لنا ما يدل علينا من حزن البلاد:
مياه مالحة
نافذةٌ بلا جدران
وتابوتٌ يمشي لوحده.
……
في الحرب لم تنفعني أشيائي: كتبي وأساوري الفضة، أواني الطبخ الخزفية، إيصالات سداد الضرائب، وستائري المسدلة دائماً إلى أن صارت سبباً للصوص..
ولا حتى شجارُ نساءٍ ضائعاتٍ في الشارع نفعني، ولا كرة الصوف التي غيرت إتجاهها في شتاءاتنا الباردة..
فانوس أمي المهمل في القامشلي وضوءه المستلقي في عين أبي..
كُل هذا لم ينفعني
وأنا أُغلق التابوت على كل ما كان يكفيني من هذه الدنيا!
……
كأي عابرٍ في بلد اللجوء
متورم القدمين
أسيرُ حافياً
بلا حذاء
كي لا أدهس قناعاتي القديمة
قناعاتي التي تركتها كحرفِ نداء، توقد حطباً للمسافات الفاصلة بيني وبين تلك البلاد.
…….
وأنا في الحرب أدندن نشيداً كاملاً نام في طريقي، إنه يبكي معي كطفل هجرته أمه، حين سكنها هاجس البحر، البحر الذي تلوّن بأشلاء كائناتٍ مارست وما زالت تمارسُ نشاطها اليومي على شطٍ صفعَ عيني طفلٍ في لحظةٍ حادة .
….
البلاد التي تطاردنا بموسيقاها، بانبساط طبيعتها، وألحان حضارة لم توصد باب المتاهة جيداً
ستكبرُ معنا هنا
بالملامح ذاتها
ببطاقة اللجوء ذاتها
وبذات الخطيئة
ترسم لنا شاهدة قبر يلمُ غربتنا كموتى أجادوا الحزن بلا حذاء.
…….
كيف لنا أن نتعافى من الحرب؟
من سقفٍ مفتوحٍ لا هواء فيه
من شِعاراتُ القادة المتخمة
كيرقاناتٍ معلقة برائحة القدمين، برصاصةٍ دفنت رأسها في مستنقعٍ مترهل
وكيف للمدن أن تتعافى من فوضاها ،كامرأةٍ تتفقدُ مطبخها من دونَ أن تجهشَ بالبكاء ولو لمرةٍ واحدة.
….
البلدان التي دخلناها لاجئين، تلعقُ جراحنا بدهشة، تتركُ أثراً لأضواء منارة بعيدة، تُقلبُ الماء فينا وتبصقُ كل الانزياحات التي حلقت بمساحات الروح وهي تلغينا، تعطسُ بنا كذخيرةٍ نامت في جيب الحرب لسنوات..
الحرب دمية قضمت أحذيتنا وأضاعت طريق عودتها بعد كل هذا الخراب، تأخذُ شكل الضياع الأعمى حينَ يطاردنا كدخان سجائرنا وهو يتلاشى عند حائطٍ مسدود.
*****
خاص بأوكسجين