا فاي” الذي حصل عليه في هارفرد.
“لماذا”، سأل الخال كيفين.
قال العمدة: “سألته بنفسي ذات السؤال، فأجابني: لماذا يقتل الرجال زوجاتهم؟ لنقل من أجل التأمين.”
قال الخال كيفين: “غير صحيح، النساء يقتلن رجالهن لغرض شخصي فوري، بوليصات التأمين أو ما قد يعتقد بأنه تحريض أو وعود رجل آخر. الرجال يقتلون نساءهم بدافع الكره أو الغضب أو اليأس، أو لإرغامهن على الصمت، فلا الرشوة ولا حتى الغياب العادي يستطيع لجم لسان امرأة.”
قال العمدة: “هذا صحيح”. غمز بعينه الصغيرة الخال كيفين، “بدا أنه يريد دخول السجن. ولم يسلّم نفسه ليعتقل لأنه قتل زوجته، بل قتلها ليعتقل ويزج بالسجن. طالباً الحماية.”
“لماذا؟”، سأل الخال كيفين.
“من الصحيح أيضاً” قال الشريف. “حين يتعمد المرء إيصاد الأبواب خلفه، فهذا يعني أنه خائف. وماذا عن من يدع لها بطواعية أن توصد متهماً بجريمة قتل…” رمق الخال كيفين بنظرة حادة لعشر ثوانٍ كاملة، في حين بادله الخال كيفين النظرة ذاتها. “لأنه لم يكن خائفاً حينها أو في أي وقت. قد تقابل من وقت لآخر رجلاً لا يهاب شيئاً. لا يخاف حتى من نفسه. هو من هذا النوع.”
قال الخال كيفين: “إن كان يدفعك دفعاً لتقوم بذلك، لماذا تفعل ذلك إذن؟”
“أتعتقد بأنه كان عليّ التريث قليلاً.”
تبادلا النظرات للحظة، كان الخال كيفين قد توقف عن التلويح بسلسلته الآن. قال له “حسناً”.
” العجوز بريتشل—”
قال العمدة: “كنت سأصل إلى هذه النقطة، لا شيء.”
قال الخال كيفين : “لا شيء؟ أنت لم تقابله حتى؟ أخبرنا العمدة عن ذلك أيضاً، وشرح كيف كان واقفاً مع النائب وفلينت على الشرفة، ورأوا فجأة العجوز ينظر إليهم عبر النافذة، بوجهه الصارم الحانق، حدق فيهم من خلال الزجاج للحظة ومن ثم اختفى، مخلفاً انطباعاً من الارتياح العميق، وانطباعاً بشيء آخر…
سأل العمدة: “الخوف؟” قال: “كلا، لم يكن خائفاً، دعني أخبرك.” “تقصد بريتشل؟” نظر هذه المرة إلى الخال كيفين لفترة طويلة إلى أن قال الخال كيفين أخيراً:
“حسناً، أكمل” فتحدث العمدة عن كيفية دخولهم إلى المنزل والردهة وكيف توقف وطرق على الباب المقفل للغرفة حيث رأوا الوجه، ولم يلقوا أي جواب حتى بعد مناداتهم لاسم العجوز بريتشل. كما شرح كيف دخلوا ووجدوا السيدة فلينت على السرير في الغرفة الخلفية والطلق الناري بادٍ في عنقها، وكانت شاحنة فلينت المهشمة مركونة إلى جانب الدرج الخلفي، كما لو أنهم قد نزلوا منها للتو.
قال العمدة: “كان هناك ثلاثة سناجب في الشاحنة، يمكن القول بأنه تم إطلاق النار عليها منذ النهار، وكان الدم على الدرج وعلى الأرض بين الدرج والشاحنة، كما لو أطلق عليها النار من داخل الشاحنة. كانت البندقية والطلقة بداخلها موجودة على باب الغرفة، بالوضعية التي عادة ما يضعها المرء لحظة دخوله إلى المنزل. كما أخبرنا كيف عاد العمدة إلى القاعة وطرق من جديد على الباب—
قال الخال كيفين: “مقفل من الداخل أم من الخارج؟”
قال العمدة: “مقفل من الداخل”. صرخ ووجهه على سطح الباب المقفل وكان سيكسر الباب لو لم يستجب السيد بريتشل ويفتحه، لكن العجوز صرخ بصوته الأجش الغاضب:
“اخرجوا من بيتي! خذ هذا القاتل واخرج من منزلي”.
قال النقيب: “عليك الإدلاء بأقوالك.”
صرخ العجوز: “سأدلي بأقوالي عندما يحين الوقت. اخرجوا من بيتي، جميعكم!”
وشرح كيف أن العمدة طلب من النائب أخذ السيارة وإحضار أقرب جار، وانتظر مع فلينت إلى أن عاد النائب ومعه رجل وزوجته. ومن ثم جلبوا فلينت إلى البلدة واحتجزوه واتصل العمدة بمنزل العجوز بريتشل فرد جاره وأخبره أن العجوز لا يزال في الغرفة وقد أقفل بابه، رافضاً الخروج أو حتى الرد، آمراً الجميع (وكان بعض الجيران قد وصلوا بعد سماعهم بالمأساة) بالمغادرة. لكن بعضهم بقي في المنزل، متجاهلين كل ما يقوله العجوز أو يفعله، فالجنازة غداً.
قال الخال كيفين: “هذا كل ما في الأمر؟”
قال العمدة: “هذا كل ما في الأمر. فقد كان الأوان قد فات”
قال الخال كيفين: “على سبيل المثال؟”
“مات الشخص الخطأ”
قال الخال كيفين: “هذا وارد”
“على سبيل المثال؟”
“منجم الطين ذاك”
“أي منجم طين؟” كانت جميع البلدة تعرف بمنجم العجوز بريتشل، حيث يتم تشكيل ذلك الطين الطيّع وسط مزرعته، واستفاد سكان القرى المجاورة منه عبر صنع الفخار الخام. كان باستطاعتهم حفر قسم كبير منه قبل أن يراهم العجوز بريتشل ويطردهم. واستخرج صبيان آثار أجيال عديدة من الهنود والسكان الأصليين، رؤوس السهام الصوانية والفؤوس والأطباق والجماجم وعظام الفخذ والأنابيب، وقامت مجموعة من باحثي الآثار القادمين من جامعة الولاية بأعمال الحفر في المنجم قبل عدة سنوات إلى أن وصل العجوز بيتشل وبيده بندقية هذه المرة. لكن الجميع يعرف ذلك، لم يكن هذا ما يرمي إليه العمدة، اعتدل الخال كيفين في جلسته على الكرسي ووضع قدميه على الأرض.
قال الخال كيفين: “لم أسمع بهذا”
قال العمدة: “هذه معلومة معروفة هناك. يمكنك في الحقيقة تسميتها بالرياضة المحلية في الهواء الطلق. بدأت منذ ستة أسابيع. إنهم ثلاثة رجال من الشمال، كانوا يحاولون شراء المزرعة بأكملها من العجوز بريتشل للحصول على المنجم وتصنيع نوع من المواد الطينية التي تسهم في تعبيد الطرق، حسب علمي. كان الناس هناك يراقبونهم وهم يحاولون شراءه. الشماليون على ما يبدو هم الوحيدون في البلاد الذين يجهلون استحالة قبول العجوز بفكرة بيعهم الطين، فما بالك بفكرة بيع المزرعة.”
“قدموا له عرضاً بالتأكيد”
“كان عرضاً جيداً. فقد ارتفع سعرها من مئتين وخمسين دولاراً إلى مئتين وخمسين ألفاً، بحسب الشخص الذي روى القصة. عجز الشماليون عن إيجاد طريقة للتعامل معه. ربما لو قالوا له إن جميع سكان القرية لا يؤيدون فكرة بيعها، لكان باعها قبل العشاء.” حدق في عيني الخال كيفين من جديد. “الشخص الخطأ قد مات إذن، كما ترى. لو كان الأمر يتعلق بمنجم الطين فهو اليوم أبعد من البارحة عن نيل ذلك. كانت الوسيلة للوصول إلى مال حميه بعيدة المنال بعد تحقق أمنيات وآمال وأحاسيس فتاة بلهاء. ثمة الآن حائط سجن، وحبل مشنقة على الأرجح. هذا غير معقول. لو كان يخشى من احتمال وجود دليل، لكان دمره قبل وجوده. لقد وضع لافتة مكتوب عليها “راقبني وسجل ما أفعله”. أرسل رسالته ليس إلى المقاطعة والولاية فحسب بل إلى جميع الناس في كل مكان ممن يؤمنون بما يقوله الكتاب “لا تقتل”- ثم ذهب وأغلق الباب على نفسه في المكان المخلوق لمعاقبته على هذه الجريمة ومنعه من ارتكاب أخرى، ثمة خطب ما.”
“آمل ذلك”، قال الخال كيفين.
“هل تأمل ذلك؟”
“أجل، هناك خطب ما في ما حدث، وإلا فما كان الأمر قد انتهى بعد.”
قال العمدة: “كيف لم ينته؟ كيف ينهي ما يرغب بإنهائه؟ ألم يحتجز في السجن، مع الرجل الوحيد في المقاطعة الذي من الممكن أن يساعده ويطلق سراحه لكونه والد المرأة التي اعترف بقتلها؟”
قال الخال كيفين: “هذا ما يبدو عليه الأمر، هل هناك بوليصة تأمين؟”
قال العمدة: “لا أعلم، سأكتشف ذلك غداً. لكن ليس هذا ما أود معرفته. أود أن أعرف لماذا يريد احتجازه في السجن. لأنه كما أخبرك لم يكن خائفاً حينها ولا في أي وقت آخر. أنت تعلم الآن من كان خائفاً.”
لكن لم يحن وقت معرفة الجواب بعد. وكان هناك بوليصة تأمين. ولكن عندما عرفنا بالأمر، حدث شيء آخر أفقد مؤقتاً كل شيء صوابه. في وضح النهار من صباح اليوم التالي، عندما ذهب السجان لتفقد زنزانة فلينت، كانت فارغة. لم يكسر القفل، خرج من الزنزانة بطريقة عادية، خارج السجن، خارج البلدة وخارج البلاد على ما يبدو. دون أن يترك أثراً، أو إشارة، لم يره أحد ولم يُشاهد أي شخص يشبهه. لم تكن الشمس قد أشرقت بعد عندما سمحت للعمدة بالدخول من باب غرفة المكتبة، كان الخال كيفين جالساً في السرير عندما وصلنا إلى غرفته.
قال الخال كيفين: “العجوز بريتشل، لقد تأخرنا كثيراً.”
قال العمدة: “ما خطبك؟ لقد أخبرتك البارحة أن الأوان قد فات لحظة وضع يده على الزناد الخطأ. وليكون بالك مرتاحاً، لقد أجريت اتصالاً هاتفياً. كان في البيت عشرات الناس ممن أمضوا طيلة الليل مع السيدة فلينت، بينما العجوز بريتشل داخل غرفته وكأن كل شيء على ما يرام. سمعوه يضرب ويركل قبل بزوغ النهار، طرق أحدهم الباب واستمر بالطرق والمناداة عليه إلى أن شق الباب أخيراً بمسافة تكفي لأن يلقي المزيد من الشتائم ويأمرهم بالخروج من منزله والبقاء خارجاً، ثم أقفل الباب من جديد. تلقى العجوز ضربة موجعة على ما أظن، لا ريب أنه رأى الجريمة عند وقوعها. لا شك أنها ضربة موجعة لشخص بعمره، طرد السلالة البشرية برمتها من منزله باستثناء الفتاة البلهاء، إلى أن استسلمت بدورها وتركته، مهما كلف الثمن. لا أعجب حتى من زواجها برجل مثل فلينت. ماذا يقول الكتاب؟ “من يعيش على السيف لابد وأن يموت به؟” فالسيف في حالة العجوز بريتشل هو أي شيء استعاض به العجوز عن الكائنات البشرية، عندما كان لا يزال شاباً معافى قوياً لا يحتاج لأحد. لكن اطمئن، لقد أرسلت براين إيويل قبل ثلاثين دقيقة وأخبرته بألا يفارق ذاك الباب المقفل، أو العجوز بريتشل نفسه إن خرج منه- ألا يغيب عن نظره إلى أن أطلب منه ذلك، وأرسلت بن بيري وآخرين إلى بيت فلينت وطلبت من بن الاتصال بي. سأتصل بك لدى ورود أي شيء، وسترد أخبار بالتأكيد، ذلك أنه اختفاء رجل. قبض عليه بالأمس عقب خطأ ارتكبه، فالشخص الذي يستطيع الخروج من ذلك السجن بالطريقة التي خرج فيها سيرتكب حتماً خطأين أثناء خمسمائة ميل تفصله عن جفرسون أو حتى ميسيسبي.”
قال الخال كيفين: “خطأ؟” “لقد أخبرنا هذا الصباح عن سبب رغبته بالمكوث في السجن.”
“ولمَ؟”
“ليتمكن من الفرار منه.”
“ولماذا يخرج مجدداً، كان بوسعه البقاء خارجه والهرب عوضاً عن الاتصال بي وإعلامي بأنه ارتكب جريمة؟”
قال الخال كيفين: “لا أعرف.” “هل أنت متأكد من أن العجوز بريتشل—”
“هل أخبرتك بأن بعضهم استطاع صباحاً رؤيته والتحدث إليه من خلال شق الباب الموارب؟ لربما براين إيويل الآن جالساً على كرسي مسنود إلى الباب، أو لنقل نأمل بأن يكون كذلك. سأتصل بك إن سمعت شيئاً. لكن كما سبق وأخبرتك، سيكون هناك أخبار.”
اتصل بعد ساعة، كان قد تحدث إلى النائب الذي فتش منزل فلينت، واكتشف أن فلينت كان هناك في الليل، فقد فتح الباب الخلفي، وكسر أحد المصابيح وهو يتلّمس طريقه في الظلام وتناثرت القطع على الأرض، ووجد النائب خلف الشاحنة المحطمة الكبيرة التي فتحت على عجل ورقة ملفوفة كان قد استخدمها على ما يبدو لإنارة المكان أثناء بحثه داخل الشاحنة- قصاصة ورق مزقت من إعلان—”
قال الخال كيفين: “أية ورقة؟”
قال العمدة: “هذا ما قلته، وقال بن “حسناً، أرسل شخصاً آخر إذن إلى هناك، إن كانت قراءتي لا تناسبك. كانت قصاصة من الورق التي مزقت على ما يبدو من إحدى زوايا إعلان مكتوب بلغة إنكليزية أستطيع حتى أنا قراءته—” وقلت له: “قلي بالضبط ماذا تحمله بين يديك.” وفعل ما طلبته منه. إنها صفحة، من مجلة أو ورقة صغيرة تسمى “بيللبورد” أو ربما “البيللبورد”. يوجد على الصفحة الكثير من الأشياء لكن بن لم يستطع قراءتها لأنه أضاع نظارته في الغابة بينما كان يطوق المنزل لإلقاء القبض على فلينت متلبساً بما كان يقوم به حينها، ربما كان يجهز الفطور، ربما. هل تعلم ما هو؟”
قال الخال كيفين : “نعم”
“هل تعلم ما معنى هذا، ماذا كان يفعل هناك؟”
قال الخال كيفين : “نعم، لكن لماذا؟”
“حسناً، لا أستطيع إخبارك. وهو لن يخبرك قط. لأنه رحل يا كيفين. سنلقي القبض عليه- شخص ما سيفعل، أقصد شخص ما في مكان ما. لكن هذا لن يحدث هنا، ولن يكون ذلك بسبب هذه الجريمة. الجريمة تشبه ضحيتها المسكينة، نصف بلهاء، غير مهمة بالشكل الكافي حتى بالنسبة لتلك العدالة التي تدعي أنها أهم من الحقيقة، غير مهمة لدرجة تحتم الانتقام لها.”
(يتبع في العدد المقبل)
_______________________________
القصة من مجموعة قصصية بعنوان “التضحية بجندي الفارس” الصادرة أخيراً عن دار نينوى في دمشق.
*****
خاص بأوكسجين