حباتُ كرزٍ في بلدٍ مُرّ
العدد 279 | 22 أيلول 2023
عبدالله الريامي


الإِبْرَةُ

إبرةٌ

تُمضِي عمرَكَ لِتَمريرِ خيطٍ في ثقبِها

بعدَ مُحاولاتٍ قد تَنجح

وعادةً ما تُكابدُ

وتَصِرفُ النظرَ

عن خِياطةِ كلِّ ما تُريد

أحياناً تستعينُ بِحَادِّ نَظرٍ

لن تَجدَهُ كلَّ مرَّةٍ

ستقضِي المرَّاتِ كلَّها

وأنتَ تَلعنُ رهافةَ الخَيطِ

وضِيقَ الثُّقبِ

كانَ أسلافُنا يَعقِدونَ الخيطَ

في طَرفِها

أحدثَ أحدُهُم الثُّقبَ

تَغيَّرَ العالَمُ

واشتَدَّتِ المُعاناةُ

رَحَلَتِ الجدَّاتُ وهُنَّ مُنكَفِئاتٍ على ثُقبِ إبرةٍ

لا يَخرُجنَ ولا يَدخُلنَ

والإسكَافيُّونَ على غُرَزِ الأحذيةِ

لا يَسيرونَ ولا يَتوقفون

غداً البصرُ

أمنيةٌ مستحيلةٌ

والإبرةُ هِيَ هِيَ

لا تكبُرُ

لا يَتَّسعُ ثُقبُها

كلُّ يومٍ نودِّعُ مَنْ يُدخِلُ خَيطاً في إبرةٍ

نودِّعُ آخرَ الخيَّاطينَ

فالروبُوتَاتِ لا تَحتاجُ الملابسَ

والجياعُ عُراةٌ منذٌ الأزلِ

لا تُمرِّرْ خَيطاً

لا تُودِّعْ أحداً

فقط ” اقعُد في ثقبِ الإبرةِ

ولا تبرحْ

وإذا دخلَ الخيطُ في الإبرةِ

فلا تُمسكهُ

وإذا خَرجَ فلا تَمُدَّهُ

وافْرح”*[1].

عبدالإله الصالحي… بِئرٌ بِلا قَاع

تبدو أكثرَ إشراقاً

عندما تصبحُ أكثرَ قتامةً

أنتَ كسوفٌ

قمرٌ مظلمٌ يعبرُ قرصَ الشمسِ المضيءِ

تُلقي بظلالِكَ المرحةِ على أرضِنا

أيامُكَ منشورةٌ على حبلِ غسيلٍ لتجفَّ

وعمرُكَ وداعٌ طويلٌ

سأقولُ لكَ أشياءَ كثيرةً

ولا أقصدُ شيئاً

هناكَ راكبٌ مفقودٌ

لذلِكَ لن تُبحرَ السفينةُ حتى يعود

أنتَ المنحدرُ

على ظهرِكَ تتحطَّمُ وُجُهَاتِ النَّظر

رملٌ ينسابُ مع الريحِ

ويَثْبُتُ بالمطرِ

أنتَ طينٌ ونَحَّاتٌ

سيركٌ يُقدِّمُ عروضَهُ كلَّ يومٍ

لجمهورٍ من شخصٍ واحدٍ

الحبُ واحدٌ

وأنتَ الأعدادُ كلُها

صوتٌ محبوسٌ بين طيَّاتِ الحَجَرِ

أنتَ جبلٌ بِلا مناجمَ

أو ذهبٌ يتوهَّجُ

فيُرشدُ اللصوصَ إليكَ

جبلٌ آمنٌ

تُرسلُ إليهِ الكواكبُ أطفالَها لِتلعَب.

ابتسامات

على الطريقِ

أكتافُ مجهولةٌ باكيةٌ

لم يعرفْ أحدٌ قصصَ كفاحِها

لا أحدَ

ومع ذلكَ ابتساماتُها حلوةُ

مثلُ حباتِ الكرزِ في بلدٍ مُرّ

ماذا يفعلُ الشعراءُ

غيرَ تقليبِ الجمالِ في الرمادِ

وماذا يفعلُ الفنانونَ

غيرَ تصويرِ الدموعِ في تُحفٍ خالدةٍ

دموعٌ لا يمكنُ مسحها

وجوهٌ لا تريدُ العودةَ

كيْ لا تبكيَ مرةً أُخرى

على الطريقِ حباتُ كرزٍ

في بلدٍ مُرّ.

————-

[1] محمد بن عبدالجبار النفّري.

****

خاص بأوكسجين


شاعر من عُمان مقيم في المغرب. صدر له "فَرْق الهواء"" (1992، كما نشر مجموعتين شعريتين إلكترونياً نهاية التسعينيات، هما توالياً: ""حرَّاً كالخطأ"" و""أخطر الألعاب أو غرام""."

مساهمات أخرى للكاتب/ة: