حرب كاملة مع اكسسواراتها
العدد 187 | 07 شباط 2016
راما عرفات


حبّ

يصحو في السادسة تماماً، لا يشرب القهوة ولا يستمع لفيروز أو حتى لـ الليدي غاغا، فقط يتذمر من الحياة ومما أوصله إلى هنا، ودائماً ما تخطر في باله فكرة البلاد والوحل الذي يغطي زجاج نوافذ سرافيسها، وراء تلك النوافذ يبدو العالم مثالياً بنظره.

غرفة كبيرة وضوء شمعة يزداد ثمنها كل يوم، سرير، ديوانة، طاولة، ومكتبة غير مرتبة، وكرسي تجلس هي فوقه (عادة تجلس كشجرة تنتظر صياداً يطيّر عصافيرها)، صوت أغنية لأم كلثوم، على الأرجح – أنت عمري-، حيث دوزنت خصرها على ألحانها بشكل ممتاز، هي التي سترقص بعد قليل، حين تتوقف الموسيقا تماماً ويبقى صوت الستّ هو الدليل.

هو لم يتوقف عن الاهتمام لأمرها كلّ ثلاثة أسابيع، يبتسم لها ابتسامته الباردة ليتأكد من أنها مازالت ملكه وله، فيطمئن قلبه ويعود ليغوص في أحلامه وأوهامه بأنه سيكون مشهوراً يوماً ما، بينما هي تقف خلف الستار الجانبي للمسرح، تمسك منديلاً وتمسح دموع فرحها به.

كانت تضحك وتبكي من باب الواجب، وتحدد مواعيداً للخوف عليه، تكتب أوراقاً ملونة تلفت نظرها لتطبخ له الشوربة التي يحبها، وتربط المنبه على عبارة كـ (قولي له صباح الخير حبيبي – تصبح على خير حبيبي)، فعلت أكثر من ذلك دون الإنتباه إلى أنها صارت خارج قوسين من كلمة (حبّ)

مضى عشرون وهماً ولم يتصرف كرجل ذكي بارع في فنّ الهرب، ولم يترك لها فرصة بأن تكون كجميع النساء، يصدقنَ الطرقات الطويلة والسفر.

الحبّ الذي تبهدل كثيراً بين الصراخ والصراعات والانفصالات المتتالية، تحوّل إلى شخص ثالث بكيان مستقل، مزاجي، حقير، بغيض، جميل، مهذب وخجول، وبدأ ينضج ويكبر بعيداً عنهما، بعيداً تماماً عن خطوط الهاتف والهدايا والأغاني والشعر والكلمات.

نسيا الحب تماماً بينما حفظا اسمه جيداً،

واستمرا في الغرق.. الغرق.. الغر..رق 

*** 

 

“خيطان الملاحف”

المكان: هناك حيث على الأبناء مهما كبروا أن يظلوا أصغرَ وأقصرَ وأقلَ وزناً وفهماً من آبائهم.

 

مات زوجها مبكراً وتركها وحيدةً مع أربعة أطفال أعمارهم الصغيرة توحي بأنهم أربعة قرود، كانوا يومياً يجلبون مشاكل كبيرة إلى البيت بعضها وجدتْ لها حلاً بالضرب وبعضها بالضرب أيضاً، وما عجزت عنه كانت تخيطه بخيطان الملاحف السميكة.

لطالما ذهب القرود الأربعة إلى المدرسة بحقائب ودفاتر مغلقة بخيطان الملاحف وعادوا بثياب مرقعة بخيطان الملاحف، ينامون بأفواه مغلقة ويصحون بأحلام متشابكة، وحين يخطئ أحدهم ويحلم حلماً جميلاً ومرتباً فإن حلمه سرعان ما يتعثر بخيط أبيض أو أسود من خيطان الملاحف.

عدا عن أنهم يلعبون لعبة شد الحبل بخيطان الملاحف، الشرطة والحرامية، وحتى العريس والعروس كانوا يلعبونها جميعاً بخيطان الملاحف.

كبر القرود وصاروا شباباً وصبايا، وبرأي أم العبد هذا كان سبباً كافياًً لتندلع الحرب (لطالما قالت: يكبرون وتكبر مصائبهم، لكن الحل عندي وفي عُبي)

جاءت الحرب كاملة مع إكسسواراتها، وصار الجميع يطلق آراءه السياسية والمنطقية واللا، الواقعية واللا، وسيق عدد كبير إلى المعتقلات والمعاقل وأماكن لا أسماء لها، هناك من خرج محملاً على الأربعة وهناك من لم يخرج ولن..

بالنسبة لأم العبد، لا الحرب ولا الجوع ولا المعتقلات والسجون تعني لها شيئاً طالما تحمل في عُبها خيطان ملاحف.

________________________

كاتبة من سورية

الصورة من فيلم “مكبث” 2015، إخراج جاستن كارزل.

*****

خاص بأوكسجين


شاعرة من سورية. من أعمالها "حرب ورقة مقص"" 2016"