-فصل يتيم من مسرحية شعرية مبتورة-
على مقعد في الحديقة دار الحوار التالي بين أعمى وأطرش فيما يشبه المبارزة كل بحسب إمكانياته وأسلحته رغم وجود فارق دلالي فاحش بين الخصمين اللذين زجت بهما أقدار الحرب على حلبة واحدة.
فيما كان الأعمى بوجهه الممسوح بممسحة العمى مثل سبورة سوداء يغص بكلماته ملوحا بعصاه ويده في سعيه إلى نقل ما لا ينقل، كان الأطرش ينط أمام شاشة معتمة لا تعرض حركاته البهلوانية.
بعد قليل يغادر الأعمى الحديقة رفقة الأطرش للتجول في أروقة الحرب، للاستفهام عن ماهيتها.
هذه ترجمة للأمانة غير أمينة للحوار الدائر بينهما، حيث حاول كل واحد إلصاق الأجزاء المبتورة التي في حوزته بما يحوزه الآخر لتكتمل صورة الحرب التي قفزت من الإطار فيما يشبه الكولاج. هل اكتملت الصورة ؟ هل وفق الكولاج إلى جمع شتات الصورة؟ سؤال لست معنيا بالإجابة عنه لأني تفرجت على هذا الحوار صامتا لكوني أعاني من الخرس، أعانني على حفظه دفتر مدرسي تركته طالبة هالها وجود حشد من ذوي العاهات في الحديقة العمومية.
– خذني أيها الصديق الأطرش
إلى نزهة في الحرب التي أثخنت مسامعي
خذني إلى نزهة حرب عكرت الشفوف البلوري
للمجرى الرائق في الحناجر وقنوات الدمع
صوت فيروز المتزلق بخرير أصدائه على الحصباء
– سآخذك و تأخذني يا صديقي الأعمى
إلى غرف الصوت الموصدة على صممي
إلى أصداء تكيل الصاعقة في سلال الرعود
لتكتمل صورة البرق الخاطف المليئة بالرضوض
بينما نحبس أنفاسنا خائفين لأخذ تذكار صاعق
خذني إلى آهة صغيرة تتنصت عليها مجسة الطبيب
خذني إلى حيث يختبئ الحكواتي محتالا
بتحريك صور متقافزة على رقعة خيال الظل المرعب
أمام ذهول العيون
خذني إلى صدى يخبئ الصوت في ثقوب المغاور
بجوار صغار اليمام
– ينتابني فضول العميان
هل الحرب ما ينفتح أمامي مديرا مقبض الباب
أم الحرب ما يتربص وراء الباب بمواء فاحش
ربما تتفوق هندسة الخراب قليلا
على هندسة الإعمار
بعكس منظر و أوركسترا الخراب
على جميع زوايا الجدران
لا تسأل حذاءك الباحث عن إدخال
فرار القدمين في الخطوات
إن كان يتوخى الدخول أم الخروج
فتذكرة الذهاب صالحة للإياب
قد تفاجأ بوجودك في الخارج
فيما تغلق عليك الباب بالمفتاح
كما تفاجأ بوجودك في الداخل
فيما تحكم وراءك غلق الباب
وبيتك لا يزال في بيته
قرب عمود الكهرباء
على الرصيف المقابل للحرب
غير أن المعماري أجرى تعديلا بسيطا
على واجهات الدم في الشوارع
في التمويه البارع لهندسة الخراب
أخال أن الحرب انتخبت طبلة أذني
غرفة إرسال للصخب
بمكبرات الصوت المنبهة
بترددها الفاحش البالغ التشويش
على جرس بائع الحليب الصباحي
على حميراء خائف في شجرة التوت
على مواء الأنثى في الطابق المجاور
على جلبة حافلة مدرسية تضبط إيقاع ساعتي
بيد العانس الملوحة في المجيء والرواح
لم تكن شقتي الصغيرة سوى مطحنة بن
بهديرها الذي يخلط ضجر البن بشغف القرفة
يخلط التوابل بالأصوات والذكريات
دائرا بالأكواب الساخنة على الغياب
قبل مجيء رحى الحرب المدورة قرونها
لم يبق لي سوى أن أتسلى بلعبة العميان
أن أنزع نظارتي السوداء
أن أَقْلِبَ جفوناً متورمة مقيتة الاحمرار
تخيط حيرة الأخيلة إلى انتصاب الأهداب
متصفحاً بكسل مَغيباً يصب في قزحيتي
– ينتابني قلق الأطرش
سئمت من التفرج على شاشة خرساء مشدودة
إلى ارتخاء عضلات العيون
سئمت من تحرش الضحية بتردد قناصة مرتعش
سئمت من ذهول يصفف مناديله البيضاء على حبل الغسيل
سئمت من مقتلة ترقق الدم المجفف في طواحين غزل البنات
سئمت من ارتطام القيامة بزجاج نظارتي
من دون أن أحظى بنبرة صوت
تدلني لمرة واحدة على حقيقة تهافت المشهد المعاد
لنقف ها هنا على الرصيف قرب بائع الفشار
سنتزود بكيس من الفشار بينما نتجول في أروقة الحرب
– يثيرني تقرقع حبوب الذرة في المقلاة
إنه أشبه قليلا بطنين الحرب في أذني
حين تنضج الحرب لوحدها في الصباح الأبكر
– يثيرني تفرقع الذرة عشوائي الأشكال على الحواف
إنه أشبه قليلا بتقافز الصور محمومة على شاشة خرساء
فيما يقف بائع الفشار و جنرال الحرب على السواء
في فتور مشهد مكرور يتصبب من العرق البارد
– فلنمسك ببائع الفشار من الخناق
– لنمسك بعربته الصغيرة الرخيمة الجرس
– الدائرة على الأرصفة و الطرقات
الدائرة على أبواب الحدائق والمدارس
مُوَزِّعَةً على الأولادِ الحربَ فشاراً شهياً في الأكياس
بنضوج حبوب الغضب العشوائي الأشكال في مقلاة الزيت
– يا أهالي مدينتنا الطيبين
بائع الفشار يدور على الحارات
بالحرب في الأكياس
أمسكوا بالأَفَّاقِ من الخناق
– أعطنا كيسين آخرين
– وزود الملح على الحرب في الفشار
لنكمل طريقنا
– لا تحلو النزهة في الحرب إلا بكيس الفشار
– كم عمرك الآن تحت هطول الرصاص؟
– عمر صفيحة تصويب مرصعة بالطلقات
عمر جبنة فاسدة مليء بالثقوب
إذا لم أكن مخطئا لم أبلغ سن الفطام
– كيف توصلت إلى هذا الحساب الفاتن؟
– بخصم ثقوب الحروب من الحساب
ليس بوسع اللسان أن يتذوق فراغ الخروم
حتى في قفير العسل الشهي
– ألا تكون محظوظا بالتفرج بالخطأ
على مشهد سقوط العروش و النعوش
فيما تقف بذهولك أمام دكان الاسكافي
منتظراً رتق حذاء فاحش الشروخ
لتدفع للاسكافي بسخاء متعجلاً في حذائك الإمبراطور
الناجي من سقوط العروش والنعوش
العودة سريعاً إلى البيت
لتتناول جهاز التلفاز مفرغا أحشاءه
من الأكاذيب ونشرات الأخبار
فتدس صلعة ملساء في جوفه دائرا على الغرف
بإرسال مباشر يشكر الاسكافي على تجنيب
حذائك الامبراطور سقوط العروش والنعوش
مقعدُكَ يتوسط الأولاد لسرد عمر صار كل الأعمار
بامتلاك حذاء امبراطور مدين للثقوب في النجاة من الحروب
– سؤال لا يجيب عنه الطرش أو العميان
– لنكمل طريقنا
– لا تحلو نزهة الحرب إلا بكيس الفشار
– يا للحظ السيئ؟
– انقطعت الكهرباء
– الأحرى قطعوا الكهرباء
هذا من حظنا
ثمة تكتم مطوي تحت إبط الظلام
ثمة مواء متصل ينادي على القطة التائهة
كي تعود إلى البيت
فلا تسمع القطة التائهة مستمرة في المواء
اقتربي يا قطتي الصغيرة
لأدلك على مواء يقودك للبيت
لأدل المواء على حلقات عمودك الفقري
لا تحزني
أعشاشك التي فرغت من عصافيرها
ستعود قريباً إلى الازدهار
حالما تنتهي الحرب من نشرة الأخبار الأخيرة
فتسارع عصافيرك إلى أعشاشها
عصافيرك التي تنفض بحفيفها البارود عن الأجنحة
لتسارعين إلى تقشير الزقزقة عن الريش
فلا تتوهي في الطقس السيئ
لا يتعالى مواؤك باحثا عن قطته التائهة
كي تعود إلى البيت
بينما لا تسمعين شيئا مستمرة في المواء
اقتربي أيتها الهرة التائهة
ولا تخافي من هريرك
هل عادت الكهرباء؟
– لا ليس بعد
ربما رجعت فلم تجد الأعمدة في مكانها
فأخطرت الحارس ولفافة تبغه بالتناوب على الحراسة
ريثما تعود الأعمدة من تسريح سيقانها للوقوف الإجباري
فلنسرح سيقاننا أيضا على رصيف شاغر
القطة التائهة عادت رفقة هريرها
إلى أطفال ينتظرون على الباب بصحن الحليب
– أسمع هدير عجلات قادمة من بعيد
ربما شحنة مهربة من الأسلحة أو النساء
ربما حمولة أفيون فاسدة لتنشيط الجنود
– أنت على حق حقيق
شاحنات عسكرية بلون ضفادع المستنقعات
إنها تكدس المجندين دجاجا ممتثلا في الأقفاص
تكدس مجانين و معتوهين معدين سلفا للرماد
إلى أين يذهب الجنود الذاهبون إلى الحرب؟
– إلى فرار فصيلة دم تحتسي كؤوس الشاي
بحضور جميع أفراد الفصائل على طاولة المقهى
متبادلين التبغ والنكات
قبل أن يأخذوا مواقعهم من مقتلة مقررة سلفا
رافعين بنادقهم تحية للوداع
سيقضي بعضهم في القتل المتداول مزحا باردة
فيعود من بقي على قيد القتل الحي
للجلوس على طاولة فصيلة الدم الهارب
لاحتساء كؤوس الشاي و تبادل التبغ و النكات
في حضور جميع الفصائل
– هي الحرب إذن مجرد غزل فاحش
مجرد مزحة عائلية فجة
يريد بها الكبار إيقاع الصغار للذهاب مبكرا للنوم
متفرغين لامتهان شرعي معتاد
– واحد اثنين
سر إلى الأمام
– لا تحلو النزهة في الحرب إلا بقضم الفشار
– لا يحلو الفشار إلا باستعراض الطائرات شريط الدم الفائر
مفسحا بجبينك الفنار ممرات آمنة لعبور القذائف
واحد اثنين
سر إلى الأمام
– أنا خائف جدا
أسمع فحيحا حادا يخترق الهواء
– لا أرى شيئا؟
– الزغاريد المُرَوِّعَةُ لحلقة من الأفاعي
تلصق ألسنتها المشقوقة بمكبرات الصوت
فيما ينفخ الحواة في مزمار حرب مليء بالثقوب
– التصق بالحائط
– إنها قاب قوس من شعر رأسي
إنني أتبول على ساقي
– هون على مسمع ما شق استيعابه
فإن استراقات الأذن على الدم مثل الصمم
ليس سوى موكب بهي لقذائف هاون
تخطر الهوينى
ممشطة الأرصفة و الشوارع
من رفع حظر التجول ووقف إطلاق النار
من أنباء تفر بجلودها المحترقة إلى الكذب
في هدنة مبحوحة الصافرة
اقترب من هنا
قذيفة تعانق جدع شجرة متغضن
يا لجمالها ملتصقة باللحاء
– يا الله ساخنة وممتلئة مثل ربلة عذراء
– هل تريد مضاجعتها تحت الشجرة؟
– أفضل مضاجعتها في الأحلام
– لكنها تفضل المضاجعة في العيان
– لماذا يعز وجود الفلفل في السوق؟
في مواسم الجفاف والقحط
في الأزمنة العجاف للحرب
بينما تزدهر النساء بما يزيد عن الطلب
– لأن لذيذ الحب لا يستعذب إلا في التعذيب
هكذا تتحول ثكناتنا العسكرية إلى مواخير
تسوق الحرائر سوقا غير مدفوعات الأجر
لتلبية احتياجات الجنود
كما تتحول أحياؤهم القديمة إلى بيوت دعارة
لتلبية احتياجات نساء الجنود
– مرحى للحرب
مرحى لتكافؤ شبقي
– ما لي لا أسمع الحمقى ولا المجانين
هل كفت البلديات عن تبادل أخرق
في شاحنات معدة لتسهيل نقل الحماقة وتفريغها
حفاظا على تجاور وقار الحكمة و نزق الطيش
– جميع الحمقى تعقلوا بهداية ربانية من الحرب
كفوا حتى عن هرش شعور رؤوسهم من عض القمل
يتسابقون الآن إلى حمل النعوش على الأكتاف
يجلسون في الصفوف الأولى بوقار لأخذ العزاء
– سبحانك أيتها الحرب ما أعلى شأنك
بإشعال حريق عفوي بعود قش
توصل الحمقى المتخبطين في شباكهم
إلى حل لغز خوارزميات الحماقة المستغلقة
فلينم الخوارزمي ملئ جفونه عن شوارد الجبر
– هي الحرب إذن تأتي على المنطق و الحمق
هي الحرب تأتي على المطلق و المؤقت
هل بوسعنا التعرف إلى وجه مدينتنا من جديد
بعد تعقل الحمقى الدائرين بمغزل يرقق الدهشة و الهشاشة
كيف لنا أن نستدل على زقاق غريق أو شارع تائه
من دون رنين قهقهات مترفة الإطار على المفارق
من دون زقزقة عصافير لا تكف أجنحتها على الحفيف
قبل أيام رأيت قامة عملاقة حنونة
لأبله متئد الخطى بين جموع التيه المتعجل
يُرَبِّتُ براحتيه على البداهة و ذعر الأطفال
يرتدي جميع محتويات خزانة الثياب
لأن الحرب أرادت سرقتها
دس ساقيه في جميع البناطيل
أدخل اليدين في جميع الأكمام
في الآخر البالطو الشتوي المفتوح الأزرار
قبعة صوف حمراء تُلَوِّحُ من بعيد صَفَّارَةَ إنذار
راميا بخزانة فارغة الثياب
لمقشرة حرب سهلت عبوره لتسهيل تقشيره
– إنني أراه منتصبا بقامة عملاقة
ترتدي جميع محتويات خزانة سوريا من الثياب
على شواطئ مقدونيا
على شواطئ الإغريق
ماردا يخرج للتو من عنق القمقم الغريق
مفاصلا جشع الصياد عن فرق سعر النجاة
فيما يحتال الصياد لإعادته للقمقم
ليعيده القمقم من جديد إلى العدم
فيسارع العدم في تسليمه إلى الحرب
التي تجرده من خزانة سوريا من الثياب
وترمي في وجهه بالدولاب الفارغ
– حان دورك أيها الأعمى في قيادتي
خذني إلى مكان آمن
– سآخذ إلى المكان الآمن
مكان لا يأتي الموت إليه
– هل هو بعيد عن هنا؟
– لا ليس ببعيد جدا
سوى ببعد الرصاصة عن القناصة
باقترابها من جسد الضحية
ليس ببعيد سوى بسبابة تسبق العين المجردة
إنه هناك أسفل الشجرة المؤطرة للغياب
عند انتهاء الحرب وبداية العراء
– فلنذهب إذن
– تأدب ولا تسبق عكاز الأعمى المنير
– تقدم يا شيخنا
– سر إن استطعت في الهواء رويدا
– ما هذا المكان؟
– المكان الذي لا يأتي الموت إليه
– المقبرة
– المقبرة
– ولكنها مليئة بالموتى
– لم يمت أحد هنا؟
هل سمعت بموت حفار قبور؟
بموت عميان مثلي ينشدون القرآن في المقابر
مقتاتين على اقتيات الدودة على الجثث؟
– ثم من قال إنهم موتى
الموتى هم من يوجدون خارج سورها
النفر يأتي إلى هنا لا ليموت
بل ليظل على قيد الحياة
إنه المكان الأخير المؤتمن
قد يكون من المفيد نصب شرك من التراب
تحت التراب
مُزَوَّدٍ بدرج حجري للتسلل إلى الفراغ الشاغر
مفرطا في إخفاء الغياب عن حاضر متلصص
لا لإقامة طقوس عزاء
بل لقضاء فترة النقاهة بجوار منكر ونكير
متصفحا بكسل رفوف مكتبة القيامة الدسمة
في ضيافة موت يطمئن على سلامتك من قتل طائش
فيما تسر برؤية موتك معافى على قيد الحياة
مستمتعا بعصفور فادح النحول يستدل على وجوده
في ثقب الخشب بالزقزقة
في اللحظة التي تضيء يدك شمعة في الظلام
فقط لتستدل على اليد المضيئة
سيرافقك الموت إلى هناك
حيث تقف الشجرة المُؤَطِّرَة للغياب
عند ابتداء الحرب ونهاية العراء
مُتَواعِدَيْنِ على اللقاء قبل العناق
في إصرار الموت على البقاء على قيد الحياة
– أنت تنطق بالألغاز و الأحاجي
– أيها الغبي لأطرش
لا جديد للحياة تحت الشمس
لا جديد سوى لبقاء على قيد الحياة
لا يأبه الدوري على رصيف أحذيتنا المُطارِدَةِ
لا يأبه على مساحة محظورة تعج بالفخاخ
سوى بتفريغ سفاد سريع تضيق عنه الأجنحة
رسالة حب فورية في صندوق بريد الربيع
مهما أحذق الشر بالريش
فلتكن حريصا على النجاة
حتى بعد تمكن رصاصة مُتَلَمِّظَة
من شق قلبك الضاحك من جبن القناصة
ربما تكون انهيار قبضة لا تجيد الاعتذار
إلى الهدف الخطأ في الجو الماطر
بوقوفك الأعزل على الضفة الأخرى
من الموت المبتذل
– جسارة لا يقوى عليها سوى العميان
– لأن الفرار لا يتأتى سوى لمن يوجد داخل القضبان
– ماذا لو كنت محاطا من كل الجهات
– كان حظك أوفر في الفرار
– ماذا عن الحرب الفشار؟
– تناول كيس الفشار من أقرب بائع
واجلس على رصيف الحرب
مستمتعا بمرور الشاحنات و الدبابات
بمجندين مكدسين دجاجا في الأقفاص
بمجانين و معتوهين معدين سلفا للرماد
وبصق الفشار على الطوار
على رتابة المشهد المعاد
مشيحا بوجهك عن أغنية تغرز فراشاتها المتوحشة
إبرها الرفيعة الجائعة عميقا في لحم الخدود
عما قريب
يعود الجنود إلى مقابض أبوابهم
مغلقين على بزاتهم العسكرية في خزانة الثياب
مغلقين على شارات رتبهم المبحوحة من النباح
ماسحين عن أحذيتهم الثقيلة دم الضحية المتيبس
ليتناولوا كيس الفشار من البائع الأقرب
جالسين على الطوار
متأففين من مرور الشاحنات والدبابات
بمجندين مكدسين دجاجا في الأقفاص
بمجانين و معتوهين معدين سلفا للرماد
لبصق الفشار على الحروب
لبصق الحروب على الطوار
على رتابة المشهد المعاد
– هل رأيت ما سمعت؟
– هل سمعت ما رأيت؟
– رَ
– صه
– سمعت دوي رعد في السماء
شتيت برق أكاد أستشفه على جفوني
ربما طائرات تتخفف من حمولة ثقيلة
من البراميل المعبأة بقتل يزيد عن حاجة الضحية
– لا فرق بين دوي الرعد وقصف الطائرات
ما دامت الطائرات أقرب إلى الله
من أرضنا الجاثية على ركبها
في محراب البكاء
– اقترب مني يا صديقي
لننزع نظارتينا السوداوين
لنقلب معا جفونا متورمة مقيتة الاحمرار
تخيط الحيرة إلى توحش الرموش المنتصبة
و لنحبس أنفاسنا في رهبة
ليلتقط لنا البرق صورة خاطفة
مليئة بالرضوض
كتذكار صاعق للطقس السيئ…
*****
خاص بأوكسجين