لديّ القدرة على تحويل كل شيء إلى خوف.
يقول الرجل إلى زوجته التي لا يعرف ماهيتها، يلحظ سعادتها، والتململ الذي يصيب المرأة في الأمسيات الدافئة، فيهرب سريعا من تلك الأجواء، ويطلب العشاء.
يظن الرجل أن المرأة تفهمه، وتارة يظن أنها تحبه، عبر هذه الظنون وما على شاكلتها تمر السنوات على عجل.
لماذا تستعير كلمات الآخرين؟ لماذا لا توثق محبتك؟
يضحك الرجل ويقول إن شرح الأمر يستغرق وقتا طويلا، ويخبرها، هل تتذكرين صاحبي الأسمر، هذا الذي قال: إنه لشيء بالغ العنف ضدي أن أكون محبوبا.
يشعر أنها راضية، الأطفال نيام، يطبع قبلة على كتفها ويخرج للشرفة يدخن سيجارة ويحلم.
أحلم بما يحلم به الأطفال، العجائز، والمرأة العاشقة، وأقول في أمسيات نادرة كلاماً قليلاً: السهل القليل أطيب من الكثير الذي يستغرق جهدا.
مهنتي أن أصنع المعايير، وأفشل على الدوام في اللحظات الفاصلة.
الطفل الذي عيناه من حبور وقلق، نسختي الجديدة
كيف يعرف أني أخاف؟ وكيف حين أمرض يشتهي هو المرض؟
الحب عاهرة، وسلسبيل، أدوات صدئة، قواقع ملونة،
جورب أنيق يستميت المرء على ارتدائه دون الالتفات إلى ملابسه الممزقة.
الصباح مريب، والرجل الفاضل الأصلع النشيط، ينبغي أن يكف عن العطاء كيلا تُسقط الأنا اسمه من لائحة الشرف، كيف أشرح للمرأة عن الشروط، المرأة الغارقة في كي الملابس، الأطفال، الحلم بأن تصبح أجمل، وفي آخر الليل تمارس البكاء على نفسها.
كيف أشرح؟ والكلمات مصفوفة هندسية، وكما يقول أبي نقلا عن حزين آخر:
حين تصير الحياة اختبارا لا يرسب فيه أحد.
صباح الخير يا أبتي
صباح صبرك الحليف الاستراتيجي
صباح دمعتك الثقيلة
صباح فرحك.. فرح التلميذ بالمكافأة..
فنجان قهوة / نسترجع ونستدرك / هل يمكن إدراج فعل التغاضي ضمن لائحة أفعال الرجال؟
قطعة من
toblerone
كمشة تمر صلب
أبي يكره كل طري.
تقول زوجتي في الصباح، بعد صباح الخير، كلاما ما، فيما كنت أهز رأسي،
وأردد عبارات فيما هي تهز رأسها.
ثمة حروب كثيرة هذا الصباح، يتخللها أحداث تبدو جوهرية،
صباح الأمس بكيت في الشارع العام، ولم أجهد رأسي في معرفة الأسباب:
التجربة تقطع الطريق على الحياة..
يمكث القائد الآن في المختبر، برفقة مخرج حداثي، وكُتاب سيناريو أكفاء، فيما لا يكف المصور عن التقاط الصور: من مائة صورة يمكن أن نتحصل على لقطة طبيعية.
في الغرفة المجاورة يتفاوض رجل ما على شراء سلالة نادرة من الببغاوات وصنف من البطريق يشتهر بكثرة الإنجاب، المخطط الكبير لشفط التأمل، وبث النفور حيال الشعراء.
جاري تنصيب السيدة الأكثر كرها لنفسها، اجتياز اختبارات طويلة، تدريب المتسابقين على الغوص في الخراء، ويقول الفيلسوف عبارة رنانة عن التذمر ومستقبل البحر ثم يحلل عصر المشدات.
أتلقى رسالة على البريد السري: ُنفكر في الاستبضاع،
نريد من جلالتكم ألف كلمة لا رابط بينها ” يفكر الجهاز الشامل أن الصعوبة ينصاع لها الجميع، الإنسان يبجل ما يعجز عن فهمه “
سيتم تلبية جميع مطالبكم، موعدنا نهاية الشهر، مؤتمر تنقية القواميس، يلي المؤتمر حفل عشاء راقص على شرف ……. كلام ..
لماذا يريد الطفل أن يكبر؟
يريد أن ينتزع السلطة.
كانت بنتاً صغيرة
تخاف العتمة
والكتب الكبيرة السوداء،
كنت ربما على مشارف العشرين
أكتب عن أشياء
سأعرفها لاحقا
وأخبأ سعادتي
خلف ملامح غاضبة
ربما خجلا من
المصير العمومي
والأم الجميلة التي
غادرت.
في الصف الأخير
من ندوة ” عذاب القبر “
نزع الشيطان سراويلنا
وأدخلنا الجوع في التجربة.
إن مسايرة الزمن هي الفكرة التي أنتجت هذا الكم الهائل من المسوخ.
في البلدة التي كنت أحب، وسوف أحب
في الشارع حيث أرتعش قلبي للمرة الأولى، ثم واصل
الارتعاش فيما بعد.
شخوص تخرج من شخوص
أدوخ وأضحك وأفكر
في الفتاة الطيبة الجميلة تمشي بين نقطتين في الخط المتعرج، تسقط في الحفرة، تقاوم، تخرج وتواصل السير، من العزلة إلى المقاهي، من المقاهي إلى العزلة، من الغضب إلى البكاء، من البكاء إلى الغضب: ألا يمل الإنسان من الأمل؟
صباح الخير يا صديقتي العزيزة، صباح قبعتك الحمراء، قفازاتك الرطبة،
ونظرتك إلى نفسك في المرآة آخر الليل.
اليوم صباحا في ممرات العمل، وسط الأوباش والنياشين القذرة للإنسان الحديث،
ألقاب، ونظرات تستغرق صناعتها ساعات أمام المرآة.
كيف يوقع الإنسان على الورق ويستعيض عن اسمه؟
وجدتها هناك، حبيبتي القديمة، خرج اسمها من أعماقي، وتحركت شفتاي، وهربت من عيونها للغرفة المجاورة. كان هناك حفنة من الحثالة، تدور نكات جنسية، استعراض رخيص عن الذات، أشعلت سيجارة وأغمضت عيناي أقارن.
حبيبتي القديمة في الغرفة المجاورة، وأنا لحسن الحظ، كنت حليق الوجه وفي حال جميل، فمن الجميل أن تراك حبيبتك القديمة في أحسن حال.
فيما مضى، في العشرينات ربما، حين كنت نظيفا أكثر مما ينبغي: وهذا اتساخ.
ولكي أصل إلى المستهدف كان عليّ أن أعاود الكرة منذ البداية إذ كنت أرى في الاستراحة أو الخروج لقضاء مهمة خارج السياق نوعا من الإهمال، الآن أنتهي من المداعبة مع حبيبتي سريعا ثم أخرج لأفحص بطارية الهاتف ثم أعود إلى النقطة التالية مباشرة: الإيلاج.
إن تقسيم العملية الجنسية يختلف من عمرٍ لآخر، وبإمكانك من ممارسة جنسية أو مباراة كرة قدم بها تكتيك عال أن تفهم الحياة، شريطة أن تكون فارغا.
أعرف شيئا عن الذي حدث، فلي سابق معرفة باللطمة، وذات يوم ساكن ورتيب، أعلى كثيب من الرمل، استغرقت في خنفساء بدا لي حينها أنها غير عادية، لا أدري كم من الوقت مضى وأنا أطاردها، ولا أعرف حقيقة إن كانت اللطمة سابقة لفعل الاستغراق أم أنها من أخرجتني من هذا الحال. أحوال يا صديقي وكلام رخيص يشبه مساحيق التجميل، إن كل فعل ما هو إلا زيادة في تشويه الأصل، الأصل الذي ليس بمقدور أحد أن يتعرف إليه، ربما النسيان هو السبب، ربما الخوف، أنا غير معني بالأسباب وهذا هو الخلاف الجوهري بيننا، أنت تفكر في الأمر كرجل علم، وأنا لم أقرأ في حياتي معادلة واحدة تخص الإنسان، وحتى إن وجدت معادلة فإن ظروف صياغتها والعوامل المساعدة بداية من المناخ والجغرافيا والتاريخ الشخصي والتاريخ الأكبر، أنت لا تعرف أن لطمة ما أو استغراق في شيء ما أو حتى قبلة في عهد الصبا أو حلم صغير قادرة على نسف معادلتك من الأساس.
بطالة وتبغ وقلق، أحيانا وغالب الأمر “بغتة ” يتلاشى ضلعان من مثلث الوجود، لا أعرف أين يكونا حينها وماذا يفعلان، يصير المثلث خطا يلهث خلف نفسه، وربما من الفزع وسرعة الإيقاع تتشكل دائرة، وجهكِ مركزها: كم أنت جميلة.
عبارات طنانة، بالونات تملأ السماء، زاهية ولطيفة، ذرائع للذهاب، دروع صدئة يعاد طلاؤها بين الحين والأخر، وردة في جيب قميص غير موجود، أنا أضحك عند المحك، وفي شرق المدينة مقهى فقير، أحدث الصبي عن الباحة الخلفية يقفز في خياله جنس شرجي، البنت الصغيرة تحاول أن تصنع مفارقة بين الحقيبة والحقيقة، بصاق..
الجميع يبحث في الماضي عما يمنطق حاضره،
أنا كنت أحب الأرجوحة وحسب.
تعود هذه العبارة إلى عشرة أعوام مضت، لا أعرف لماذا تحتفظ ذاكرتي بالكثير من العبارات، أغلب العبارات لغيري، فيما تحتفظ بالقليل جدا من الأحداث، أفكر الآن أن أقف على رأسي ربما يتسق المشهد، على سبيل المثال أبحث في اللحظة هذه عما يجعل الأمس ممنطقا، تكتيك جديد: ما هي العلاقة بين الشاي الذي أشربه الآن واللفافة التي أدخنها بالعين التي تخرج منها الأنثى والقدم التي يخرج منها الرجل، استخلص شيئا غير ذي بال: الصوت يسبق الوجود.
على كثيب عال من الرمل، رفقة كائنات تنتظر، كانت الأخبار تتوالى عن قدوم الكائن العجيب، فسر البعض حضوره بأنه رسالة ضمنية من المخرج القدير لفيلم حياتنا: كنا ننتظر، ندخن ونشرب قهوة مرة، نحن لا نعرف المكان الذي سيخرج منه ولا الوقت كذلك، أول ما ظهر من الكائن كان صوته، بدأ الأمر بوشوشةٍ بعيدةٍ وسرعان ما تحول إلى ضجيج عارم، ورغم أن أحدا منا لم يشاهد هذا الكائن من قبل، غير أن أجدادنا القدامى قد شاهدوه وقصوا علينا حكايته، ربما هذا ما جعلنا نحتفظ برباطة الجأش، لا أعتقد أننا كنا نتفحص ملامحه، نحن بالأحرى كنا نتفحص وعي أجدادنا ونحن نلقي النظرات عليه، ما علاقة هذا الأمر بالغزالة التي ضحكت في الحلم وقالت: انتظرني ها هنا، كيف كنت أجلس أعلى الكثيب عاريا إلا من سروال صغير، أحدق في السماء الزرقاء وأدخن، وأفكر ضاحكا في مجون الغزالة ووعودها.
إن ألف قرصه من النمل أو الخنافس أشد وطأة من عضة أسد: هكذا أجعل من فرويد طبيباً بيطرياً. كل ما سبق وأكثر، ناهيك (التي هي في الأصل كلمة غريبة) عن الانتحال، تنتحل الزوجة صفة العشيقة، وتنتحل العشيقة صفة الصديق، وينتحل الصديق صفة الأب، وأنا سئمت من الدوار ونوبات القيء، وهكذا دواليك (هذه الكلمة يجب أن تخرج من القاموس) رغم جمال رنينها، إلا أننا الآن لا نفكر في الجمال، هذا ترف، إن كل ما يفتح باب التأويل ينبغي غلق الباب في وجهه.
معضلة كبيرة، لاحظ معي: يعتقد الجيران أن عدم انضمامي لفعالية تنظيف الحي، مجرد تكتيك. عليّ أن أشرع في بناء الجدار العازل بين الكلمات (التكتيك والوجود)
على سبيل المثال.
المؤسف أنني غير قادر على الإطلاق، الحلم كبير والأدوات صدئة، ورغم نجاحي في إعادة الاعتبار لبعض الكلمات (الانتقام) على سبيل المثال، إلا أنني عاجز عن تطبيق الأفكار، إن كل فكرة كبيرة يلزمها ضحايا، هكذا هي المعضلة الأخرى:
الحرية وهم: تخلى عن لا وعيك مثلا.
نجاح شخص ما يتم في إطار زمني محدد، الفشل ينتظر الجميع.
أنا لا أمسك البوق في فمي
ولا أقبل أن أمنح امتيازا
أو أسلب آخر،
لكنني في ساعات الصباح
أحب أن أتأمل حركة الطريق
البشر محاصرون بأفكارهم
وجوع الجسد دائما أسفل اللثام
اللثام المرن المزركش اللغوي..
أبحث عن نقاط ضعف لدى الآخر كيما تبدأ العلاقة،
فتحات الشرج تحتل الصدارة
وأنا نزق، بريء، ونظيف
لذا بين الحين والآخر
أمرر أصابعي.
أنا أخبرك يا صديقي/ يا صديقتي
أنا أعض النص حتى يصرخ صاحبه،
فحتى حين يبول الإنسان: هو يمنح.
على سبيل المثال قالت عاهرتي الصغيرة: لماذا تكف عن الاستعراض ونحن على خشبة مسرح؟ إن كل الأخشاب تذكرني بأمي، حين كان الرفاق يبحثون عن الدموع في عيني.
ها أنا يا صديقي أعود للاسترسال مثلما اقترح علي سائق سيارة الأجرة، كان يهرب من شيئا ما وفهمت ضمنا شيئا عن التداعي.
أنا لن أمنح وردة الأعماق
وكل الأحاديث الدافئة إنما هي فائض رغبة.
مساء الخير/ صباح الخير، أتمرن على الكلام، أحشو الفراغات لأنعم بالفراغ، وكما أقسمت: لا أحب الصدارة، ليس نبلا، ولكن هربا من السهام.
لذا عليك أن تصدق يا صديقي/ يا صديقتي
صدّق العاهرة/ سائق سيارة الأجرة
لا تصدق نفسك/ لا تصدق الشعراء/ لا تصدق الفلاسفة
وامنح الفرصة، حتى لجرو الطريق.
المفردات: جرس الإنذار الواهي الخفيف.
أستدرك نفسي سريعا وأكشط “أفهم”، “أعرف”
لا، ليس بغرض الإجادة، ولتسامحني نفسي على هذا:
” لقد كبرت على تلك الأشياء”
لمزيد من الدقة والتواضع المحبب إلى قلبي:
” الإجادة ليست من أولوياتي”
ما الذي جاء بي إلى هنا؟
قطعا هي.
البنت التي تزور واقعها.
للحقيقة لا أتذكر كيف يشعر المرء حيال هذا،
نعم جربت تلك الأشياء، كنت في العشرين حينها، أكتب عن جيش من العاهرات
فيما كانت البنت التي أواعدها تبث هموما إلى صديقي:
” عام بطوله ولم يطلب قبلة، أقرب نهدي من وجهه فيحدثني عن شيء يدعى بيسوا”
أضحك كلما أتذكر هذا وأقول إنني كنت جميلاً.
إذن ما الذي جاء بي إلى هنا؟
قطعا هي،
البنت الجميلة.
يروي شارل أزنافور في عامه الثالث والتسعين أن جان كوكتو دعاه إلى العشاء نزولا عند رغبة زوجته التي كان يروق لها المطرب الشاب.
تلك الليلة وببراءة الأطفال سأل أزنافور مضيفه:
ماذا عليّ أن أقرأ؟
حينها منحه كوكتو لائحة تتجاوز العشرين كتاباً.
يواصل أزنافور الحكي بعذوبة:
ذهب كوكتو إلى مكتبة وحين عاد بعد وقت ليس بالقصير، سألته:
لابد وأنك كنت تكتب عملا عظيما، ليرد كوكتو قائلا: أنا أكتب وحسب.
يستنتج أزنافور من ذلك: أهمية عدم الانقطاع.
نعم هذا صحيح، أود العودة إلى المضمار، لا لست حصانا،
غير أني لن أنكر غرامي بالأعشاب.
سأذهب في الصباح الباكر، ومن الآن فصاعدا، سأهبط،
بداية، أتخير رقعة من الأرض، الخلاص مكان وليس زماناً.
الشرط أن تكون بعيدة، بعد خمس أعوام تقريبا، تأخذ الرقعة
شكل ملامحي، خلال تلك الأثناء، سأحفر بئرا وأزرع شجرا
أربي كلابا وأغنام، في الحقيقة أنا لا أحب المضمار، ولا تروق
لي فكرة السباق، أحاول أن أتورط.
في أغلب الأحيان لا أفهم شيئا مما يدور حولي، ربما لأنني عادة أعمل
بـ “ربع عقل” دون أن أعرف بقية الأشياء التي تحركني، وربع العقل هذا
قيمة تقديرية ربما تزيد أحيانا وتقل أحيانا أخرى، ولأنني لا أعرف شيئا عن العقل هذا
فأنا بالضرورة لا أعرف كيف أتحصل على نتائج متغيرة للفعل الواحد، هل الأرباع الأخرى تأخذ دورها كمحرك رئيسي أم أن باقي الدوافع تتغير ويكون هذا هو السبب؟
الخلاصة أنني خائف وحزين، والغريب أن عدداً لا بأس به يهرع إليّ حين الخوف والحزن ويقولون أنني أساعدهم بشكل جيد على تجاوز الأمر.
أحيانا يخيل إليّ أن الأمر كله لا يتعدى كونه حلماً طويلاً، وهل حين يخيل إليّ هذا تكون لحظة يقظة أم جزء آخر من الحلم؟
جاي كلارك، بانشو وليفتي، زمرة وعديد، من ثقب في الباب يراقب الجرح اللامع، من يسقط في السابعة عشر في البئر المسحورة/ كيف يخرج؟
غبار الطرقات، منديل طبعت عليه الجميلة قبلات بأحمر شفاه رخيص..
كل ما سبق يا صديقي، طرق على الجدار، كشط الأزميل أو هزة غربال.
بالأمس، وقطعا بعد الثانية عشرة، حيث الوقت مناسب ليجلس الرجل ويتفقد نفسه، بغتة أختلطت عليّ أغنيتين، دخلت هذه في تلك، كان الأمر مؤلما للغاية، حاولت ألا أفقد السيطرة على المعركة، ثم حاولت أن أسحب هذه من تلك بسلاسة ودون ضوضاء، حين فشل الأمر فكرت بأسلوب آخر: عليّ أن أغوص في الوحل. هناك قاعدة أخلاقية تقول:
ما أن تغوص، لن تكف، حتى تنال مراداً ما، وفي أغلب الأحوال أنت لا تنال مرادك، في أغلب الأحيان أنت لا تنال غير الكدمات، أنت تعرف الكدمات يا صديقي، أمس قررت أن أعود منتصرا، الكلمات تفرض الواقع، الكلمات لجام، تخرج الكلمات كالزبد في اللهاث المحموم، شرف الرجال، العرق الغزير، قبلة آخر اليوم على جبين منهك، سكاكر الإجادة، النوم فارغا على سرير نظيف، الكلمات تخرج كالزبد، وأنا أهيم في البيت الصامت كثعبان، كلص، كشيء ما، في واحدة من الدورات قبضت على الأغنية هذه في يد والأغنية تلك في الأخرى، هنا يكمن المأزق، عليك ألا تطرب قبل أن توثق هذا النجاح، فالمقدار المناسب من فقدان السيطرة يأتي بعده مباشره المقدار المهلك من فقدان السيطرة.
رأسي يؤلمني يا صديقي من معركة ليلة الأمس، صباح الخير على أية حال.
بين الحين والآخر أعثر على الأمل الذي قتلته يُبعث من جديد، يحدق هازئا:
لا فائدة ترتجى من تكرار المحاولة، أنا ضرورة، والضرورة لا تموت.
“ربما الأمر على غرار الجوع الذي لا يشبع أبدا”، أفكر.
أتذكر في يأس بالغ كل الجهد الذي بذلته، ثم أسلم أمري.
في البداية يظهر على هيئة نوبة حماس، تدفعني لمعاودة النظر إلى جسدي، ترميم مخالبي، زيارة المكتبات، احتقار الدروب السهلة والآمنة، البحث عن مواضيع أو شخوص تصلح للاحتقار، مؤخرا أيضا صرت أفكر في الانتقام بوصفه تقديراً للذات.
الأمل هذا “الذي ربما يحمل في الحقيقة أو عند العلماء اسما أكثر دقة” لا يجعلني أقيم وزنا لكلمات مثل الكرامة. ها أنا أطرق باب صاحبي، نجلس على طاولة مستديرة، أشده إلى اليمين فيما قوة هائلة تشده إلى الاتجاه المعاكس، يشدني هو إلى اليسار فيما أخرى هائلة تشدني للاتجاه المعاكس، أغلب المرات أفشل وينجح صديقي، ربما لأني أفتقر إلى المرجعية، وحين يحدث هذا، يحدث لفترة قصيرة، حين يزول المؤثر الذي يسحبني تتكفل القوة الهائلة بإعادتي إلى جحر وجودي، أفكر حينها في الجدوى، أنسى حديث الأمل عن نفسه، وأفكر في قتله من جديد.
في البيت أفكر في سمعة الكلمات، بريقها، كلمات مثل التجاوز/ التطور تبدو لي عديمة المعنى، زينة رخيصة، أفكر في إعادة الاعتبار للثبات/ اليمين/ الإيمان، الأمر يحتاج إلى جهد كبير، إن كل جهد يملأ عيني بالدموع.
*****
خاص بأوكسجين