حين امتلكنا بيتًا وعائلة!
العدد 215 | 04 تموز 2017
إجلال البيل


ما لا يمكن تحمّله في قوقعة صغيرة تسمى”البيت”

صوت الكاسات وهي تمتلئ بالشاي

الضوء الذي يخترق النافذة الصدئة

الأحلام التي تجعلك تتماهى مع صورتك المعلّقة في جدار غرفتك

ما هو البيت إن لم يكن أرضاً شاسعة تُلقي نفسك على أرضها وتتدحرج مثل أرنب بري

كنا نحلم بالبيت وجاء

حتى أصبح سجنًا خانقاً

بيتنا الصغير

غرفه الضيقة

حجرته الأكثر ضيقًا

هذا الضيق الذي يتكاثر تدريجيًا كلما ارتفعت الأصوات

 الأصوات الخائفة

الأرواح الهشة المغلّفة بورق لا يكاد يظهر لونه

فقط صوت تمزّقها حينما يقترب أحد

كبرنا وظل هذا البيت نفسه

لم يكبر قيد أنملة

كبرت الأنفس العذبة وتزاحمت الأحلام الغثة

جاءت العائلة

طوّقتنا بأحكامها البائسة وصارت هي النافذ في أدمغتنا

لم يكن هنالك وطن

كانت أرضاً عشوائية بطريقة ما اختلطت مع المياه فصار ما يسمى وطن

كُنا نكبر كل لحظة

في العشرين أصبحت أرواحنا في الخمسين

بدأ ذكاؤنا الفطري يخفت حين وصلنا منتصف العشرينات

ذهبنا ل مارتن باج وكيف أصبحت غبيًا لتفادي القهر، حكمة العقل المُتعِب، وضجيج الأسئلة في المخيلة

تتبّعنا الجداريات

العبارات الملقاة في الطرقات

في الجدران المنخفضة والمرتفعة

وضعنا العقل جانبًا وتهنا في القلب

ولم يكن امتلاك القلب إلا حيلة شقيّة تصفعنا كل لحظة

لتجعل البكاء هو الخيار الأول والأخير

تُهنا في هذا البيت

تركنا ماركيز يطرق النافذة بعباراته الروائية

كافكا ينتحب وهو يحاول إرسال رصاصة للمكتئبين الحيارى

تركنا الحب على عتبة الباب وسيمون تصرخ اقرأوا قصائدي العاشقة

كنا نحلم بالسفر

بهوية جديدة، عنوان جديد

اسم لا يكترث أحد لمعناه

أصدقاء لا يسألونك ما سبب هذه الندبة في جبينك

وربما منفى آخر لا يصوب أحدهم رصاصة صوب قلبك

البيت يناقض السفر

السفر/

حيلة غبية للهروب

الهروب/

 صوت قلبك الضعيف

ما الذي أودّ قوله في هذه الزاوية الضيقة؟

دقّات قلبي المتسارعة وهي تهفو لخيال عناق لا يأتي

لرشة عطر تفقدني الذاكرة

الذاكرة/

الشقاء الأعظم الذي يُذكِّرنا كم نحن تافهون، مجرمون وتعساء تائهون

مازال البيت هو النافذة

السلاح الموجّه إلى رؤوسنا

لم يكن البيت فقط مكانا للنوم والأكل والشرب، وتبادل النكات وارتفاع الأصوات بالضحك وحكاية القصص بمختلف أنواعها، لم يكن فقط لممارسة العلاقات الجنسية بكافة أشكالها وإنجاب الأطفال

هؤلاء الأطفال الذين سيتمرّدون في النهاية تاركين خلفهم جروحاً لا تبرأ

لم يكن وظيفة البيت هكذا فقط

يصبح البيت مع الوقت اللعنة الأكبر، إصبع وسطى موجهة نحوك كل لحظة

البيت رصاصة في قلبك

العائلة وهمٌ ستتركه مع مرور الوقت، بل نهاية الوقت حين تشعر ألّا جدوى من وجودك فيه سوى صوت ال “آه”

حين امتلكنا بيتًا

كنا ننتهي ببطء

ببطء

مثل دودة تنخر في جسدك لا تنتبه لها إلا عندما تصبح ضئيلاً حينها لن يراك أحد!

لا تبحث عن بيت

لا تبحث عن عائلة تمنح لنفسها الحق بأن تملكك

لا تبحث عن أطفال سيصبحون نسخة أخرى منك

لا تبحث عن أحدٍ وكن وحيداً

حين يطعنك الوقت، الزمن، الذكريات

سوف تموت سريعًا دون دموع دون آهات، ودون وطن

دون صوت أحدهم وهو يصرخ لا تذهب

لا تبحث عن بيت

ومت سريعًا..

*****

خاص بأوكسجين

 

 

 

 


كاتبة من اليمن.