بواب العمارة الفيلسوف وبنات الزعتر والفراولة
العدد 285 | 1-4-2024
قطع - وصل


ًوالفلسطيني اعتاد أنواع العناق كافة، من كثرة الوداعات والاستقبالات، ومن كثرة الأيام الغادرة. ستجد صديقين التقيا بالأمس فحسب، يتعانقان ويتبادلان القبل في لقاء اليوم. تحسّبا ربما، إذ لا أحد يعرف إن كان هذا سيكون عناقا أخيرا. كان ياسر عرفات كثير العناق والقبل، وكان موضع تندّر. لا أحد يعرف مثله معنى الوداع، بما في ذلك وداع الأمهات لأطفالهن، فكأنهن استودعنه تلك اللحظة، رسالة سرية إلى العالم، حول حبّ يظلّ مقصوفا، يظلّ ناقصا كلما اكتمل، ومكتملا كلما نقص.

من “عن لحظات وداع أمهات غزة لأطفالهن القتلى” – سامر أبو هواش

*المجلة

___________________________

لا أدري ما هو وجه الشبه والتقارب بين الباطنية كمذهب فلسفي وأتباعه من الحشاشين، وبين منطقة الباطنية في القاهرة المشهورة قديماً بتجارة الحشيش، السؤال ورد عليّ، وأنا أتابع مسلسل «الحشاشين»، ورغم أنه مسلسل جيد ومتعوب عليه إنتاجياً، وفيه فنانون وتمثيل راقٍ، وتصوير ممتع، إلا أن عيبه أنه ناطق بالدارجة المصرية، والأحداث والشخصيات في القرن الحادي عشر، وفي مناطق بعيدة عن مصر، فنزعوا عن هذا المسلسل التاريخي صفة جمالية وواقعية فيه، فلا يمكن أن تسمع «الحسن بن الصباح ونظام المُلك وعمر الخيام»، وهم يتحدثون باللهجة المصرية، وكأنهم في حارة من حواري القاهرة؛ لذا عزف عنه الكثير من المشاهدين، ولم يحظَ بمحطات تلفزيونية تستقبله بما يستحق، شخصياً لم أستطع المتابعة؛ لأن الأذن تعشق قبل العين أحياناً!

من “مقابسات رمضان” – ناصر الظاهري

*الاتحاد

___________________________

برنارد هنري ليفي هو أكثر “الفلاسفة” أو مدّعي الفلسفة، حضورًا سياسيًا وإعلاميًا في فرنسا، بلد الفلاسفة الحقيقيين كما كان يعتقد أكثرنا. فقد كان في شبابه عضوًا في مجموعة مستشاري المرشح الرئاسي فرانسوا ميتران الذي تولى سدة الرئاسة بين عامي 1981 وحتى 1995. وعلى الرغم من ذلك، فقد عبّر في كتاباته وفي تصرفاته عن كرهه للطبقات الدنيا، وصار يمكن نسبه لفئة “يسار الكافيار”، كما يحب الفرنسيون وصم هذه الفئة من اليساريين “الموضة”. وفي هذا الإطار، كان يقول عنه بيير بورديو: “هو الذي يحسبه بواب عمارتي صحافيًا، والذي يظنُّه الصحافيون فيلسوفًا، والذي يعتبره الفلاسفة بواب عمارتي”.

من ” فرنسا من بيير بورديو إلى برنار هنري ليفي” – سلام الكواكبي

*المدن

___________________________

يصل الأمر ببعض المتابعين إلى حدّ القول إنَّ المؤسسةَ العسكريةَ والأمنية الروسية التي هالها تفكُّكُ الاتحادِ السوفياتي والانتصار الغربي المروع وضعت مشروعاً سرياً للثأر، وأوكلت مهمة تنفيذه إلى ضابطٍ صغير في جهاز الـ«كيه جي بي». أنا لا أتبنَّى هذه النظريةَ لأنَّني أخاف من الإفراط في حياكة السيناريوهات. لكن من حقّ المرءِ أن يفكّرَ في أنَّ روسيا المجروحة تعيش حالياً في عهدة قيصر مجروح يحمل أكبرَ مشروعِ انقلاب بعد الحرب العالمية الثانية.

من ” حين تثأر الإمبراطوريات المجروحة” – غسان شربل

*الشرق الأوسط

___________________________

حزنت ابنتي لور هذا الصباح – وهي التي ستبلغ السابعة من عمرها في نيسان/أبريل القادم – فهي لم تستوعب اليوم أني لا أملك زعتراً لأصنع لها به منقوشة أخبزها في فرن الطينة، فبكت، وغضبت، وعلا صوتها، وعاتبتني قائلة بحرقة:

“فهمنا إنو الجبنة خلصت، طب كمان الزعتر؟ زعتر يا ماما! لا زيت ولا زعتر! بس زعتر عم بطلب للمنقوشة!”

ما الذي في يدي أن أفعله؟!

اليوم عجنّا كي نخبز، ونحن نعجن كل يومَين تقريباً، فرافقتني لور كعادتها بعد أن أقنعتُها بعدم تفويت أول رغيف من الخبز الساخن المنفوخ الشهي، في محاولة يائسة مني لأنسيها منقوشة الزعتر، فقابلنا عند الفرن فتاة صغيرة، تبين لي من حديث أمها مع السيدات اللواتي ينتظرن دورهن أنها نازحة مع أهلها من غزة، وحالها كحالنا وحال معظم الموجودين في المكان. وقد تعمدتُ الحديث إلى لين التي لم تتجاوز الخامسة من عمرها لأشتت انتباهها عن صوت القصف الذي أخافها لتنهي أمها آخر عشرة أرغفة كانت تخبزها، فسألتُها:

“طيب! قليلي يا لين شو بتحبي تصيري بس تكبري؟”

فأجابت بسرعة: “فراولة.”

فأعدتُ الإجابة باندهاش: “فراولة؟! هيك قلتي؟ صح سمعت؟”

فأكدت إجابتها بثقة عالية: “آه. فراولة.”

وعقدت حاجبَيها، ونظرت إلى أمها بسرعة بعد أن وضعت يدها اليمين على خصرها، وقالت: “ليش ما جبتيلي فراولة؟ مش قلتلك بدي فراولة؟!”

جاء صوت أمها خافتاً: “حاضر، إن شاء الله.”

من ” اليومان صارا خمسة أشهر” – صبا توفيق وصفي

*موقع مؤسسة الدراسات الفلسطينية