توبي ليت.. قلب على سطح قرميد
العدد 180 | 12 تشرين الأول 2015
زياد عبدالله


كوميكو وسكيلتون في القطار، لقد رأيا للتو قلباً على سطح قرميد، القلب المنتزع لن ينبض من جديد، ستتدافع شخصيات كثيرة حوله، وكوميكو من البداية تتمنى لو تروي قصتها باليابانية.

لا شيء غريب في ذلك، متى كان الحديث عن الروائي البريطاني توبي ليت (1968) وروايته King Death (الملك موت) الصادرة عن بينغون – لندن، فهو كعادته لن يمهل القارئ، سيكون الحدث الذي يبدأ به متواصلاً ومستمرا إلى النهاية، وأمنية كوميكو اليابانية، سنجد لها ما يقابلها في روايته قبل الأخير “أعزف على الدرامز في فرقة اسمها أوكيه” 2008 ومن الجملة الأولى أيضاً “أليس أجمل الأشياء الآن أن تكون يابانيا”، بينما سكيلتون عازف غيتار بدل “الدرامز”، ستتوالى الأحداث والشخصيات كما لو أننا في فيلم “أكشن” وصولاً إلى حل لغز القلب وقد تكشف عن ألغاز أخرى.

في روايته الأولى “بيتنيكس” 1997 سنكون مع بوب ديلان في الفصل الأول من الرواية،  ثم فجأة نمسي في عام 1995  ونحن نلاحق سرد ماري وهي في حفلة تتعرف فيها على جاك ونيل ، ولنكون مع جيل “البيت” لكن في التسعينيات، جاك كيرواك ونيل كاسادي كأسماء مستعارة، وهما يتناوبان على ماري والتأمل البوذي وكتابة القصائد، ولأن رواية “على الطريق” تكون انجيلهما فإنهما سيمضيان من بدفورد إلى برايتون بالسيارة، لكن انكلترا ليست أميركا، المساحات أصغر، وإمكانية أن تكون “هيبز” في التسعينات أمر محفوف بالمخاطر. 

توبي ليت في “الملك موت” يجرب شيئاً جديداً، متصلاً ومنفصلاً عن أعماله السابقة، المساحة فيها مفتوحة للتشويق والدخول في أروقة مستشفى “غاي” وطلاب الطب في لندن، وتحول شخصيتا الرواية الرئيستان إلى محققين. فمع اكتشاف قرب المستشفى من سطح القرميد الذي وجد عليه القلب، ستمضي الرواية نحو أعمال التشريح التي يقوم بها طلاب الطب، ومن هؤلاء الطلاب سنعرف ما المقصود بـ “الملك موت” المسمى الخاص باستاذ مادة التشريح، ولتتحلق حول هذا القلب مصائر وشخصيات كثيرة، وفي سرد للحدث الواحد مرتين وبالتناوب بين كوميكو وسكيلتون، كوميكو التي تقرر هجران سكيلتون من البداية.

حب وتشويق ومصائر متداخلة حول هذا القلب، كوميكو تمضي للعيش مع طالبات كلية الطب، وهي متأكدة من أن الطالب بول وايت بريء من سرقة القلب ورميه، وعليه تتوالى الشخصيات التي تحقق معها كومكيو التي تكون فنانة يابانية شهيرة هربت من طوكيو إلى لندن لأن لا أحد يعرفها في الأخيرة، كما لو أنها توبي ليت نفسه، الذي عاش لسنتين ونصف في براغ كونه مكاناً ليست الانكليزية لغته.

على الموسيقى دائماً أن تحضر في روايات ليت، فهو مهووس بها وكل ما كان يتوق إليه أن يكون عازف غيتار، لا بل إنه كان يتمنى أن يمضي حياته وهو يستمع إلى أغاني “بينك فلويد”، وحضور شخصية سكيلتون كعازف أمر لنا أن نشاهده في أغلب أعماله، سكيلتون الذي سرعان ما يعمل حمّالاً  في المستشفى ليكتشف لغز القلب، ويفتح أمامنا عوالم أخرى في رواية تنتهي بحل أكثر من لغز وصولاً إلى مشارط التشريح التي تستخدم في نهاية الرواية.

عوالم توبي ليت مفتوحة على كل الاحتمالات، إنه ومن عمله القصصي الأول “مغامرات في الرأسمالية” 1996 يقدم نفسه كحيوان سرد لا يروض أو كائن يعيش على القصص، ومن القصة الأولى في ذلك العمل نقع على شخصية تقرر ألا تفعل شيئا إلا وفق ما تقوله الإعلانات، وشراء كل ما توصيه به، وصولاً إلى ذهابه إلى الصين لأن إعلاناً يقول له أن يفعل، وليعلق هناك دون أن يعود إلى لندن لأنه لم يعثر على إعلان يدعوه إلى العودة.

يريد توبي ليت أن يكتب عن كل شيء، الانعطافات كبيرة في رواياته، يمكن للعصابات أن تستهويه كما في “أغاني الفتيان المتوفين” 2001  ويمكن للسينما أن تأخذه لدرجة يجعل من السرد في “”اكتشاف نفسي” 2003 تتبعا للكاميرا، حيث تدعو فيكتوريا أصدقائها وأقاربها إلى بيتها وتمضي تكتب عنهم كما لو أنها قامت بزرع الكاميرات في كل مكان في البيت، لا بل إن إصرار ليت على أن يكون السرد بلسان امرأة مدهش على الدوام، كما فعل في “بيتنكس” حيث ماري تروي لنا وتشاركنا أحاسيس استثنائية بين جاك ونيل “أن أكون في السرير مع جسدين عاريين، لا جسد واحد، أمر شديد الغرابة، أشعر كما لو أن هناك الكثير من كل شيء، الكثير من الوزن، الكثير من اللحم، الكثير من الأفواه، الكثير من الخيارات. وأسوأ ما في ذلك بأن علي على الدوام أن اختار”.

مملكة توبي ليت الروائية والقصصية تحتوي أحد عشر عملاً، هو الذي كان يحلم بأن يكون مهندسا معمارياً، أو عازف غيتار لكن “ما من مساحة لمغن أصلع”، وليجد في الكتابة كل ما يتوق إليه، بدأ بالشعر، ثم أراد أن يكتب قصصه بأسلوب فريد لم يجربه أحد من قبل، لكنه سرعان ما اكتشف بطلان ذلك، ووضع حسبما يقول ثقته بما يراه أصبح يكتب وفق املاءات عينيه. 

*****

خاص بأوكسجين


كاتب من سورية. مؤسس مجلة أوكسجين ومحترف أوكسجين للنشر. صدرت له العديد من الروايات: "سيرة بطل الأبطال بحيرة الانكشاري ومآثر أسياده العظام (1984 هـ)" – (2019)، و"كلاب المناطق المحررة" (2017)، و"ديناميت" (ط1: 2012. ط2: 2018)، و" برّ دبي" (ط1: 2008. ط2: 2018). وله في القصة القصيرة: "سورية يا حبيبتي" (2021)، و"الوقائع العجيبة لصاحب الاسم المنقوص" (2016). كما صدر له شعراً: "ملائكة الطرقات السريعة" (2005)، و"قبل الحبر بقليل" (2000). من ترجماته: "محترقاً في الماء غارقاً في اللهب-مختارات من قصائد تشارلز بوكوفسكي" (2016)، و"طرق الرؤية" لجون برجر (2018)، و"اليانصيب وقصص أخرى" لشيرلي جاكسون (2022). وله أيضاً كتاب مختارات من التراث العربي بعنوان "الإسلام والضحك- نواضر الخاطر في كل مستطرف باهر" (2018)،  و"لا تقرأ هذا الكتاب إن لم ترَ من السماء إلَّا زرقتها" (2023) الصادر عن محترف أوكسجين للنشر.