تذبل من قلة اللمسات..الذرائعُ
العدد 217 | 11 آب 2017
قصي اللبدي


متأخر

تأخرتُ،

لا أتذكر من أجل ماذا تأخرت.

 كان الطريق بلا مارة،

لأكن صادقاً:

مرّت امرأتان،

وثرثرتا وهما تقطعان الطريق،

ولم ترياني.

 

وكان هنالك سرب من النمل

لكنه صامت

وبعيد

 

وراقبت نافذة تتثاءب،

 

قطاً يعذبه ذيله،

فابتسمت له

 

وتأكدت من ساعة اليد:

ثمة وقت.

 

تذكرت أغنية ما، ولم أعرف الكلمات،

ولكنني لم أحد عن طريقي

ولم أجرح اللحن.

 

من أجل ماذا تأخرت؟

ما من مصادفة باغتتني، ولا هاتفي رن.

 

كي لا يقال: كذبت..

بكت غيمة كالغريبة قرب الرصيف،

ولم أدر ماذا أقول لها،

 

وسمعت خطى تتعقبني، فاستدرت

لعلي أرى قاتلي.

 

لأكن صادقاً:

لم يكن في الطريق سواي.

تأخرت

لا أتذكر من أجل ماذا .

 

في ما مضى

كنت،

في ما مضى من حياتي،

بأشياء عاديةٍ، أتسلى..

 

بفكّ من العظم، أجلوه بالرمل والضحكات،

من الجهتين،

وأطلق أسنانه، كالرصاص،

على كل شيء

 

بأشياء مما يعيدون تدويره الآن،

أبعثُ، من قبره المعدنيّ،

كماناً،

وأطلق أنغامه، كالرصاص، على كل شيء

 

بأشياء أخرى

أقلّ..

 

وحين أملّ

أسير إلى موجة تعبر الصحراء،

وأغرق في مائها المتخيلِ، حتى فمي.

 

كنت في ما مضى

أتسلى بأشياء ميتة،

وأقول لها:

أنت ذي عدتِ، ثانية، حية.

قاومي.

 

صراخ

سأقولُ شيئاً خالياً إلا من الإيقاعِ:

كم أني وحيدٌ..

 

ربما لو قلتِ شيئا ما،

لو استرسلتِ في ما قلتِ،

لو لم..

 

منذ غادرتِ، اختفت من عالمي الأصواتُ.

لم أسمعْ سوى نفسي.

ولي صوتٌ عميق اللحن، مثلُ مفاجآت الطقس.

 

أما خارجي، فأرى فتىً يبكي على أشياء يحملها

فتسقط منه..

يحملها، فتسقطُ

 

قلتُ:

“يكفي ما رأيتُ “.

 

سأكتفي بي. هكذا

انحرفتْ مع الإيقاعِ أجنحتي، فطرتُ

كأنني صوتٌ من الأصواتِ

لا معنى له.

 

علاقة

ضاغطاً فوق أسنانه، يتقدمني

عادة

أو يجيء من الخلف، مندفعا، ويرجّ الهواءَ..

 

وفيما أخضّ ضمير الجوارير – حيث

تخبىء أحلامها الطعناتُ المميتةُ – تذبل من قلة اللمسات،

الذرائعُ.

 

ليس سوى الكلمات القويةِ ترسل أنفاسها حارةً

في المكانِ

 

له نصفُ ما ليَ من كلّ شيء:

أخذنا طبائعنا من أبٍ ميتٍ، واقتسمنا

سريرا ومائدة وكتابا.

ولكننا نتحاشى الأحاديثَ والنظراتِ.

 

وأما مساء،

فيتركني في السرير ويخرج.

 

ها هو ذا يتمنى لي الموتَ.

عما قليل،

سأسمع في أذني طقة الباب.

*****

خاص بأوكسجين


شاعر وصحافي من الأردن. من مؤلفاته: "ليكن لي اسمك"" 2011 و""فرد في العائلة"" .2014"