حوار حي ومباشر: سمير قسيمي
العدد 196 | 10 آب 2016
خالد بن صالح


تسعى أوكسجين إلى ضبط عوالمكم متلبسة بما تصوغه من إبداع وتتوهج فيه وهي تعيش وتحيا، على شيء من العفوية ومن دون تحضير مسبق سوى تحديد موعد للقاء في مربع “الشات” على “الفايسبوك” لنمضي في دردشة حية ومباشرة: سؤال فجواب، أسئلة سريعة خاطفة وإجابات أتطلع لأن تكون سريعة مكثفة أيضاً، كما لو أنه حديث ودي وشيّق يجري في حانة أو مقهى، أو حديث يخرج من حيث لا ندري في مشوار لا نريد له أن ينتهي.

الحوار ها هنا مع الروائي الجزائري سمير القسيمي فهلموا إليه:

 

نبدأ من كتابك السابع الصادر مؤخراً “كتاب الماشاء، هلابيل.. النسخة الأخيرة” وبعد التهنئة، هل هي عودة إلى روايتك “هلابيل”..؟

ليست عودة، بقدر ما هي رغبة في غلق دائرة رسمتها مع هلابيل، فلأزيد من ست سنوات وأنا أفكر في حقيقة أنني كتبت عملا غير مكتمل، على الأقل من ناحية القصة. أعتقد أنني بالماشاء خضت تجربة رائعة في بعث شخصيات خلتني لن أعود إليها، والأدهى أنني استمتعت بذلك.

 

خاصة مع الحبكة البوليسية التي رافقت أبطال الهامش، والذين أصبحت لهم كلمة في الحياة ومجريات التاريخ من خلالك؟

ليس من خلالي فحسب. لنتأمل الواقع ولننظر إلى التاريخ. صحيح أن هذا الأخير يخطه ويكتبه المنتصر، أي أن ما وصلنا هو سرد لما حصل من زاوية واحدة، تعارفنا على تسميتها بـ”الرسمي”، ولكن الحقيقة تقول أيضاً أن الهامش هو أكثر أهمية من المتن بحد ذاته. حتى الله وهو الله لم يصطفي أنبياءه من المتن الاجتماعي، بل من هامشه، فمع استثناءات قليلة، كل حملة الرسائل السماوية والرسائل الوضعية من الهامش، رعاة، نجارون، جنود عاديون… يعني أن سنة الحياة تقتضي أن يجري التغيير لا من المركز بل من المحيط. الكاتب إله بشكل ما، أليس داخل نصه يحيي ويميت ويقدر الأرزاق ويستجيب للدعوات؟.. تعجبني فكرة أننا لسنا إلا شخوص في رواية مستمرة، يخطها كاتب تعارفنا على تسميته الله، ربما حتى شخصياتنا في رواياتنا من حيث لا نعلم تطلق علينا نفس الاسم. صحيح أنها فكرة تكفر باليقين ولكنها في الحقيقة أيضا تحيل إلى يقين إنساني، يقبل بالريبة والشك كتيمتين تتعلقان بالانسان، وتمنحانا الحق في ألا نكون كاملين رغم لهفتنا لبلوغ الكمال، لا لأنه غاية فطرية، بل فقط لأننا نشعر من غير أن ندري أن بلوغنا الكمال هو الطريقة الوحيدة للتماهي مع هذا الكاتب الذي يسطر أقدارنا، حتى بلغ اليقين لدينا أن مجرد محاولة بلوغ الكمال هو سبيل معقول لفهم الذات الإلهية، وهي ذات لا تحتوينا إلا لأننا بشر، غير كاملين، نؤمن أن أهم ميزاتنا هي الذنب والخطأ وحتى الخطيئة، بمعنى نؤمن بأننا مجرد هامش.

 

القارئ لرواياتك منذ “تصريح بضياع” يلمس المصائر المأساوية التي تنتهي إليها شخوصك مع حضور قوي للحب والمرأة والجسد، إلى ماذا ترجع ذلك؟

غالباً إلى واقع أن الحياة كريهة رغم أنها تستحق أن تعاش.

 

نعود بسمير قسيمي إلى البدايات مع الكتابة، حدثنا عن شغفك الأول وكيف تراه اليوم وقد بدأت شاعراً أولا؟

صحيح، كتبت شعراً ولكنني لم أكن يوما شاعراً. أعتقد أنني كنت ناظماً جيداً، وكتبت قصائد أحسب أنها توصف اليوم بمعايير “الجميع شعراء” أنها قصائد رائعة، ولكن لنكن صادقين بعض الشيء، لقد ادعيت أنني طلقت الشعر وهي كذبة استمتعت بترديدها، فالحقيقة أنني لم أطلقه لأنه لم يرغب بي من البداية. بالطبع كان بمقدوري الاستمرار، ولو فعلت لكنت مثل المئات من الشعراء ممن أعرف وتعرف أشحذ مكانة في طابور لا أفهم سبب وقوفي به. لطالما قلت أن أفضل قرار اتخذته في الحياة هو الوقوف أمام مرآة الأدب التي حين عكستني عكست صورة روائي فحسب.

 

وحين رأيت ملامحك كروائي في تلك المرآة، كيف بدأت أول مغامرة لك مع كتابة الرواية؟

لا أدري، لطالما أخافتني الكتابة، حتى مع روايتي السابعة أشعر أنني للتو بدأت.. هل تصدق لو أخبرتك أنني منذ أول رواية أحاول أن أكتب رواية؟. في الحقيقة أنا في مرحلة الإحماء فحسب، أنا كاتب مبتدئ وفي بداياته الأكثر بدائية، ومع ذلك أشعر بالحيرة والفزع حين أكتشف أن ما أعتبره مسودات لروايتي التي لا تتشبه تشكل فارقاً في الإصدارات العربية. هل يجب أن أشعر بالسعادة والفخر بذلك؟ أم علي الشعور بالأسى؟.. لا أدري.

 

حيرتك هذه يترجمها الحضور المميز لرواياتك في المشهد الأدبي العربي والجزائري، كيف تقرأ هذا المشهد من موقعك؟ لاسيما وأنت صاحب آراء صادمة كأن تقول مثلاً “لا توجد مدرسة روائية جزائرية” وتنتقد أسماء بعينها تصنف بالكبيرة؟

قررت أن أكون منافقاً أقصد سأكون لبقاً بعض الشيء: المشهد متميز جداً وهناك عباقرة في الرواية، وواقع الرواية الجزائرية يشبه واقع الرواية الأمريكولاتينية، وأنه لا تمر سنة إلا ونقرأ روائع الروايات، وأنني أفخر بكل روائيينا الجزائريين الذين أعتبهم تجاوزوا أزمنتهم.

 

أعرف أنك لست كذلك ولن أقبل بإجابة كهذه، حتى لو ترجمتها إلى جميع لغات العالم؟

حتى لو ترجمتها إلى العبرية؟ ثم أدعي أنه ليس تطبيعاً؟ بيني وبينك لن تعتبره تطبيعاً لو كان اسمي واسيني الأعرج أو أحلام مستغانمي.

 

لا تستطيع أن تنكر انتقادك “اللاذع” لمستغانمي وواسيني وبوجدرة مثلاً من خلال نصوصهم أو مواقفهم التي أطلقتَ عليها صفة “الردة” ما قولك؟

أنكر؟ لم أذكر أنني تراجعت عن موقف أبنيه عن قراءة وقناعة.. مع احترامي لواسيني الأعرج ولأدبه الذي فيه الجيد والرائع، أعترف أنني كرهت بعض أعماله معظمها بعد طوق الياسمين، وأكره أكثر استغلاله لنفوذه لخدمة مصالحه الشخصية ومصالح ذويه، تماماً كما فعل حين تدخل ليعرض فيلم ابنته في أحد المهرجانات الوطنية. أكره استماتته في الجوائز، واستغلاله لصورته ليفرض نفسه في كل التظاهرات الوطنية ولو على حساب سواه، ورغم كرهي لكل ذلك لا أشكك في روائيته، وحدها أحلام من أعتقد أنها متوهمة وغير حقيقية تماماً.

 

وبوجدرة؟

روائي عظيم وإنسان بائس ومقيت.

 

أعلنت منذ أيام طلاقك مع المؤسسة الثقافية الرسمية، بعد أن كنت مشرفاً على مشاريع ثقافية لا يبدو أنها ستستمر، إلى أي مدى يتحكم الارتجال وغياب الرؤية في هكذا مشاريع، إذ يصعب الحديث عن تقاليد أدبية هي ما نفتقد في الجزائر؟

في الحقيقة أنا مصدوم تماما وأفضل الصمت.

 

قد تمثل الجوائز في عالم الأدب قيمة مادية وإعلامية تضاف لمسار الكاتب الإبداعي، كيف تقرأ واقعها عندنا وفي العالم العربي؟

الجوائز مجرد حدث عادي في مسار أي كاتب، لا أعرف سبب تهافت الإعلام والكتاب عليها. بالنسبة لي قد تنتقص الجائزة مني وإذا فزت بها فأنا من يمنحها قيمة وليس العكس.

 

روايتك الأخيرة صدرت عن دار المدى العراقية وفي طبعة جزائرية عن المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، بعد 6 روايات مع الاختلاف بالشراكة مع داري العربية للعلوم وضفاف اللبنانيتين، ما الذي ينتظره الكاتب من دار النشر؟

الدعم والإيمان به، ولا بأس ببعض المغامرة.

 

تدور جل أحداث رواياتك في مدينة الجزائر العاصمة، ماذا تمثل لك المدينة وإلى أي حد المدن مظلومة في كتابات أدبائنا؟

لي مع العاصمة وأحيائها وتفاصيلها حميمية خاصة جدا، فللمكان بالنسبة لي رائحة أميزها وأحسن رصدها في معظم الأحيان. أعتقد أن لكل مدينة هوية، ولكل حي شخصية وذات مستقلة عن سواها، وهو ما لا أستشعره في كتابة الجزائريين للأسف، وكأننا مصابون بحالة من انعدام الشخصية.

 

تقول :”أكتب لأنني أحب أن اكتب” وكما يؤكد بوكوفسكي في إحدى قصائده: “إذا لم تخرج منفجرةً منك، برغم كل شيء فلا تفعلها”، كيف يكتب سمير قسيمي نصه؟

أكتبه بالمتعة وبالكثير من اللامبالاة.

 

وما هي الأجواء التي تكتب فيها؟

احتاج للّيل ولعلبة سجائر رخيصة وفنجان بن بارد ومصروف اليوم الموالي.

 

الكتابة “ما تْوَكلّش الخبز” كما نقول في بلادنا، كيف تخوض هذا التحدي؟

أخوضه بالحلم وبحقيقة أن الكتابة حلم يستحق أن نسعى إليه. أنا لا أذكر أنني حسدت كاتباً رديئاً يملك منصباً أو مالاً، ولكني على يقين أن كل كاتب رديء ولو كان ثرياً يحسدني على رواياتي. هذا يشعرني بالسعادة دوما والحسرة على هؤلاء.

 

يتردد في رواياتك مشهد: شقة مليئة بالكتب أو غرفة تزدحم بالكتب في ظل قلة المكتبات في الجزائر من أين يروي سمير عطشه للقراءة؟

من مقتنياتي من مكتبات الدول التي أزورها، هذا من محاسن أن تكون مرفوضاً في بلدك وملعوناً ومحبوباً لدى الغير.

 

ستشارك في مهرجان برلين للأدب بترجمة لفصول من روايتك “الحالم” بالإضافة إلى ترجمة روايتك “حب في خريف مائل” إلى الفرنسية، وكذلك “يوم رائع للموت”، ما قراءتك لهذا الاهتمام؟

أعتقد أنه اهتمام طبيعي، تشكل مع الوقت والتراكم، وهو أمر يسعدني سيما أنه جاء قبل صدور أي ترجمة، ما يعني أنه مهما كان الإقصاء، يفرض النص القوي نفسه وإن كتب بلغة ميتة.

هل من كاتب بذاته تراه جميلاً وملعوناً وتعود إليه؟ لتقرأه أو تقرأ عنه؟

نعم: كافكا

 

لديك عبارة جميلة: لهذا اليوم رائحة تشبه البداية” كيف تبدأ يومك؟

للأسف بالكثير من السأم والملل.

 

ماذا تقرأ هذه الأيام؟

حليب أسود لأليف شافاك.

 

هل من مشروع روائي قادم؟

مع أول رواية من سلسلة بعنوان سلالم، ستصدر الأولى بعنوان: سلالم ترولار.

 

وكم رواية في السلسلة؟

الفكرة ثماني روايات ولكنني لن أجزم الآن.

 

أتمنى أن يتحقق مشروعك هذا .. سؤال أخير عن مجلة “أوكسجين” الثقافية؟

أتمنى أن يستمر هذا المنبر المتميز بأقلامه ووجوهه ومواضيعه أيضاً.

*****

خاص بأوكسجين


شاعر من الجزائر صدر له "سعال ملائكة متعبين" 2010، "مائة وعشرون متراً عن البيت" 2012، و"الرقص بأطراف مستعارة" 2016، و"يوميات رجل إفريقي يرتدي قميصاً مزهراً، ويدخن L&M في زمن الثورة" 2019. و"مرثية الأبطال الخارقين" 2023.